fbpx

“سطل ماء بارد” على من راهن على خروج الأسد من عباءة المرشد

1 5٬412

يبدو أنّ المملكة العربية السعودية باتباعها سياسة صفر مشاكل في علاقاتها مع الجوار، أتت أكلها مع نظام الأسد، أصلحت علاقاتها مع قطر في قمة العلا بالشهر الأول من عام 2021، ثم أصلحت علاقاتها مع تركيا.

وبعد صراع مفتوح مع الحوثيين في اليمن منذ 2015 واستهداف عمق المملكة بصواريخ ومسيرات إيرانية الصنع، وبعد الضربة الموجعة في أيلول 2019 التي استهدفت فيها الأذرع الإيرانية من عدة دول منشآت آرامكو النفطية ودمرت جزءاً منها، حيث لم تمنع العلاقات الوثيقة بين واشنطن والرياض تلك الضربة ولم تُشكّل رادعاً للحرس الثوري، وبالمقابل كان الموقف الأمريكي بعدها ضعيفاً جداً وأرسل رسالة بأنه غير معني بالدفاع عن ضربة مماثلة لو حدثت.

أيضاً لم تُشكّل العلاقات المتنامية للسعودية مع الصين وروسيا (وهما حليفا إيران الرئيسيان) من منع ضرب منشآت آرامكو مع أن الصين تستورد 5 ملايين برميل نفط سعودي يومياً، وروسيا شريك المملكة في أوبك بلس.

اتجهت المملكة برعاية صينية إلى عقد تفاهم أو صلح مع إيران تمّ التوقيع عليه في 10 آذار 2023، ولم يتمّ الكشف عن أغلب بنوده.

أدركت المملكة أنّ عليها قلع شوكها بيدها، فأنجزت تفاهماً مع الأصيل وتوجّهت لاحتواء الوكلاء، ونجحت بإنجاز تهدئة مع الحوثي أتاحت لها عدم استهداف أراضيها، وأبدت ليناً تجاه ميليشيات الحشد العراقي وأبدت رغبتها في المساهمة بمشاريع تنموية في العراق، وأنهت التوتر مع حركة حماس وسمحت لقادتها بزيارة الأراضي المقدسة (قبل 7 أكتوبر 2023) ولم تستفز حزب الله في لبنان عبر دعم خصومه من السنّة والموارنة وغيرهم.

وكان للأسد نصيب من الاحتواء، وبسرعة غير معهودة من السياسة السعودية، استدارت السفينة السعودية نحو دمشق ووصلت في أسابيع ما انقطع في سنوات. وتم احتضان من الأمير السعودي الأول لبشار الأسد في جدة وإجلاسه بين رؤساء بقية الدول.

سياسة صفر مشاكل السعودية، أثمرت بعد 7 أكتوبر عن تحييد المملكة والخليج عن تداعيات الحرب بين الحرس الثوري وإسرائيل، كما أنّ المملكة لم تستفزّ إيران وآثرت عدم الانضمام لتحالف حارس الازدهار في البحر الأحمر والطلب من القواعد الأمريكية عدم استعمال قواعدها في قصف وكلاء الحرس الثوري في أيّ مكان انطلاقاً من تلك القواعد.

بالطبع كان الاتفاق السعودي الإيراني تكتيكياً لكلا الطرفين، ويمكن أن يموت بتغيّر الظروف، إذ أنّ السعودية وإيران خطان متوازيان لا يلتقيان.

ولم تُزعج المملكة وبقية الدول العربية الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، فكان فتح الأبواب العربية أمام الأسد مشروطاً أولاً، وتحت ديباجة ترضى عنها واشنطن وبروكسل، الحل في سوريا سيكون تحت مظلة القرار الاممي 2254.

وضع مؤتمر قمة جدة خطة متوافق عليها عربياً للتطبيع مع الأسد بحيث وحّدت المواقف العربية المتباينة، بشكل مبادرة باسم لجنة الاتصال العربية الوزارية الخماسية، وتركت لكل دولة قرارها السيادي بكيفية إعادة علاقاتها الثنائية مع الأسد، ولم نلحظ حرارة عربية نحو الأسد حتى أبو ظبي كانت باردة جداً.

كيف تعامل الأسد مع المبادرة العربية؟

تضمنت المبادرة العربية خمسة مواضيع رئيسية، وبعضهم أسماها مبادرة خطوة مقابل خطوة، وكانت الخطوة العربية الأولى إعادة نظام الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة وعليه تقديم الخطوة الأولى من قبله للرد عليها بخطوة ثانية.

بالطبع لم نرَ من تلك المبادرة إلا زيارات لوزراء عرب لدمشق، ولم يُقدّم النظام أيّ خطوة، حتى إنه لم يدخل بمفاوضات جدية حول أيّ منها بعد انقضاء أكثر من عام على انطلاق المسار، وبالمقابل لم يُقدّم العرب المال الذي يريده الأسد، ولا يُخفي الأسد قراره بقبوله كما هو منتصراً على خصومه ورئيساً للدولة السورية والسوريين.

ومواضيع المبادرة العربية الخمسة هي:

1- زيادة وتوسيع تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

لقد انخفضت المساعدات المقدمة لسوريا إلى أدنى مستوياتها خلال العام الماضي، كما أنّ برنامج الغذاء العالمي أوقف كل برامجه لسوريا على الرغم من أنّ 90% من السوريين يعيشون تحت خطر الفقر.

وتعهد مؤتمر بروكسل 8 بتقديم مساعدات للشعب السوري كانت حصة العرب منها ضعيفة جداً.

ويبدو أنّ العصا والجزرة مع نظام الأسد بموضوع التعافي المبكر هي سياسة عربية مقبلة.

2- تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين السوريين على نطاق واسع.

تشير كل المعطيات أنّ لا أحد من اللاجئين السوريين يُفكّر بالعودة إلى سوريا في ظلّ وجود الأسد وأجهزته الأمنية، حتى إنّ نظام الأسد لن يُوفّر أيّ بيئة آمنة لعودتهم قبل قبض الثمن وهو لا يُخفي ذلك، إعادة إعمار البنية التحتية والمنازل اللازمة لعودتهم. وقد مُنيَ الأسد بانتكاسة كبرى لجهوده تلك عندما أقرّ اجتماع بروكسل 8 الوزاري الأخير إنّ سوريا غير آمنة لعودة لاجئين إليها، وبالتالي ضاعت فرصة الحصول على أموال لإعادة الإعمار.

3- ملف تصنيع وتهريب المخدرات من أهمّ الملفات التي يمتلكها الأسد وهي ورقة سياسية وأمنية واقتصادية، وهو يرى أنها تُجدي سياسياً حيث يتهافت العرب إليه للحدّ منها، وهو يعمل على تقويتها حيث تشير معظم التقديرات أنّ تهريب الكبتاغون إلى الأردن وما يليه، تضاعف ثلاث مرات ببن قمتي جدة والمنامة.

كما أنّ الأبعاد الأمنية لتلك الورقة واضحة من خلال تهريب السلاح مع المخدرات إلى الأردن وغيره. وباتت عمليات التهريب أكثر احترافية وعُنفاً وتقوم بها ميليشيات منظمة تعود في تابعيتها للأسد والحرس الثوري، ويوم وصول السفير السعودي إلى دمشق أعلنت المملكة عن ضبط شحنة كبتاغون بقيمة 75 مليون دولار.

4- استئناف عمل اللجنة الدستورية والتوصل لحل سياسي يتماشى مع المبادرة الأممية.

بالطبع عطّل الأسد اجتماعات اللجنة الدستورية انسجاماً مع الموقف الروسي، ويرى نفسه أنه طبق كل مفردات القرار 2254 وزيادة.

5-إنشاء هيئة أمنية دولية لتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب في سوريا.

بالطبع يقصد العرب من هذا الموضوع هو الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري (العراقية واللبنانية والسورية) وخاصةً المتواجدة في الجنوب السوري، وبالطبع لايزال النفوذ الإيراني على حاله بل ازداد، حيث يدور جزء كبير من المعركة بين الحرس الثوري وإيران على الأرض السورية فلا يكاد يمر يوم دون عملية اغتيال أو تدمير لمنشآت تتبع لتلك الميليشيات.

كان بعضهم يبني أوهامه على محاولة إحداث شرخ بين الأسد وإيران، واستند على عدة نقاط منها النأي بنفسه عن الحرب على غزة. وانكفائه لمعالجة ترقيعات صورية داخلية في نظامه المتهالك رأى بعضهم أنها مُوجهة للخارج لتأكيد خطة التغيير التي يعمل عليها الأسد، إضافةً لظهور بعض الانتقادات العلنية من الساحل السوري لإيران، وتكاثرت احتمالات ذلك عند عدم مشاركته بجنازة تشييع الرئيس الإيراني المقتول، وإبعاده لزوجته عن مركز القرار في القصر الجمهوري، وفي ظلّ أحلام اليقظة تلك يظهر الأسد مع الولي الفقيه في طهران، لتقديم العزاء وأخذ خطط ومخططات اليوم التالي من المرشد الاعظم، في تأكيد أنه لازال تحت عباءة المرشد، وبالتالي سكب سطل ماء بارد على تلك الرؤوس التي راهنت على إحداث الشرخ بين العبد وسيده.

1 تعليق
  1. Md khalifa says

    مايزال الأسد يتنقل محاولاً الاستمرار بسياسة اللعب على الحبال في السيرك العالمي.
    ودعونا نعترف بأنه أجاد هذه اللعبة حتى الأيام القليلة الماضية . بغض النظر عن الدخول في الأسباب الخارجية والداخلية .
    ربما ستكون مخرجات مؤتمر البحرين الأخير
    الحلقة الأخيرة في محاولاته ، ليقرّر على أي الحبال سيشدّ قبضته .
    وليست زيارته الأخيرة لطهران إلا محاولة لاستكشاف موقف أهم مرتكزاته من مخرجات المؤتمر ، وتحديد جهة بوصلته المتأرجحة والتي لم تعد مستقرّة كما كانت .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني