fbpx

هل هناك صفقة دولية إقليمية حول سوريا؟

0 5٬435

منذ أكثر من عقد من الزمن تدور بين الفينة والأخرى أحاديث ودراسات ومقالات، وتُبثّ فيديوهات عن قُرب عقد صفقة دولية إقليمية حول سوريا، وأغلب تلك المقالات (حتى لا نقول كلها) تتمحور حول بناء تَصوّر لمشروع يتضمن في صُلبه توافق الغرب والشرق، والشمال والجنوب، وما بينهما على إبقاء نظام الأسد كركيزة لحكم سوريا والقول علناً (أو تلميحاً) إنّ نظام الأسد لا بديل له، وجود هذا النظام هو حاجة دولية وإقليمية، بمعنى أنه حاجة كونية لتأمين الاستقرار في سوريا والإقليم كله.

وإذا افترضنا أنّ كل تلك المقالات والفيديوهات والدراسات هي اجتهاد لمن يقوم بها (والناس تُخطئ وتُصيب).. إلا أنّ بعضها تَصبّ في خانة تيئيس السوريين وإصابتهم بالإحباط المزمن والذي يؤدي للعجز، والإقلاع عن أيّ خطوة إيجابية تهدف لتجميعها مع خطوات أخرى لإسقاط عرش الأسد، ومن حق الإنسان البسيط أن يراوده هذا الشعور المحبط بل أن يَترسّخ عنده بأنّ لا فائدة من أيّ جهود أو تضحيات أخرى مادامت كل الدول في الكون تلهث نحو أعتاب قصر الأسد وتخطب ودّه.. وقد يتبادر لذهنه أيضاً، ولماذا أنا سأمسك السلم بالعرض وأناكف إرادات الدول طالما أنّ الأسد يُمثّل نقطة التقاء الخصوم كلهم.

وقد يكون قبل الغزو الروسي لأوكرانيا منذ عامين ونصف، حيث كانت العلاقة بين واشنطن وموسكو لا تتسم بالعداء أبداً بل بالتنافس وبأدوات ناعمة والتشارك بملفات أخرى، وكان مشهد القمم الروسية الأمريكية ولقاءات كبار المسؤولين في البلدين مشهداً عادياً، ويوجد كثير من الملفات المشتركة بينهما (والملف السوري أحدها) عندها كان سيل الصفقات لا يتوقف ولا يحتاج لأكثر من تصريح هنا، أو تسريب صحفي هناك، ومع كل ذلك لم تحدث أيّ صفقة بينهما حول سوريا (وأنا أتوقعها لن تحدث أبداً في ظل نظام الرئيس بوتين).

ومع أنه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، عطّل الأمريكان كل الجهد الروسي العسكري والسياسي في سوريا وأسهموا بمنع تثميره، حيث ظهر الروس تائهين، لم يتمكنوا من حسم الحرب لصالحهم وتقديم الأسد كمنتصر وأمر واقع يسيطر على كامل الجغرافيا السورية (على الأقل مثل الرئيس الكوري الشمالي)، ومن أراد أن يعترف به فليعترف ومن لا يريد هذا شأنه، لكن سيطرته على الأرض والشعب بشكل كامل ولفترة طويلة نسبياً تجعل منه نظاماً شرعياً دولياً..

ولم يستطع الرئيس الروسي فرض حل سياسي في سوريا يُكرس هيمنة الأسد على السلطة بعد إجراء بعض الرتوش السطحية، وماتت كل المسارات التي سارت عليها روسيا، ولم يبقِ إلا مساراً وحيداً للحل، صحيح أنه معطّل الآن، إلا أنه مسار وحيد مقونن دولياً ويحمل في عناوينه ومضامينه ثنائية تمثيل المشهد السوري بين نظام حكم ومعارضة شرعية وهذه الثنائية تمثل ولاية دولية على ملف الحل السوري.

وكان الروس يردون على تعطيل الأمريكان لمشاريعهم في سوريا، عبر محاولة إحداث صدع جيوسياسي في حلف الناتو، باستمالة أنقرة لموسكو وتخريب علاقتها مع بروكسل وواشنطن، ومنيت تلك الخطة بفشل ذريع عند أول اختبار للمواقف التركية بعد الحرب على أوكرانيا، وكان الروس وراء تخريب أيّ تَقدم في مسارات الحل السياسي، إلى أن وصلوا لتخريب أهم منتجاتهم الرديئة والتي قدموها للمجتمع الدولي وهي اللجنة الدستورية، وبالطبع كان الروس سعيدين بتحول نظام الأسد لدولة فاشلة مُصدرة للإرهاب واللاجئين والمخدرات والتي تهدد أمن الإقليم والعالم.

وصل سوء التفاهم بين واشنطن وموسكو إلى الملف الإنساني في سوريا، حيث مارست موسكو دورها في تعطيل آلية إدخال المساعدات عبر المعابر التي لا يُسيطر عليها نظام الأسد، إلى أن وصلت إلى معبر وحيد (باب الهوى) وتَسوّل المزيد من المساعدات للنظام عبر عنوانين شتى كالتعافي المبكر.

وبعد ذلك وبانغماس موسكو في حربها في أوكرانيا، تمّ تعطيل القرار 2585 كلياً واستعمال الفيتو الروسي في مجلس الأمن وبالتالي قطع شعرة معاوية الأخيرة والرفيعة المتهالكة بينهما بحيث لم تتفق العاصمتان الكبريان في العالم على قرار إدخال مساعدات إنسانية، فهل من المعقول أن يتفقا على صفقة كبرى حول سوريا؟!

باعتقادي أنّ عدم رهان واشنطن على أي حل تشاركي مع موسكو في الملف السوري، وبالتالي تجميد الملف وتخريب الجهود الروسية تُوضّح جلياً بفشل الروس في تجربة سمحت بها واشنطن بل أسهمت بها بنفسها، عندما اتفقت مع موسكو على إنهاء الدعم العسكري لفصائل الجنوب السوري وتعهد موسكو بإنجاز تسوية ما، تكون نموذجاً لإنجاز تسويات أكبر وصولاً لحلّ أو حلحلة الملف السوري.

وكما نعلم فشل الروس في ذلك فشلاً ذريعاً ولم ينجحوا بضمان نجاح أيّ تسوية، حنثوا بكل تعهداتهم، حيث بعدها تم إقرار قانون قيصر وغيره من العقوبات الاقتصادية والسياسية وتمّ التمديد السنوي لتواجد القوات الأمريكية في منطقة الجزيرة والفرات، وبعد ذلك اتجهت العلاقة بينهما لمنع التصادم العسكري وإدارة الأزمة.

وكانت المقاربة الأمريكية للملف السوري من الأبعاد الإنسانية فقط دون أفق أو خطة لحل سياسي.

وفي الوقت الذي تكون الحرب معلنة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والروس والإيرانيين من جهة الأخرى في البحار الثلاثة (الأسود والأبيض والأحمر) وبالطبع لا تندلع الحروب إلا بعد انسداد كل طرق التواصل والتفاهم، وعادة ما ينتج بعد الحروب وقائع وظروف جديدة تترك أثرها الواضح على أيّ ترتيب لمستقبل المنطقة.

وفي الوقت الذي يُهدّد الرئيس الروسي بحرب عالمية، وتوافق واشنطن وبرلين وباريس على استخدام الجيش الأوكراني لأسلحتها في دكّ العمق الروسي، ويصف الرئيس بايدن بوتين بالديكتاتور المتهوّر الأحمق ويصف روسيا بالدولة العدوة، في ذكرى إنزال النورماندي في فرنسا (في أكبر تحول في مسار الحرب العالمية الثانية ضد هتلر) وتشبيه بوتين بهتلر عدوّ الإنسانية جمعاء وليس الغرب وحده.

أيضاً تستمر عملية قطع الأذرع الايرانية في المنطقة وتسير على قدم وساق، وينشأ تحالف عربي غربي إسرائيلي غير مُعلن ضدّ إيران في 14 نيسان الماضي، وعندما يتم قطع الراس الإيراني الكبير في ضربة الهليكوبتر الرئاسية. في كل تلك الظروف لا يمكن أن يتمّ الحديث عن صفقة دولية يشترك بها كل هؤلاء الأعداء لإنجازها!!!

ولا يتوقف سيل الاتهامات القضائية الغربية عن الاسد وأعوانه، ومحاكمتهم بتهم جرائم ضد الإنسانية والحكم عليهم بالمؤبد (كما حدث في فرنسا مؤخراً حيث تم الحكم على جميل الحسن وعلي مملوك وعبد السلام محمود)، وألا يكفي صدور قانوني كبتاغون 1 و2 ضد الأسد، وألا يكفي سيل المخدرات والأسلحة المنطلق من سوريا الأسد باتجاه الاردن والسعودية، وحروب المخدرات لا تقل خطورة عن حروب الميليشيات والمسيرات، وبنفس الوقت لا يتم مشاهدة زيارة الأسد للحبر الأعظم في إيران وتأكيد الاثنين على أنّ سوريا الأسد جزء رئيسي وأصيل من (محور المقاومة).

وألا يكفي من يتوهمون حدوث الصفقات تقرير مجلس حكام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي تضمن لوم إيران لممارستها أفعالاً تخالف ما تم الاتفاق عليه، وهذا حدث مهم يُنذر بتوتر كبير بين من يقولون عنهم أنهم يبرمون الصفقات.

وألا يرى من يتوهمون الصفقات تحول حرب الاستنزاف والاغتيالات بين إسرائيل والحزب إلى حرب مفتوحة مدمرة للحزب وتستهدف استئصال بنيته العسكرية، فهل في مثل تلك الأحداث الكبرى الساخنة وغير معروفة المآلات أن تجري الصفقات.

وهل يكفي الموافقة على مشاريع تعافي مبكر في مناطق النظام لترميم مشاريع المياه والصرف الصحي وتعبيد بعض الطرق الخ، للبناء عليها بحدوث صفقة كبرى في هذا الجو المحموم، او إنّ تأخير الرئيس بايدن في عرض مشروع قانون مكافحة التطبيع مع الأسد على مجلس الشيوخ بعد مروره من مجلس النواب بأغلبية ساحقة من الحزبين يوحي بصفقة دولية مع الأسد، وهل إقرار قانون كبتاغون 2 قبله بأيام دليل على تحول استراتيجي في العلاقة الأمريكية اتجاه نظام الأسد وقرب عقد الصفقة؟

وهل اجتزاء بعض تصريحات وزير الدفاع التركي من سياقها ومضامينها دليل على هرولة أنقرة تجاه دمشق؟!.

يجب أن يعلم الجميع أنّ الأسد هو المشكلة ولن يكون جزءاً من الحل، وأنّ حل أيّ ملف من الملفات التي صدّرها الأسد للإقليم والعالم كملفات اللاجئين والإرهاب والمخدرات لن تُحلّ قبل رحيله.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني