الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تدعو لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا: فرصة للانتعاش أو خطر التأجيل؟
تحت ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا الجديدة في ديسمبر 2024 بعد سقوط نظام الأسد، يبرز السؤال الأهم: هل ما زالت العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على سوريا منذ عام 2011 أداة فعالة؟ بعد هروب بشار الأسد إلى موسكو وفتح السجون، أصبح من الضروري التفكير في إعادة تقييم تلك العقوبات. تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان يسلط الضوء على ضرورة رفع هذه العقوبات في ظل التحولات الجديدة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على آليات المساءلة تجاه الأفراد المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية.
العقوبات الاقتصادية: أداة للمحاسبة أم عبء على الشعب؟
منذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، ارتكب نظام الأسد انتهاكات جسيمة ضد الشعب السوري، منها القتل، والتعذيب، والإخفاء القسري، والتشريد. وفي غياب تحرك جدي من مجلس الأمن، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية وسياسية، كان أبرزها قانون قيصر، كوسيلة لمحاسبة النظام ودفعه نحو التغيير. ورغم دعم الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان لتطبيق هذه العقوبات ضد الأشخاص المتورطين في الانتهاكات، فإن الوضع تغير اليوم بعد سقوط النظام.
التحول في المشهد السوري: سقوط النظام وانتهاء مبررات العقوبات
مع سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 وهروب بشار الأسد إلى موسكو، انقلبت المعادلة السياسية على الأرض. فتحت السجون، وتوقفت عمليات القصف العشوائي، وبدأت سوريا في استشعار نبض الحياة من جديد. في ضوء هذا التحول، ترى الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن العقوبات الاقتصادية لم تعد أداة فعالة لتحقيق التغيير السياسي، بل أصبحت بمثابة عقبة أمام إعادة البناء وإعادة الاستقرار للبلاد.
العقوبات الاقتصادية: بين المساءلة وتعطيل جهود التعافي:
في ظل غياب نظام الأسد، أصبح استمرار العقوبات يشكل تهديدًا حقيقيًا لفرص التعافي في سوريا. تواجه البلاد تحديات ضخمة في إعادة بناء البنية التحتية واستعادة الخدمات الأساسية، وتطوير الاقتصاد المتعثر. الإبقاء على العقوبات الاقتصادية يعطل تدفق الموارد الحيوية، ويصعب مهمة المنظمات الإنسانية في تقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار. فضلًا عن ذلك، يعوق استعادة حقوق اللاجئين والنازحين، ويؤخر عملية عودتهم.
تأثير العقوبات على الاقتصاد:
أزمة مالية تتفاقم واحدة من أبرز تأثيرات العقوبات كانت على القطاع المالي السوري، حيث تسبب الحظر على البنك المركزي في تعطيل الاستقرار المالي. منع الوصول إلى احتياطيات النقد الأجنبي، وزيّنت معدلات التضخم، وأدى إلى زيادة نقص السيولة في الأسواق. هذا التدهور الاقتصادي يزيد من معاناة الشعب السوري ويجعل من الصعب على الحكومة السورية القادمة أن تجد حلولاً اقتصادية قابلة للتطبيق في ظل هذه القيود.
الإبقاء على العقوبات الفردية: ضمان محاسبة المتورطين:
رغم الدعوة لرفع العقوبات الاقتصادية على المؤسسات السورية، تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان على ضرورة الإبقاء على العقوبات الفردية ضد حوالي 300 من كبار مسؤولي النظام، مثل بشار الأسد، أسماء الأخرس، ماهر الأسد، رامي مخلوف، وغيرهم من رموز السلطة. هذه العقوبات تهدف لضمان عدم إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من العقاب، وتستمر في ممارسة الضغط على النظام لضمان محاسبة كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية.
إعادة النظر في العقوبات: شروط مشروطة وضمانات لضمان الشفافية:
ترى الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أن رفع العقوبات الاقتصادية يجب أن يرتبط بتقديم ضمانات قوية وشفافة لعدم تسرب الأموال إلى الجهات الفاسدة. يتطلب هذا وجود آليات رقابية صارمة لمراقبة كيفية استخدام الموارد بعد رفع العقوبات، وكذلك التزام الحكومة السورية الجديدة بمعايير حقوق الإنسان وتنفيذ إصلاحات سياسية تهدف إلى تعزيز العدالة والمساواة داخل المجتمع السوري.
سوريا على أعتاب مرحلة جديدة من الانتعاش:
إن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ليس فقط خطوة اقتصادية بل رسالة للمستقبل، خطوة نحو التعافي السياسي والاقتصادي للبلاد. ولكن يجب أن يكون هذا القرار مشروطًا بضمانات صارمة لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي. ومع ذلك، تبقى ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات أمرًا لا يمكن التهاون فيه. المستقبل السوري يجب أن يبنى على العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، ويجب على المجتمع الدولي أن يواصل دعمه لسوريا في هذا المسار. من خلال استراتيجيات مدروسة وشفافية في تطبيق الإصلاحات، يمكن لسوريا أن تبدأ رحلة التعافي الطويلة، مع الأمل في مستقبل أفضل لجميع أبنائها.