fbpx

نظرة على الفريق الاقتصادي في الحكومة الانتقالية السورية

0 58

الخلاصة المبكرة:

لا يبدو أن الفريق الاقتصادي في الحكومة الانتقالية السورية سيكون قادراً على إنجاز مهمة انتشال سورية من مصيبة الدمار الشامل، ومن ثم النهوض بها في التنمية وإعادة الإعمار والرفاه في الوقت المناسب. وذلك بسبب تركيبة الفريق ذاته تنظيمياً ومؤسسياً في الوزارات الاقتصادية المعنية، وكذلك بشرياً من خلال قلة عدد الوزراء المكلفين بالإدارة في التركيبة الوزارية الحالية.

هذا ليس نقداً للحكومة من وجهة نظرنا، وإنما محاولة للوصف أساساً مع لمسة تحليلية مختصرة.

تمهيد:

تشكلت الحكومة الانتقالية السورية الجديدة يوم 29 آذار 2025 لتقود المرحلة الانتقالية المحددة بخمس سنوات حسب الإعلان الدستوري.

طبعاً، المشكلة الاقتصادية السورية كبيرة وعميقة، وتتشابك مع المشكلة الأمنية واستقرار البلد بعد سقوط الأسد. وحل المشكلة الاقتصادية هو أمر حاسم، ليس في نجاح تلك الحكومة فقط، بل في بقاء سورية السياسية ذاتها دولة موحدة ومستقرة. قد يقول أحدهم إن قوة الأمن هي من سيبقي البلد مستقرة. لا، ليس صحيحاً. الأمن أو القوة قادرة على إسقاط رأس السلطة، ولكن البلد لن تستقر على بطون جائعة لمواطنيها ما لم ينشط الاقتصاد وتنهض البلاد.

ولهذا رأينا أن ننظر إلى المهمة الاقتصادية من زاوية “الفريق الاقتصادي”، أو أسماء الأشخاص المكلفين بإدارة الملفات الاقتصادية من خلال الوزارات المعنية.

الفريق الاقتصادي:

إذن، من هم أعضاء الفريق الاقتصادي في هذه الحكومة الانتقالية؟ نستطيع القول إنهم “أربعة وزراء” يديرون سبع وزارات. وتاريخياً، تضم مجموعة الوزارات الاقتصادية من سبع إلى تسع وزارات. والآن، في هذه الحكومة الانتقالية لعام 2025، هناك سبع وزارات تظهر دمجاً وتكليفاً غير معهود.

وهذه الوزارات الاقتصادية عادةً هي الكتلة الأساسية في البلد، أي أنها فعلياً هي الاقتصاد السوري. وقد عيّن الرئيس أربعة وزراء فقط لإدارة هذه الوزارات، وهم السادة التالية أسماؤهم:

  1. د. نضال الشعار: وزيراً للاقتصاد، ووزيراً للتجارة، وكذلك وزيراً للصناعة.
  2. السيد محمد يسر برنية: وزيراً للمالية.
  3. السيد أمجد بدر: وزيراً للزراعة.
  4. المهندس محمد البشير: وزيراً للطاقة (وزارة النفط، ووزارة الكهرباء).

وهذه القائمة تنبئ عن تغيير جذري وضعف غير مبرر في تركيبة الفريق الاقتصادي التقليدية. ولم يُعلن عن مبررات هذا التغيير. وعلى عكس المتوقع من تماسك الفريق الاقتصادي لمواجهة الأعباء الجسيمة، نرى خلخلة واضحة في أدوار اللاعبين، خاصة بسبب الدمج السريع. ومن المعروف أن الوزارات الاقتصادية لا تعمل إلا متكاملة مع بعضها ومنسجمة الخطط. ويعتبر نجاح أي وزارة نجاحاً لكل الفريق، وفشل إحدى الوزارات فشلاً للفريق كله.

وتفسيراً لهذا الضعف، نلاحظ أنه يشرف على وزارتين منهما فقط وزير متفرغ لكل منهما، وهذا هو الأمر الطبيعي. بينما هناك وزير على ثلاث وزارات اقتصادية بحتة، ووزير آخر يشرف على وزارتين، وهذه الوزارات الخمس المدمجة هي عمود الاقتصاد. فهل هذان الوزيران لديهما قدرات إنسانية خارقة ليقوما بذلك؟ من المؤكد أنهما سيقومان جزئياً بمهامهما، إلا إذا كان القصد أن الاقتصاد سيجلس في الكرسي الخلفي. وهذا ليس ما تحتاجه سورية الآن.

هذا الفريق يبدو أنه قد وُضع في وضع هش من حيث القدرة البشرية لإدارة وزارات ضخمة نسبياً ومتشعبة المديريات والأنشطة معاً. وهذا يجعل الفريق أمام تحدٍ ضخم داخله، بمقابل مهمة صعبة خارجه بأدوات غير كافية إدارياً وسياسياً لينجح في مهمته.

ويضاف إلى كل ذلك إلغاء منصب رئيس الوزراء، الذي عادةً ما ينسق أعمال الوزارات ويكون صلة الوصل بين رئيس الجمهورية وبين مجلس الوزراء، بما فيه الفريق الاقتصادي. ولهذا أصبحت المهمة أصعب بوجود النظام الرئاسي في سورية، بلد مدمر وغير مستقر سياسياً وأمنياً، مما يجعل مهمة اتصال الوزير برئيسه، أي رئيس الجمهورية، أمراً محرجاً إن لم يكن صعباً، ويؤدي إلى تقليل الفعالية.

تهنئة:

بما أنني أعرف وزيرين مهمين من هذه المجموعة معرفة مهنية عابرة على الأقل، هما د. نضال الشعار والسيد محمد يسر برنية، فإنني أتوجه إليهما أولاً بالتهنئة الشخصية، لأنني أرى أن التكليف بالوزارة في بلادنا، على المستوى الشخصي والإنساني، هو شرف كبير ووجاهة اجتماعية وسياسية مميزة. ومنصب الوزارة كان كذلك عبر التاريخ، بغض النظر عن مسمى الحاكم. وهما يستحقان هذه التهنئة على المستوى الشخصي.

التقييم الشخصي:

كما ذكرت، فإن معرفتي المهنية العابرة بكل من د. الشعار والسيد برنية تؤهلني لأقول إن كليهما لديه من الخبرة العملية والتأهيل الأكاديمي ما يكفي ليقود وزارته بطريقة مناسبة إدارياً. ويعتبر تشكيل وزارة سوبر، وهي وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة، بإشراف وزير واحد أمراً غير مألوف على المدى البعيد، بل صعباً، خاصةً وأن دور الوزارات الثلاث هذه مهم جداً في مرحلة الانطلاق التي هي عصب الاقتصاد.

أما الوزيران الآخران، وهما المهندس البشير والسيد بدر، فمعرفتي بهما وخبرتهما محدودة وقادمة مؤخراً من الإعلام الرسمي. لذا لا يحق لي منطقياً تقييمهما مبكراً. وقد سمعت أن السيد وزير الطاقة كان يعمل مهندساً في وزارة النفط، وهذا يعطيه نافذة من المعرفة بعمل وزارة النفط فقط. ولكن دمج وزارة النفط مع وزارة الكهرباء يخلق تحدياً هائلاً أمامه في ظل دمار شبكة الكهرباء في البلد، وفي ظل مشاكل النفط مع ميليشيا البكمة في المنطقة الشرقية.

التقييم الاستراتيجي:

بدون مجاملة، فإن تشكيلة الفريق إدارياً غريبة، أما الخطة الاستراتيجية المفترض وضعها أمام الفريق الاقتصادي لتنفيذها فتبدو لي غائبة تماماً، سواء مما رسمته لهم القيادة السياسية العليا ممثلةً برئيس الجمهورية، أو ما استطاع تطويره أعضاء الفريق ذاتهم. بل إن الخطة الاستراتيجية للنهوض بالبلد بشكل عام غائبة أيضاً، بعيداً عن الكلمات السياسية العامة. وربما ما سيحرك للعمل كل فرد من هذا الفريق الاقتصادي هو الاحتياجات الميدانية المطلوبة من وزارته بحسب مرسوم إحداثها، بالدرجة الأولى لا غير. وهي بهذا فإن كل وزارة سوف “تنقي شوكها بأيديها”، كما يقولون، لأنه لا توجد مساندة مؤسسية مؤكدة.

الخلاصة:

بقناعتي، إن هذا الفريق، بهذه المعطيات، لن يفلح في مهمة إنقاذ الاقتصاد السوري من حفرته العميقة في الوقت المناسب. بل إنه أقرب للفشل. وبالطبع سوف يتعلم الفريق من أخطائه أثناء العمل، ولكن هذا سيكون مكلفاً للمجتمع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني