حريق البزورية خسارة جديدة من خسائر المدينة القديمة التي لاتنتهي
قبيل منتصف ليل الأحد اندلع حريق كبير في حي البزورية التهم عدة مستودعات كبيرة، وحي البزورية هو سوق تاريخي يقع جنوب الجامع الأموي ويحوي العديد من الخانات والمباني التاريخية إضافة إلى حوالي 200 من المحلات التي تبيع مواد العطارة والزهورات الشامية والأعشاب والتوابل إضافة إلى السكاكر والحلويات، وقد هرعت إلى مكان الحريق عشرة سيارات إطفاء نظراً لأهمية المكان ولاحتوائه على الكثير من المواد القابلة للاشتعال لقربها من محال بيع العطورات والبخور، وقد التهمت النيران مستودعات لحفظ المواد الغذائية والتوابل ويقدر عددها بـ 7 مستودعات ولكن الخسارة الأكبر كانت من نصيب مستودعات المصري التي احترقت بالكامل، ويقال أن الحريق بدأ من داخل خان المصري وهو أحد الخانات القديمة الموجودة بالمنطقة، وقد استمرت فرق الإطفاء بالعمل حتى الصباح على تبريد المكان خشية اندلاع المزيد من الحرائق نظراً لوجود العديد من الأبواب الخشبية والمواد البلاستيكية التي ساهم جزء كبير منها في زيادة شدة الحريق وقد قامت البلدية بإزالة مخلفات الحريق، ولم يستطع أحد حتى الآن معرفة أسباب الحريق نظراً للتكتم التي يفرضه النظام على أي حادث من الحوادث التي تقع في مناطق سيطرته، وقد تحدث بعضهم عن إمكانية أن يكون الحريق مفتعلاً، لكن هذه الفرضية ضعيفة نظراً لبدء الحريق من داخل الخان وهو ما يجعل إمكانية أن يكون مفتعلاً صعبة، ولأن حي العصرونية ملاصق للمراقد الدينية التي يقصدها الشيعة للحج وكانت المليشيات الطائفية تهدف إلى السيطرة عليها لحماية تلك المراقد، والجدير بالذكر أن منطقة العصرونية اندلع بها حرائق منذ عدة أعوام والتهمت عدداً كبيراً من محلات الحي ولكن لم تستطع تلك الأزمات والكوارث أن تجبر التجار على بيع محلاتهم وإخلاء المنطقة، بالإضافة إلى عدم رغبة الروس بسيطرة الإيرانيين على أهم مراكز دمشق.
وعلى الرغم من قدم وعراقة دمشق القديمة وأهميتها التاريخية إلا أن حالها حال باقي المناطق السورية مهملة ومهمشة ولا يوجد فيها أية وسيلة من وسائل الحماية ضد الحرائق، وتمديدات الكهرباء في تلك المنطقة لربما تعود إلى أيام الحكم العثماني فهي عبارة عن أسلاك غير معزولة بشكل جيد، وقد زادت الخطورة بعد لجوء أصحاب المحلات إلى المولدات والبطاريات نظراً لغياب الكهرباء لساعات طويلة، وقد تكون هي السبب الرئيسي في الحريق فالماس الكهربائي قد تسبب بحدوث العشرات من الحرائق في دمشق لأن عودة الكهرباء بعد انقطاعها تكون بشدة عالية تؤدي إلى حدوث شرارة وطبيعة المواد الموجودة في تلك المستودعات ساهمت في انتشار ألسنة اللهب، وتقدر خسارة التجار الدمشقيين بالملايين وقد انهار عدد منهم عند رؤية ما حل بمحلاتهم من خراب وكيف تحولت بضائعهم إلى فحم والجزء الذي لم تصله النار وصلته المياه وأدت إلى ذوبانه وضياعه، ومما يزيد من شدة مصابهم غياب التأمينات عن تلك المناطق وطبعاً لا يوجد أي تعويض من الحكومة السورية، وقد ذكر بعض التجار أن الحكومة دأبت إلى إرسال موظفي التموين بشكل كبير إلى تلك المنطقة وفرض ضرائب كبيرة عليهم، وبما أننا في فترة أعياد فقد بدؤوا بطلب العيدية من التجار. وقد أخبرنا أحد التجار أنه في اليوم الواحد جاءه أكثر من عشرة موظفين تموين طلباً للعيدية.
لربما قدر دمشق وسوريا أن تجتمع عليها النيران من نار الحرب إلى نار الغلاء إلى نار الفقر وصولاً إلى نار حرائق البزورية دون وجود أي بارقة أمل للخروج من بين كل تلك النيران أو على الأقل الحد من خسائر السوريين التي باتت لا تعد ولا تحصى.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”