fbpx

التعذيب جريمة ضد الإنسانية

0 62

التعذيب ظاهرة ليست بطارئة أو حديثة، فتاريخ التعذيب قديم، وقد ارتكبه كثيرون عبر مسيرة الحضارة البشرية بأدوات وبأساليب متنوعة. فما المقصود بالتعذيب؟ ولماذا مساندة ضحاياه؟ وهل يمكن إيقافه أو الحد منه؟.

1- تشير “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” التي صادقت عليها أكثر من 166 دولة في مادتها الأولى أن التعذيب عمل ينتج عنه ألم وعذاب شديد جسدياً أو عقلياً أو نفسياً، يلحق عمداً بالشخص المعذَّب بقصد الحصول منه على معلومات، أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، أو يشتبه أنه ارتكبه لأي سبب يقوم على التمييز، أو يحرّض ويوافق عليه، أو يسكت عنه موظف رسمي، أو شخص يتصرف بصفته الرسمية.

ويعد التعذيب انتهاكاً صارخاً وجسيماً لحقوق الإنسان، وللكرامة البشرية، ويهدف لإفناء شخصية الضحية، ولا يمكن تبريره حتى أثناء النزاعات المسلحة. وهو محظور بموجب القانون الدولي، ومع ذلك فإن الكثير من مراكز الاحتجاز والسجون في بلدان عديدة تستخدمه بشكل ممنهج على المعتقلين والسجناء الذين يتعرضون إلى معاملة لاإنسانية بأساليب شتّى في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وشرق أوروبا… عدا الذين غُيّبوا قسرياً، والمفقودين الذين لا يعرف لهم مصير، وتكشف عنهم المقابر الجماعية.

يحدث التعذيب عادة خلف أبواب مغلقة خشية افتضاح أمره كجريمة لاإنسانية، وخوفاً مما يمكن أن يُحدِث من ردود أفعال اجتماعية أو سياسية، وما يشكل مستنداً قانونياً لملاحقة مرتكبيه جنائياً.

2- تنبهت هيئة الأمم المتحدة في العقود الأخيرة لظاهرة التعذيب، ولآثارها السيئة التي تلحق بضحاياها من الأفراد والجماعات، حيث يتعرض الأشخاص الضحايا للتعذيب بسبب آرائهم السياسية لكونهم يعارضون الأنظمة التي تضيّق هامش الحريات للحياة السياسية، أو ممن ينشطون في الدفاع عن حقوق الإنسان في كثير من البلدان، ويزداد الأمر سوءاً في حالات النزاع المسلح حيث يخضع أكثر من 90٪ من الأسرى للتعذيب بطرق شتّى تؤدي إلى إزهاق الأرواح في المعتقلات دون أي تفريق بين الرجال والنساء وحتى الأطفال.

لذلك أعلنت الجمعية العامة في قرارها (52/149) المؤرخ في 12 كانون الأول/ديسمبر 1997 يوم 26حزيران/يونيه يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب بهدف القضاء على التعذيب، وتفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب التي دخلت حيّز التنفيذ في 26 حزيران/يونيه 1987، وتأكد الاعتراف بهذه المناسبة على لسان الأمين العام السابق السيد كوفي أنان: “هذا اليوم، نقدّم خالص احترامنا لهؤلاء الذين قاسوا ما لا يمكن أن نتخيله. هذه فرصة للعالم ليتحدث عن المسكوت عنه، لقد تأخرنا كثيراً في تكريس هذا اليوم لضحايا التعذيب والناجين حول العالم”.

نعم تأخر العالم، وصمت طويلاً عن مئات آلاف ضحايا التعذيب في السجون السيئة السمعة وعلى رأسها (أبو غريب، وغوانتانامو، وغيرها).

3- لقد بلغ السيل الزبى، ومن المعيب أن يقف العالم عاجزاً عن تطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب أمام كثير من الأنظمة والسلطات والمليشيات التي تمارس التعذيب، وعن ملاحقة مرتكبيه ومن يأمرون به، وتقديمهم للمحاكم الجنائية. ولذلك صرّح الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش: “يجب ألّا يُسمح لمرتكبي التعذيب أبداً بالإفلات من جرائمهم، ويجب تفكيك الأنظمة التي تمكّن التعذيب أو تغييرها”، بالعمل مع الدول والمجتمع المدني لحماية حقوق الإنسان للذين حرموا من حريتهم إذا كانت الأمم المتحدة جادة بالعمل على إيقاف التعذيب والحدّ منه بوضع اتفاقية مناهضة التعذيب موضع التنفيذ من الدول التي صادقت عليها، وملاحقة مرتكبي جريمة التعذيب ومَن يأمرون بها ويشرفون عليها، وإلزام الدول بالسماح للجان حقوق الإنسان بزيارة سجونها، والاطلاع على أحوالها بحرية تامة، والتأكد من معاملة السجناء باحترام لكرامتهم الإنسانية المتأصلة وقيمتهم كبشر في مجتمع متحضر، ويؤكد نلسون مانديلا: “لا أحد يعرف حقاً أمة حتى يكون داخل أحد سجونها”، وهذا يوافق مقولة دوستويفسكي: “يمكن الحكم على درجة الحضارة في المجتمع من خلال دخول سجونه”.

وعلى الدول إصدار القوانين التي تجرّم التعذيب، وتحفظ حق الضحايا في التأهيل، والتعويض عما لحق بهم من آثاره السيئة.

ومن دواعي الأسف أن الدول الكبرى التي تدّعي مناصرة حقوق الإنسان، وتتمتع بحق الفيتو والعضوية الدائمة في مجلس الأمن هي صاحبة السجون الأسوأ، والداعم الأكبر لأنظمة الاستبداد السياسي في العالم. لذلك على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إعادة النظر في ميثاق هيئة الأمم المتحدة، ونظام مجلس الأمن الدولي، وإلغاء حق الفيتو والعضوية الدائمة للدول الكبرى لتستقيم الأمور، وتتحقق العدالة للجميع دون استثناء.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني