fbpx

الديمقراطية في بلادنا.. قراءة في المعوقات وتحليل الأسباب

0 60

إذا كانت الديمقراطية كنظام حكم هي التطلع الأول لدى الشعوب التي عانت طوال قرون من أنظمة حكم شمولية ديكتاتورية، فلماذا لم تتحقق أو في أفضل الظروف لم تستمر التجربة الديمقراطية كنظام حكم في بلادنا العربية؟! هذه البلاد التي شهدت ثورات على هذه الأنظمة المستبدة، وقدَّم من خلالها المجتمعُ الآلافَ من الضحايا في سبيل الوصول لتلك الحالة المنشودة.

أولاً: ما قبل الديمقراطية

قبل الحديث في خصائص الديمقراطية وسماتها كنظام حكم، والتي أُشبعت بحثاً ودراسة على ما أعتقد، علينا التأمل والعودة خطوة للوراء لمعرفة الرؤى النظرية التي يجب أن تتوافر في أي مجتمع يطمح للوصول لحريته واختيار طرق وسبل حياته من خلال الممارسة السياسية والاقتصادية، والتي تتجلى في عصرنا اليوم باسم الحكم الديمقراطي.

إن الرؤى النظرية ضرورةٌ حتميةٌ لإنتاج أي ممارسة سلوكية صحيحة، مبنية على حقائق ومفاهيم سليمة، كي تصل تلك الممارسة إلى الغاية المبتغاة. ومن هذا المنطلق سيتضح لنا أن العالم العربي يعاني من أزمة فكرية نظرية، حيث يتم التركيز دائماً على الوصول للممارسة وإهمال الخلفية النظرية التي نتجت عنها تلك الممارسة. وهذا ما يجعلنا نستورد القوالب الجاهزة لصبّ طموحات حياتنا فيها للوصول للهدف بشكل مريح وسريع، وهذا ما كان دائماً يُقابل بالفشل أو عدم الوصول لتلك الطموحات في غالب الأحيان. ومن هنا سيتبادر لأذهاننا بعض الإرهاصات الفكرية في معرفة عدم إمكانية تحقيق حكم ديمقراطي في عالمنا العربي.

إن الوصول لعملية الانتخابات التي تمثل الشكل النهائي للممارسة الديمقراطية، لا يعني أبداً أننا سنختار نمط حياتنا الذي نريد، ولا حتى شكل الحكم الذي نتطلع إليه. وفي كثير من الأحيان في هذه الممارسة التي لم تُبنَ على أطر نظرية مشتقة من واقع مدروس، سننتخب بشكل ديمقراطي حر، من سيسلبنا حريتنا فيما بعد؟! وهذا ما حصل مع الألمان عندما أوصلوا الحزبَ النازيَّ إلى الحكم عبر انتخابات حرة، هذا على سبيل المثال لا الحصر. فالتاريخ يعج بالأمثلة عن النتائج العكسية التي نتجت عن الممارسة الديمقراطية في إنتاج حياة ديمقراطية حرة. وفي تاريخ سوريا كانت موجودة هذه الحالات. ورغم ذلك، فهذا الكلام بعيد كل البعد عن معنى أن الانتخابات كممارسة بحدّ ذاتها هي مشكلة، بل إن المشكلة ناتجة عمّا هو سابق على تلك الانتخابات.

في الحقيقة، إن الممارسة الديمقراطية كطريقة حياة وحكم هي السبيل الأفضل عبر تاريخ البشرية، بغض النظر عن تسميتها في كل عصر من العصور أو اختلاف خصائصها وسماتها بما يتلاءم مع طبيعة كل فترة زمنية وكل حضارة وثقافة لشعب من الشعوب. فالديمقراطية اليونانية قبل الميلاد ليست ذات الديمقراطية الغربية اليوم، ونظام الشورى الإسلامي في زمن الخلفاء الراشدين مختلف في بعض جوانبه إلى حدّ ما عن نظام الحكم الديمقراطي الليبرالي اليوم. ولكن ما يجمعهم هي فكرة أن يكون المجتمع هو من ينتج أسلوب إدارة حياته وليس الحاكم فقط.

إن الممارسة الديمقراطية في شكلها العملياتي واحدةٌ، رغم النتائج التي تصدر عنها. لذلك لا يمكن أن تكمن المشكلة في تلك الممارسة، وإنما يعود السبب في هذا الأمر لموضوع آخر يعتبر أساساً في الانتقال للحالة الديمقراطية التي تنتج حضارة بشرية، ألا وهو موضوع (المواطنة) ببعده الفكري المجتمعي. فالمجتمعات التي لم تتمثل فكرةَ المواطنة وتمارسها كنمط حياة، لم تصل إلى إنتاج حضاري من خلال العملية الديمقراطية. فالمقصود هنا بمصطلح المواطنة هو حالة الانتماء الفكري للمجتمع والخروج من الانتماءات الضيقة إلى الانتماء الحضاري الواسع. وهذا ما يثبته أي سرد تاريخي للحضارات الكبرى التي تركت وراءها إرثاً للبشرية من بعدها، مثل الحضارة اليونانية مروراً بالحضارة الإسلامية وصولاً لعصر النهضة الأوروبية. فالانتقال من ضيق وقوقعة القبيلة والعشيرة في مكة إلى النموذج الفكري الجديد في المدينة التي ضمت كل الناس من مختلف المشارب، وحوَّلت الانتماء من عضوي مادي إلى انتماء إنساني فكري روحي متعالٍ على عصبية الدم الخلدونية، مما يفرز عن هذا الانتماء الجديد واجبات وحقوق ومسؤوليات مواطنيّة تجاه فكرة الأمة البشرية وليس تجاه القبيلة وأعرافها. وقد تجلى ذلك الانتقال بنشوء حضارة مترامية الأطراف تركت آثارها في تاريخ البشرية حتى يومنا هذا.

وبنفس السياق، ذلك الانتقال الأوروبي من العصور الوسطى حيث الانتماء للقساوسة والحكام إلى الانتماء في عصر النهضة وما بعدها من خلال فلاسفة العقد الاجتماعي الذين أسسوا لفكر اجتماعي أخرج الناس من الحالة الطبيعية كما يسميها جان جاك روسو إلى الحالة الاجتماعية التي تكون فيها الحقوق والواجبات متساوية بين البشر، وتكون العلاقة بين الله والإنسان مباشرة دون وجود وسيط يحكم الناس باسم الله في الأرض. فهذا العقد الاجتماعي هو للخروج من الانتماء العضوي كذلك، للانتماء الفكري. وقد تجلى ذلك من خلال نتائج الثورة الفرنسية التي غيرت تاريخ أوروبا والعالم.

من هنا سندرك أن المجتمع الذي يبني فكر المواطنة ستكون الديمقراطية نتيجة حتمية بممارساتها السلوكية الحياتية وبنظمها السياسية وطبيعة الحكم. أما الحالة الديمقراطية التي تأتي بقرار من الحاكم ولا يقابلها مجتمع يعيش حالة المواطنة الحقيقية، ستكون نتائجها حكماً عسكرياً جاء بطريقة ديمقراطية.

ثانياً: الانتقال الديمقراطي

لقد شهدت بعض الدول العربية التي كانت ضمن الحراك الذي نتج عن الربيع العربي انتقالاً ديمقراطياً، مثل مصر وتونس، ولكن دون أن تستمر هذه العملية لفترة طويلة. لذلك علينا دراسة الأسباب المؤدية لفشل التجربة في حالتي مصر وتونس، ومعرفة الأسباب التي أدت للحيلولة دون الوصول للتجربة أصلاً في دول أخرى.

إن نظرية التحديث المجتمعي، والتي أميلُ إلى كثيرٍ من طروحاتها، يمكن لها أن تعطينا بعض التفسيرات عن الحيلولة لفشل تجاربنا كعرب في هذه التجربة. حيث يرى منظرو هذه النظرية أن الديمقراطية لا يمكن لها أن تتحقق دون انتقال المجتمع من النموذج التقليدي في نمط الحياة والتفكير بالطريقة المؤطرة في الانتماءات الضيقة ضمن العشيرة والمنطقة أو الطائفة، إلى النموذج الحديث أي العيش والتطلع الدائم لفكرة الدولة الحديثة. وهذا الانتقال يكون دائماً متلازماً مع التعليم الجيد في المجتمع. فهناك إحصائيات تتحدث عن ترابط التجارب الديمقراطية الناجحة مع جودة التعليم المتوفرة في المجتمع. وقد تكون هذه العلاقة علاقة جدلية بين الديمقراطية والتعليم. عندها ستكون الطبقة الوسطى هي الأكبر في المجتمع ذات البعد الثقافي المؤثر. ومن ثم تأتي الحالة الاقتصادية للمجتمع وأثرها الذي لا يمكن إغفاله في أي ظاهرة أو تحول اجتماعي من وإلى.. ولن تكتمل الأسباب الموضوعية في تحليل هذا السياق دون التطرق لسبب هام وضروري وهو السبب الخارجي، أي الإرادة الدولية في تحديد مصير الشعوب في الدول الناشئة. فهذه الدول الكبرى تلعب دوراً كبيراً في الانتقال الديمقراطي في الدول الأخرى وذلك حسب أهمية هذه الدولة الجيوسياسية وما يمكن أن يشكله الانتقال الديمقراطي فيها من عرقلة لدور تلك القوى الكبرى ومصالحها. وهذا ما قد يجعل تحقق الانتقال الديمقراطي أمراً قد يتوجب مواجهة القوى الكبرى المتحكمة في اقتصاد العالم ومصادر الثروة. ومن الأسباب المهمة والتي تظهر جلياً واضحاً في حالتنا السورية هي ثقافة النخب السياسية والمجتمعية، والتي قد تغيب عنها في كثير من الأحيان القدرة على استيعاب الوعي الجمعي لأي مجتمع طامح بالتغيير والانتقال للدولة الحديثة.

ثالثاً: الحالة السورية أنموذجاً

إذا أردنا تخصيص الموضوع عن الحالة السورية الراهنة، بعد أن تطرقنا للبعد النظري العام في الانتقال الديمقراطي، علينا وقبل كل شيء البحث في البعد الاجتماعي السوري من خلال دراسة واقع هذا المجتمع، وأثر المتغيرات التي عاشها خلال عقد ونيف من الزمن. وكون أن الحالة السورية ليست منفصلة عن محيطها العربي، فإن الفهم الشامل لمشاكل المجتمعات العربية وأنظمة حكمها سيؤدي بالضرورة لنتائج موضوعية عن واقعنا السوري رغم بعض الخصوصيات التي تميز الوضع السوري عن غيره من الأوضاع العربية الأخرى. ولكن يبقى السياق العام واحداً.

إن الربيع العربي الذي عاشته المنطقة العربية كان ثورة فكرية قبل كل شيء، رغم أنه يتخذ شكلاً سياسياً يبتغي التغيير لأنظمة الحكم. فهو محاولة لاستعادة الشعوب حق إنتاج المصير والحياة التي تريد. وليس المقصود هنا بالشكل السياسي أنها لم تكن سياسية في جوهرها، بل هي كذلك ولكن كانت سياسية بغية التحول الاجتماعي والرغبة في التغيير وليس لغاية سياسية ضيقة. وهذا ما تحدث عنه المفكر السوري برهان غليون في إحدى مقالاته عام 2011م في موقع الجزيرة حيث كتب يقول: (كالعنقاء التي تنبعث من رمادها، تولد الشعوب العربية اليوم من الحطام الذي آلت إليه في العقود الطويلة الماضية على يد نظم سياسية واجتماعية قاهرة وقهرية، وتتقدم على مسرح التاريخ طامحة إلى امتلاك مصيرها. ويعني امتلاك المصير استعادة الحق الأصلي في التصرف والسيادة التي نازعتها عليها قبل أن تنتزعها منها النخب الحاكمة في سياق تاريخي استثنائي كسرت فيه إرادة الشعوب العربية، ونجحت فيه الدول الكبرى في استتباع النخب الحاكمة واستخدامها للعمل على أجندتها الخاصة.

هي إذن في الجوهر ثورةٌ سياسيةٌ عميقةٌ تعيد تشكيل الشعوب التي صارت خلال العقود الماضية في حكم الرعايا والأتباع والموالي والعبيد، المنقسمين والمتنازعين والمهمشين والشاكّين بعضهم ببعض واليائسين من مصيرهم ومستقبلهم والمحتقرين لأنفسهم والمنخلعين عن ذواتهم بسبب عمق المهانة والعطالة والإحباط، وصهرها في أتون الحركة الاحتجاجية والثورة المستمرة على أشباه أسيادها أو أسيادها الزائفين، إلى أمم أو شعوب أمم يوحدها العمل المشترك والأمل الجامع في استلام زمام أمورها وانتزاع حقوقها)*.

كان ذلك في المرحلة الأولى من عمر الثورات العربية. لكن التغيرات التي طرأت على هذه الأطر النظرية التي كانت أسساً لتلك الثورات التي تحول بعضها لفترات انتقالية وبعضها الآخر استمرت النزاعات بين الأنظمة والشعوب الساعية للتغيير. وهنا علينا أن نركز على كلمة تغيير والتي لا تنحصر في ضيق الأفق السياسي في تغيير نظام الحكم فحسب، بل هو تغيير أعمق من ذلك حيث يشمل كل نواحي الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية… إلخ. وبما أن النظام السابق الحاكم في سوريا تحديداً نظام شمولي، فلابد من المطالبة بتغييره أولاً كي نسير نحو التغيير الشامل. إذن تغيير النظام في سوريا هو إجراء عملي في الوصول لذلك الطموح المجتمعي ولم يكن غاية بحد ذاته.

ومن ثم فإن التغيرات التي طرأت على غاية وأهداف وممارسات الثورة السورية كان طبيعياً من وجهة نظر علم الاجتماع. حيث أن الشعوب دائماً تبحث عن ملجأ تُشبع من خلاله غريزة الانتماء، خاصة في ظل غياب الدولة وما يلحقها من ضرب لهوية المواطنة. فإن المجتمع يرتد إلى الانتماءات القديمة العضوية مثل القبيلة والمنطقة والطائفة وغيرها…، وهذا أمر طبيعي وخاصة عندما يكون المجتمع لم يتلق تعليماً كافياً، والطبقة الوسطى مهمشة وغير فاعلة في صنع القرار، وانفصال النخب عن القواعد الشعبية. عندها سنرى حالة مشابهة لما نعيشه اليوم في سورية، عكس ما كان المجتمع السوري في بداية الحراك. وهذا ما يحدث لأي حراك قد استمر لفترة أطول من اللازم، كحال العجلة المتدحرجة التي ما تكاد تنحرف عن مسارها عندها يصبح سيرها أبطأ من نقطة الانطلاق. هذا من ناحية الوعي المجتمعي. وبالمقابل لا نستطيع أن نغفل أهمية الدور الدولي والإقليمي في تعطيل هذا الانتقال، كون سوريا ذات أهمية كبرى كموقع في الصراعات الدولية. وأيضاً دور النخب السورية التي لم تستطع أو لم يُشأ لها أن تستطيع لعب دور الموجه لهذا الحراك والانتقال الديمقراطي المنشود على المستوى الشعبي. فلم نشهد نضوج نموذج لحكم سياسي واضح المعالم عبر فترة الثورة، وحتى القوى العسكرية المعارضة لم تنتج سوى فصائل مقاتلة، وأهملت الحالة السياسية. فكانت الأجسام السياسية الناشئة والتي حاولت تمثيل هذه الثورة الشعبية منفصلة عن الحراك الميداني الشعبي، وانحصرت رؤى تلك الأجسام السياسية في نطاق أضيق من الطموح المجتمعي في التغيير الذي تحدثنا عنه، وركزت اهتمامها على استلام السلطة من السلطة الحاكمة لا أكثر. فكانت في كثير من الأحيان من منظور طبيعي أن هذه الأجسام لا تختلف كثيراً عن تلك السلطة التي تقف عقبة في طموح التغيير المنشود. من هنا انكفأ الشعب على ذاته، وأصابه نوع من اليأس السياسي في جدوى الحراك للمطالبة بالتغيير. فهذا الانكفاء يؤدي غالباً للعودة بالإنسان إلى البحث عن انتماء أضيق من فكرة الدولة، وذلك بالانضواء تحت راية العشيرة والمنطقة والفصيل وغيرها كما تشهد الساحة السورية اليوم بشكل واضح هذه الردة نحو تلك الحياة التقليدية.

رابعاً: رؤى مستقبلية

رغم كل ما ذكرنا من تفسير وتحليل للواقع السوري والعربي، فإن هناك أمراً ضرورياً يجب أن ندركه، وهو أن العلوم الإنسانية بعموميتها لا تخضع لقانون الحتمية كما هو الحال في العلوم الطبيعية. فحركة التاريخ ليست حتمية النمط والنموذج كما أورد ابن خلدون ذلك في مقدمته. فلا يوجد قانون صارم يحكم حركة الشعوب وتطورها، وكل حالة لها خصوصيتها ولها استثناءات قد تضرب من خلالها كل النظريات والتحليلات وتمشي بعكس ما هو مفروض لها عبر تلك النظريات. ومن هنا فإن بذرة الحرية قد زُرعت في مجتمعاتنا رغم أنها لم تنبت بعد. ولكن كما هو معلوم فإن البذور قد تبقى سنين طويلة في جوف الأرض تنتظر الوقت والجو والبيئة المناسبة لكي تبدأ بالنمو والخروج للنور الذي هو أحد عوامل نموها كذلك.

فما شهدته الساحة السورية في فترات ماضية من تحركات شعبية هنا وهناك من الجنوب وحتى الشمال، تثبت أن البذرة قد وُجدت ولن تقف عن المحاولة في أن تنبت رغم قساوة العوامل الأخرى التي تمنعها من الخروج للنور.

ومع فجر 8/12/2024م، وصل الشعبُ السوريُّ إلى الخطوة العملية الكبرى في سبيل تحقيق غاية الثورة الحقيقية في الانتقال للمجتمع المنشود وللدولة المنبثقة عن هذا المجتمع. هي الخطوة الأهم كما قلنا، ولكنها ليست الغاية النهائية الكبرى للسوريين.

فما علينا اليوم كسوريين من مثقفين وسياسيين واقتصاديين سوى تذليل تلك العوائق أمام طموح تلك البذرة في الوعي الجمعي للتحقق بعد أن تم فتح الطريق أمام العائق السياسي والعسكري الأكبر. والآن علينا العمل على العوائق الأعمق في بنية التفكير المجتمعي حتى لا نعيد إنتاج عوائق جديدة. وذلك من خلال التركيز على تقوية التعليم بشكل رئيسي أولاً وقبل كل شيء، وهذا كفيل بالخروج مجدداً من الانتماءات الضيقة إلى الفكر الحديث الذي ينتمي للدولة وليس لفصيل أو عشيرة. وهذا ما يسمى بالمواطنة بمعناها العميق بعيداً عن السطحية في تفسيرها. فالمواطنة هي نقطة انطلاق الحياة الديمقراطية وليس العكس. أو بمعنى آخر فإن المواطنة هي الضامن لاستمرار العملية الديمقراطية، وهي من تنتجها وتضمن بقاءها. وذلك عكس ما إذا كانت قد فُرضت على المجتمع من خارجه، فتكون هذه الديمقراطية غريبة عن نمط حياته وبذلك لن تستمر لفترة طويلة كما شهدنا ذلك في عدة دول عربية.

فإذا امتلكنا حياة المواطنة التي تجعل النضال المدني قاعدة أولية تنطلق منها كل التغييرات المنشودة، وتفرض على النخب حالة من الالتزام أمام المجتمع كون المساءلة لا يمكن أن تغيب في مجتمع ديمقراطي. مما يضطر تلك النخب للخضوع لإرادته وتقلص من تغول الدولة والعشيرة على طموحات المجتمع الساعي للتغيير نحو بناء حضارته المسلوبة منه بفعل تلك السلطات.

المصادر:

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني