fbpx

القضية الفلسطينية بين استراتيجيات التفكيك والتحولات الأيديولوجية

0 73

المقدمة: من الصراع السياسي إلى المعضلة الوجودية

عندما طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة “التهجير الطوعي” لأهل غزة، أو عندما تحدث نتنياهو عن ضم أجزاء من الضفة الغربية، لم تكن هذه الأفكار مجرد صدمات إعلامية عابرة، بل جزءاً من استراتيجية أعمق تهدف إلى اختبار حدود الواقع السياسي، وإعادة تشكيل السرديات حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي تحول من نزاع على الأرض إلى معركة أيديولوجية ودينية. هذه المقال يبحث في تعقيدات هذا التحول، وتأثيرات الاستراتيجيات الأمريكية – الإسرائيلية، ودور العوامل الإقليمية في استحالة الحل.

الفصل الأول: الاستراتيجيات الأمريكية – الإسرائيلية.. اختراق حدود الممكن

  1. صناعة البدائل: من الخيال إلى النقاش

تعتمد السياسة الخارجية لترامب ونتنياهو على مبدأ “الواقعية الصادمة”، الذي يحوِّل الأفكار المستحيلة إلى نقاشات سياسية:

  • غرينلاند نموذجاً: لم يكن اقتراح شراء غرينلاند مجرد نكتة، بل محاولة لاستكشاف فرص جديدة في القطب الشمالي، وتحديد أولويات واشنطن في مواجهة النفوذ الصيني-الروسي.
  • التهجير كأداة ضغط: تصريحات التهجير تهدف إلى كسر الجمود التفاوضي، وإجبار الفلسطينيين والعالم على قبول حلولٍ جديدة بدلاً من التمسك بحل الدولتين الذي تجاوزه الزمن.
  •  إدارة الفوضى: كيف تُصبح التصريحات المتناقضة سلاحاً؟
  • إغراق الساحة الإعلامية: إطلاق ترامب لتصريحات عن بناء الجدار مع المكسيك أو وصف كوريا الشمالية بـ”الدولة العظيمة”، خلق فوضى حوَّلت الانتباه عن قضايا داخلية اكثر الحاحاً.
  • التكرار كآلية تطبيع: تحويل مصطلحات مثل “الدولة اليهودية” أو “الضم” من شعارات متطرفة إلى جزء من الخطاب السياسي اليومي، عبر تكرارها حتى تصبح مألوفة.
  •  الرهان على الانهيار الديمغرافي

تروج إسرائيل لفكرة أن “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين قد تكون الحل الأمثل لأزمة غزة، مدعيةً أن حماس ومصر تمنعان السكان من المغادرة، بينما تؤكد القاهرة أن أي تهجير – حتى لو كان طوعياً – يجب أن يتم بالتوافق مع سيادتها، وليس كإملاءات خارجية.

الفصل الثاني: مصر.. بين التشنج الإعلامي وعبء التاريخ

  1. السلام المنفرد وصراع الشرعيات

بعد توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، دخلت في عزلة عربية، لكنها حافظت على أمنها القومي. اليوم، تواجه مصر انتقادات لـ “التشنج الإعلامي” المبالغ فيه في قضية غزة، والذي يُفسر على أنه محاولة لتعويض الفشل الداخلي في ملفات مثل:

  • الانهيار الاقتصادي: تلقي مصر أكثر من 50 مليار دولار كمساعدات في 2024، في ظل أزمة ديون خانقة.
  • التراجع الثقافي: عودة خطاب الكتاتيب الدينية بدلاً من تبني الحداثة، كما في تصريحات وزير الأوقاف مؤخراً.
  •  السيادة مقابل الاتهامات

ترفض مصر أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء، مستندةً إلى:

  • الدروس التاريخية: تجارب الأردن ولبنان والكويت مع توطين الفلسطينيين، والتي أدت إلى اضطرابات داخلية.
  • السيادة المطلقة: رفض أن تكون طرفاً في “صفقات” تُفرض عليها، خاصةً مع تداول شائعات عن عروض مالية ضخمة، تُعتبر غير واقعية بسبب تعقيدات الديون السيادية.

الفصل الثالث: التحول الأيديولوجي.. عندما يصبح الصراع دينياً

  1. أسلمة القضية الفلسطينية

تحولت القضية الفلسطينية من نزاعٍ سياسي إلى معركة دينية،  

  • القدس كرمز ديني: رفع مكانة المسجد الأقصى ليكون مساوياً لمكة والمدينة، مما حوّل الصراع إلى قضية مقدسة.
  • الإسلام السياسي: دعم جماعات مثل حماس من قبل إيران وتركيا، جعل القضية جزءاً من الصراع الشيعي-السني، ووسَّع نطاقها ليصبح “معركة وجود” للإسلام.
  •  استحالة التعايش: رؤية أكاديمية

       الصراع تحوّل إلى معضلة وجودية:

  • الرواية اليهودية: الخوف من التهديد الديمغرافي الذي قد يُنهي الدولة اليهودية.
  • الرواية الفلسطينية: الإيمان بـ”حق العودة” وتحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.

الفصل الرابع: إقليمياً.. لعبة الكراسي الموسيقية

  1. السعودية: بين التطبيع والخطاب المزدوج
  2. التطبيع كضرورة أمنية: تسعى الرياض لحماية نظامها من التهديدات الإيرانية، حتى لو تطلب ذلك تهميش القضية الفلسطينية.
  3. الخطاب المزدوج: التمسك الرسمي بحل الدولتين لاسترضاء الرأي العام العربي، بينما تُدار المفاوضات السرية مع إسرائيل.
  4.  إيران: صناعة الأعداء لتعزيز النفوذ

تُستخدم القضية الفلسطينية كورقة ضغط في الصراع الإقليمي، حيث تدعم طهران حماس لزعزعة الاستقرار في إسرائيل، وتعزيز نفوذها في المنطقة.

الخاتمة: لماذا يستحيل إنهاء الصراع؟

  1. الأيديولوجيا الواقعية: تحوُّل الصراع إلى معركة دينية يجعل أي حلٍ سياسي مستحيلاً.
  2. غياب القيادة الفلسطينية الموحدة: انقسام فتح وحماس يعكس انقساماً أعمق بين مشروع الدولة ومشروع “المقاومة الأبدية”.
  3. المصالح الإقليمية المتضاربة: تعتمد دول مثل إيران وتركيا على استمرار الصراع لتعزيز شرعيتها، بينما تعجز الدول العربية عن تقديم حلول.

الدرس الأهم هو أن النظام الدولي لا مكان فيه للضعفاء، لكنه أيضاً لا يقبل حلولاً تُفرض بالقوة. ما فعله ترامب ونتنياهو ليس سوى كشف النقاب عن فشل الحلول التقليدية، تاركين العالم أمام خيارين: إما الاستمرار في الحروب الدورية، أو الاعتراف بأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تحول إلى “ثقب أسود” يبتلع كل محاولات الحل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني