fbpx

مهرة

0 32

صعدتْ إلى الحافلة، جلستْ جانب امرأة في منتصف العقد الثالث من العمر، تحمل رضيعاً مصفرّ الوجه، ينقّ كضفدع في غدير، خاطبته: خلدون .. حبيبي .. مهلاً سنصل قريباً. سألتها: ما به؟

– مريض، وأنا ذاهبة به إلى عيادة  الدكتور عمر

– عمر مَنْ ؟

– عمر الفوّاز، عمّه، عيادته وسط المدينة.

هزّها الاسم، ماذا تقصد بعمّه؟ أيكون الاسم مصادفة ؟ فكّرت… ومَنْ زوجك؟

– حسان الفواز ، تاجر أقمشة.

صعقت .. كادت تفقد اتزانها .. أيعقل ما أسمع؟ أتكون هذه المرأة ضرّتي دونما أعلم.. تمالكت … وأين محلّه؟

– في شارع المحطة، مقابل جامع الغفاري، لديه أقمشة فاخرة ومتنوعة، حبذا لو تزورينه، ستعجبك.. وأرتها صورة الواجهة

تغشّت عيناها .. وكاد يُغمى عليها.. تماسكت.. ألقت رأسها على مسند مقعدها، وسرح خيالها يعيد الأيام، وكيف كان يذلل المستحيل ليتقرّب منها منذ اللقاء الأول لهما في المعهد، ونشوة الحب تعلو محيّاه عندما اعترفت له بخفق قلبها، والمشاوير، ورحلات المعهد، وحفلة التخرج، وافتتاح معرض الأقمشة، والتحاقها بالجامعة.. ورفض والدها له في البداية، وأيام الخطوبة، وحفل الزواج، وسعادتهما بثمرة حبهما الوحيدة… نكزها سؤال: ما بك سيدتي؟ علام اصفرّ وجهك؟ بمَ أساعدك؟

فتحت عينيها .. همست.. لا عليكِ .. أنا بخير، ولم تكمل … نزلت في أول محطة، ورجعت إلى البيت غاضبة تتساءل: هل قصرّت معه؟ وهل أهملت واجباتي تجاهه؟

وقفت أمام المرآة في غرفتها، نظرت إلى قوامها ووجهها.. أيراني كبرت فرغب عني؟ أنسي حبنا والعشرة، وابنتنا أمّ الشعر الأشقر أم أنّ رجولته لا تكتمل إلّا بوريث ذكر؟ كيف له أن يفعل ما فعل؟ منذ متى فكر به؟ لماذا خدعني؟ وكيف لنا أن نستمر بالعيش معاً ؟ وكيف أتقبل امرأة تشاركني زوجي؟ لا أستطيع … نظرت إلى صورته المعلقة على الجدار.. صرخت به.. إيّاكَ .. أرفض أيّة امرأة تشاركني .. فهمت!.. دارت في جنبات البيت .. نظرت عبر النافذة .. لم تطق رؤية المارة.. جلست في الصالة تنتظره، وتفكّر ماذا ستفعل …    

تأخّر على غير عادته.. ازدادت هواجسها .. أتكون مرّت به.. حدثته عما حصل معها في الحافلة .. أتراه ذهب معها وتأخر ليطمئن على ولده. 

سمعت صوت المفتاح في الباب .. دخل ودلف إلى الصالة .. شاهدها تجلس على الأريكة شاحبة كمن فقد عزعزاً، تقدّم منها.. سألها: حبيبتي .. ما بك؟

– لا شيء .. لماذا تأخرت؟

– كثرة الزبائن أنستني الوقت، هذا كل ما في الأمر

– زبائن أم زبونة؟! قلها يا عزيزي

– حبيبتي ما تعنين ؟

– أعني، هل أنا حقاً حبيبتك الوحيدة أم كنت الأولى؟ وافترت شفتاها عن ابتسامة باهتة حملت عتاباً وتساؤلاً.

– وهل هناك غيرك؟

– نعم، هناك     

– ما تقصدين بهناك؟

– أمّ خلدون

– مَنْ ؟!

– أمّ خلدون .. نسيتها ؟! اليوم التقيتها مصادفة في الحافلة ذاهبة إلى عيادة أخيك الدكتور عمر، ألم تخبرك؟

بُهت .. أُسْقِطَ في برزخ … “هذا ما كنت أخشاه قد وقع”.. ركع أمامها .. وضعت سبابتها على فمه.. هل تعرف أنك متزوج ولك حفيد أم كذبت عليها؟

– لم أكذب، تعرف.. وقبلت.. هوّني الأمر .. الشرع أحلّ أكثر من…

– لا تكمل – قاطعته- أعرف… لستَ الذكر الوحيد الذي يفعل ذلك؛ لكني ما فكرت يوماً أن تنسى حبنا والعشرة من أجل وريث ذكر.

– ما نسيت يوماً، لكن الشرع…

– ألم أعرض عليك أن نفترق بسلام بعد ذلك الحمل والعملية إيّاها؟

– بلى

– كنتَ تنتظر أن تكبر سعاد؟

– لا

– إذن كنت تبحث عمّن تنجب لك وريثاً ذكراً؟

– من حقي أن يرثني…

– نعم، فسعاد أنثى، والأنثى لا تحمل اسم أبيها، أليس كذلك؟

– لا تعقدي الأمر 

– أنسيت كيف شمخت كالديك المزهّر يوم افتتاح مكتبها “المهندسة سعاد حسان الفوّاز”؟

– سعاد ابنتي وافتخر بها

– يومها كانت ذكوريتك في سبات.. فمَنْ أيقظها.. العشيرة أم شباب أمّ خلدون؟

– هوّنيها.. ما قصرت في حقك حتى يومنا هذا؟

– لكنك خدعتني.. طعنتني بخنجر أنانيتك

– لا تعقدي الأمر، لقد تزوّجت وأنجبت.

– تعني كفى.. لا تجادلي، تقبلي الواقع

– ما قصدت ذلك

– يا عزيزي بيننا عقد شراكة مقدسة عن رضاً منك وقبول مني، أليس كذلك؟

– بلى…

– وكما لا ترضى كذكر شريكاً.. فأنا فرس حرّة، والحرّة كرامتها لا تقبل شريكة.

– مهلاً.. هل فكّرت بالأمر؟

-نعم، ولك الخيار.. أنا أو هي

– إنها، الآن، زوجتي وأمّ طفلي

– قلت لا أقبل شريكة

– لا تتسرعي.. أترضين أن يعيش هذا الصغير بلا أب؟

– أراك حسمت أمرك

– فكّري جيداً

– فكّرت.. نعم فكرت.. منذ سنة وأكثر شعرت بالأمر.. لم أصدق نفسي.. اليوم تأكدت.. لقد انتهى ما بيننا، وانهار ما بنيناه معاً، وتذكّر أنك بيدك هدمته.

نهضت.. تنظّرته بازدراء.. تناولت حقيبتها وهمت بالمغادرة.. استوقفها.. اغفري… أنا أولى…

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني