fbpx

غياب دور الجمعيات يفاقم عمالة الأطفال السوريين

0 84

تلعب الحروب الداخلية في المجتمعات دوراً كبيراً في تغيير مسار الحياة الطبيعي وطفو مسار جديد نتيجة عدم الاستقرار واللجوء والنزوح الداخلي وفقدان المعيل الرئيسي في الأسرة.

ويمكن القول إن المتضرر الأكبر مما تفعله الحروب هم الأطفال، الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا وأبصروا النور على القتل، والسجن، والنزوح، والتهجير.

ومع تفجّر الثورة السورية السلمية عام 2011 بات السوريون في صدارة المجتمعات التي تظهر فيها عمالة الأطفال في سورية وبلاد المهجر، لسوء الحالة الاقتصادية، أو فقدان الطفل أحد الأبوين أو كليهما، مما ألقى على عاتق هؤلاء الأطفال مسؤوليات كبيرة خارج مسار حياتهم الطبيعي.

نينار برس رصدت قصتين تشبهان قصص بقية الأطفال السوريين اللاجئين في تركيا، حيث التقت الطفل “عمر. م” البالغ من العمر 12 عاماً، وهو سوري الجنسية، ومُهَجّر في ولاية شانلي أورفة التركية، ويحمل بطاقة الحماية المؤقتة (Kimlik)، والذي يعمل في محل لتنجيد الأثاث في هذه الولاية، والمحل يبعد عن منزله ما يقارب 3 كيلو متر، بدوام من الساعة 8 صباحاً حتى الساعة 5 مساءً، وباستراحة ساعة واحدة من 12 حتى 1 ظهراً، وتسمى استراحة الغداء (كدوام الموظفين الأتراك).

عمر فقد والده منذ العام 2012 بالحرب السورية، عندما كان متجهاً من حيّ مخيم اليرموك إلى حيّ جرمانة بريف دمشق، ولديه أخ أصغر منه بسنتين، ووالدته يسكنون بمنزل قديم بأحد أحياء أورفة، بإيجار 4000 ليرة تركية.

ويعد “عمر” هو المعيل لعائلته، التي ليس لديها مصدر دخل، سوى كرت من الهلال الأحمر (1500 ليرة شهرياً)، وبعض المساعدات من المنظمات والجمعيات الإنسانية.

وخلال حديثنا مع عمر كان منهكاً من التعب؛ فالمحل الذي يعمل فيه، يقوم هو وأطفال 3 آخرين (من السوريين) بنقل الأثاث وتنجيده (أرَائِك، خزانات، أسِرَّة.. إلخ)، لصاحب مشغل تركي الجنسية، بمرتب يتراوح من 5 إلى 8 آلاف ليرة تركية (ما تعادل 200 دولار أمريكي تقريياً).

أما الطفل (وائل. أ) البالغ من العمر 13 عاماً، يعمل في محمصة لبيع المكسرات والبذور، بدوام 12 ساعة، تبدأ من الثانية عشرة ظهراً وحتى الثانية عشرة ليلاً، بالإضافة لما يزيد عن ساعة مواصلات، بين المنزل ومكان العمل.

يحدثنا (وائل) أنه يعيش وشقيقته الأصغر، مع جدته، بأحد أحياء أورفة القديمة، بعدما فقد والده في السجون السورية، منذ 2013، وزواج والدته. وكحال “عمر”، فإنه يعد المعيل لنفسه وشقيقته وجدته، مع بعض المساعدات الإنسانية ككرت الهلال الأحمر (1700 ليرة شهرياً)، وبعض أصحاب الأيادي البيضاء والمنظمات الإنسانية.

وفي سؤالنا عن دراسته، أجاب وائل بجملة “شغل ودراسة ما تمشي”، وأنه توقف عن الدراسة، عند الصف الرابع، بسبب الضائقة المالية للعائلة، والعنصرية والتنمر عليه من زملائه الأتراك، لكنه استطاع أن يتعلم اللغتين العربية والتركية بشكلٍ جيّد، وبعض المعادلات الحسابية البسيطة، وما يزال يتشوّق للعودة إلى مقاعد الدراسة.

حاولنا أن نفهم أكثر عن أسباب تفاقم عمالة الأطفال السوريين المهجرين في تركيا، وإذا ما كانت هناك نتائج لهذه الظاهرة، وحلول لمكافحتها أو الحدّ منها.. فالتقينا بالمعالج النفسي “خليل العاصي”؛ ليجيبنا عن أسئلة كان لا بد من الإجابة عليها ضمن اختصاصه، فقد قال “العاصي”: إنَّ آثار عمالة الأطفال كارثيّة على المدى القريب والبعيد، فقد يكون الطفل أكثر عرضة لتعلم سلوكات مشينة، وبعضها مؤذية لمحيطه (التسرب من المدارس أو تركها بشكل مطلق، التدخين، السرقة، تعلم الألفاظ النابية واستخدامها، التسوُّل، وقد تصل إلى تعاطي بعض المواد المخدرة، ويصبح أكثر عرضةً للتحرش الجنسي والابتزاز والاستغلال، تشكيل أو الانضمام إلى مجموعات غير سويّة)، خاصة أنه في أهم مرحلة لبناء شخصية الإنسان، وعلى صعيد آثار الأعمال الشاقّة على الأطفال جسدياً (الحدادة، النجارة ورشات تصليح السيارات، جمع مواد قابلة لإعادة التدوير، العمل في الزراعة…)، يعلل “العاصي” أن الأطفال العاملين في الأعمال الشاقّة أو الخطرة، ليس لديهم الوعي الكافي لتأمين الحماية أو الأمان أثناء العمل، ما يعرّض حياتهم للخطر الحقيقي.

ويعيش الطفل العامل حالة من القهر الاجتماعي، والإحباط، يجعلانه ينظر للحياة بأنها ليست عادلة، عندما يقارن نفسه بأطفال آخرين، يعيشون حياة طفوليّة صحيحة، ومتوفِّر لديهم احتياجات الطفل من أمان وأسرة وغذاء وتعليم وترفيه وغيره.. وغالباً ما تتحول حالة القهر إلى عدوانيّة، وتدنّي لمفهوم الذات، واضطرابات سلوكيّة، بالإضافة لمشاكل في التطور المعرفي اللازم، في المهارات الأساسية، كـ”إتقان القراءة والكتابة والحساب…”.

مشيراً إلى أنه سيكون الطفل البالغ من العمر 10 سنوات، بعد 10 أخرى ضمن مرحلة الشباب وقيادة المجتمع، “فكيف لو كان في سنّ الشباب بحالة أقل ما يقال فيها غير منضبطة؟!”.

الاختصاصي النفسي “أسعد الخضر” علّق لـ “نينار برس”، بأن عمالة الأطفال – لا سيما الأعمال الشاقّة منها – تؤثِّر بشكلٍ سلبي على نموهم الجسدي والعقلي والنفسي، كما أن كثير منهم يتعرضون للتنمر والشعور بالنقص والدونية، وقد يتطور الأمر ويتحوّل إلى اضطراب كرب ما بعد الصدمة.

ولفت “الخضر” إلى أمرٍ اعتبره هاماً للغاية، وهو فقدان الأطفال العاملين للإحساس بالأمان والحب والتقدير، الذي يحتاجونه كحاجتهم للأكل والشرب، ويجب أن تُلبّى.

ويرى “الخضر” أن من أبرز آليات حلول المشكلة، تُلقى على عاتق السلطات والمنظمات؛ لتأمين دخل مستقر لعائلة الطفل العامل، وإعادته إلى مقاعد الدراسة، وإلحاقه بمدارس التعليم المسرَّع، كي يعوِّض ما فاته، خلال سنوات انقطاعه على التعليم، ورعاية من مختصين نفسيين واجتماعيين، ريثما يعود الطفل للحياة السوية.

من جانبه رفض الدكتور في علم النفس الاجتماعي “صفوان قسّام” توصيف عمالة الأطفال السوريين في تركيا بـ”ظاهرة”، واعتبر أدقّ ما يوصف الحالة هو مصطلح “شائعة”؛ لعدم وجود إحصائيات دقيقة، ولا يمكن تسميتها “ظاهرة” إلا إذا كانت نسبة عمالة الأطفال تفوق 25% من السوريين اللاجئين في تركيا.

وأضاف “قسّام” على الأسباب، اللجوء، وعدم إتقان قسم كبير من الأطفال للغة البلد المضيف، وارتفاع مستوى الخطاب العنصري، والتنمُّر، و”أنه لا يوجد دمج اجتماعي حقيقي للطلاب السوريين بالأتراك، في المدارس التركية، ويقتصر ذلك فقط على الأوراق”، ما تؤدي كل هذه الأسباب، مع تردّي الأحوال الاقتصادية، إلى عدم وجود بيئة طبيعية للطالب في المدرسة، مما يدفعه إلى العمل.

ورصد “قسّام” ارتفاع حالة تسرُّب الأطفال مِن المدارِس، ودخولهم أجواء العمل، عندما أُغلِقَت المدارس الخاصة بالسوريين، وزجهم بالمدارس التركية، مشيراً إلى أنَّ إعادة افتتاح المدارس السورية قد يكون حلاً نافعاً، يعيد الأطفال إلى مقاعد الدراسة، خاصّة أن نسبة كبيرة من الذين استمروا بالدراسة في المدارس التركية، لم يتعلموا اللغة التركية بشكل جيد، ولم يتعلموا لغتهم الأم بشكلٍ مطلق. معللاً “أن مصير الأطفال السوريين العودة إلى سوريا، حتى لا يعودوا مشوهين، وجهلاء بأبسط المعارف”.

التقت نينار برس السيدة هبة جحجاح مديرة مركز أطفال قوس قزح للحديث عن دور الجمعيات بخصوص عمالة الأطفال.

تقول السيدة هبة: “مركز أطفال قوس قزح يسعى لتحقيق المساواة في الوصول إلى التعليم الجيد للأطفال اللاجئين السوريين الذين يقتربون من سن المدرسة في تركيا.

تأسست منظمة أطفال قوس قزح في عام 2019 في منطقة أكيول في غازي عنتاب، حيث تعيش العديد من العائلات السورية. جاءت المنظمة كرد فعل على القلق المتزايد من نقص الفرص التعليمية للأطفال اللاجئين السوريين والشباب الخاضعين للحماية المؤقتة. يوفر المركز بيئة تعليمية آمنة وشاملة تساعد في تطوير المهارات وتقوية الروابط المجتمعية”.

وتتابع: “حالياً، يستفيد من خدمات المركز حوالي 140 طفل. من بين هؤلاء، هناك 65 طفل متسربون من المدارس لأسباب متعددة، أبرزها عدم توفر الهوية أو عدم تسجيل النفوس.

من بين الأطفال الذين يحضرون إلى المركز، حوالي 15% منهم يعملون. وبحسب تقارير الباحثون الميدانيون لدينا هنالك عدة أسباب تدفع هؤلاء الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل، أبرزها الفقر والحاجة لمساعدة العائلة، وأيضاً عدم وجود أوراق ثبوتية تمكنهم من الالتحاق بالمدارس الحكومية”.

تركيا التي هي من بين الموقعين على النصوص الدوليّة بشأن حقوق الطفل وعمالة الأطفال، تقبل وتتعهد بضرورة القضاء على عمالة الأطفال، وذلك بموجب التشريعات الوطنية، والاتفاقيات والوثائق الدولية، التي أصبحت المعيار المحلي بتوقيعها.

وتعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل كل فرد يتراوح عمره بين 0 و18 سنة أنه طفل. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد الاتفاقية أن لكل طفل الحق في “الحماية من الاستغلال الاقتصادي، والحماية من تشغيله في الوظائف التي قد تكون خطيرة، أو تعوق تعليم الطفل، أو تفسد صحة الطفل أو تمنع النمو البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي”. تنص اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى للسن في العمل، على أن الحد الأدنى للسن المحدد لن يكون تحت سن التعليم الإلزامي، ولن يكون بعمر أقل من 15 عاماً، وذلك كمعايير لتحديد وتنظيم عمالة الأطفال. تؤكد الاتفاقية أن الطفل يجب أن يكون في المدرسة، وليس في العمل في هذه الفئة كونها ربطت الحد الأدنى بسن التعليم الإلزامي.

تشغيل الأطفال دون سن 15 عاماً غير قانوني في تركيا

يمكن للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً العمل فقط إذا لم يمنعهم العمل من إكمال 12 عاماً من التعليم الإلزامي كما هو منصوص عليه في القانون.

ويُحظر على جميع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، العمل في الوظائف والشروط المنظمة في إطار “لائحة الأعمال الثقيلة والخطيرة”، وهذه الوظائف هي من بين “أسوأ أشكال عمالة الأطفال”.

عمالة الأطفال تشكل خطورة كبيرة على حياتهم المستقبلية عموماً ودراستهم ونموهم البدني، والحيلولة دونها مسؤولية مجتمعية وطنية تمس الجميع منظمات وأفراد.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني