الأوراق الثلاثة التي يُناور بها الأسد
(دق الميّ وهي ميّ)، هذا لسان حال العرب عن مشوارهم الأخير مع بشار الأسد، فعندما استدارت المملكة العربية السعودية بسرعة أكبر من سرعة استدارات البواخر الكبيرة، بعد أن عَطّلت عودة الأسد لشغل مقعد سوريا في جامعة العرب والذي عُقِدَ في الجزائر، ولم تُفلح كل الجهود لثنيها عن عزمها في نهايات عام 2022، خاصةً إنّ “لا تُصدّقوهم العشرة” التي أطلقها السفير المعلمي من منبر الأمم المتحدة لازال يُسمعُ صداها في الشرق الأوسط كله، وكانت السياسة السعودية اتجاه نظام الأسد تسير وفق تلك المحددات العشر.
بعد الصلح الإيراني السعودي في 10 آذار 2023، بدأت تداعياته تصل للساحة السورية، وبدأت لهجة الإعلام السعودي تتغيّر تجاه الأسد، في حين بدأ وزير الخارجية فيصل بن فرحان بتدوير المواقف والزوايا فوصل إلى دمشق في نهايتها، ووجه دعوة رسمية للأسد لحضور قمة جدة في 19 أيار 2023.
تلقّف الأسد الدعوة وهلّل الجمهور الموالي وعموم الجمهور الممانع في المنطقة وأطلق الأهازيج والأفراح تأكيداً على عودة العرب صاغرين إلى الأسد وليس كما يتمّ تصويره عودة الابن الضال إلى العائلة الرسمية العربية..
كان الأسد يرى في جلوسه بين القادة العرب طَيّ لصفحة 2011، وبداية لمرحلة جديدة تُكرّس انتصاره في الحرب وتعترف به رئيساً شرعياً لسوريا، وسينطلق العرب (وفق تقديره) للبدء بحملة دولية لإعادة تعويمه في عكس لعقارب الزمن عندما عَلّق العرب عضوية نظام الأسد في الجامعة بسبب عدم تجاوبه مع كل المبادرات العربية لحل الصراع في سوريا.
أوراق الأسد القوية
يمتلك الأسد ثلاثة أوراق قوية مازالت في حوزته، يساوم بها (العرب والعالم) للخروج من مآزقه، ويُدرك العرب والأسد أنّ الحل السياسي في سوريا ليس في أيديهم، إنما تُمسِك به قوى أكبر منهم، خاصة أنّ موت مسار أستانة الإقليمي الدولي شاهد على عدم القدرة لوصول الحلول لأيّ نتيجة بدون المظلة الغربية والتي لا تفوّت فرصة إلا وتقول إنّ الحل في سوريا سيتمّ تحت إشراف الأمم المتحدة ويرتكز في جوهره على قراراتها ذات الصلة بالقضية السورية.
- ورقة إنتاج وتهريب الكبتاغون
- ورقة اللاجئين
- ورقة النفوذ الإيراني في سوريا
بالتأكيد هذه الأوراق الثلاثة لن يتخلى عنها الأسد إلا في حال تمويت القرارات الدولية بمعنى تفسيرها وفق رؤيته بشكل يُفرغها من أيّ معنى، وتبقى شكلياً القرارات الأممية مرجعية الحل.
والأسد لن يقامر أو يغامر لفقدان أيّ ورقة منهم كعربون بناء ثقة بل سيتمسّك بهم لأنهم حبل نجاته الأخير.
ويرى الأسد أنّ الدور العربي في الملف السوري (وهو مرضي عنه غربياً) تشليح الأسد هذه الأوراق (أو بعضها على الأقل) مقابل وعود لم تتجاوز في سقفها ما اقترحه المسؤول الأممي الإنساني غريفيث (ولم يُنفّذ لحد الآن) إنشاء صندوق مقره دمشق للإنعاش المبكر يتمّ تمويله من الدول العربية ويعمل تحت عناوين إنسانية أممية بحتة ولا يمت لإعادة الإعمار بصلة، وبالطبع هذا لم ولن يوافق عليه الأسد لأنه يطلب خطوات سياسية وليست إنسانية وإغاثية، ليس ذلك فقط بل عمد في الفترة الأخيرة إلى التناغم مع حسن نصر الله وتهديده لدول الإتحاد الأوربي بفتح البحر أمام اللاجئين السوريين للوصول إلى أوربا.
وبالفعل لم يُقدّم الأسد بين القمتين (جدة 2023 والمنامة 2024) أيّ تنازل ولو كان صغيراً بأيّ من الملفات الثلاثة.
حرد العرب من الأسد وأوقفوا لجنة اتصالهم معه وجمّدوا كل المحاولات اليائسة، بل ومنعوه من الكلام في سوق عكاظهم وحرموه فرصة المزاودة عليهم بملف الحرب على غزة، وأهانه الملك الأردني بخطابه عندما أشار إلى دوره في زيادة دخول السلاح والمخدرات إلى بلاده.
ولم يَتمكّن العرب من أضعاف الأسد عبر حرق بعض تلك الأوراق وإبقائه عارياً، وامتنعوا بالطبع عن تقديم المال له ولم يقوموا بأيّ جهد للتوسّط له مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي، في انتظار تداعيات الحروب حول سوريا والتي ستترك أثرها على القضية السورية، ولن يتمكّن الأسد من اجترار أساليبه المعروفة بالخداع والمراوغة واللعب على التناقضات.
الموقف العربي والدولي ثابت وواضح منه، ويعرفه الأسد ويرى أنّ أول خطوة في ذلك الحل يعني هلاكه، لذلك لن يُقدٍم عليه إلا مرغماً، ولا زالت اللاءات الثلاث الغربية صامدة وصادمة له.
لا لرفع العقوبات
لا للتطبيع
لا لإعادة الاعمار
إلا وفق شروط لا يقدر الأسد على السير بها وبانتظار خيمة صفوان لسوريا يعلن فيها الأسد رضوخه.
تحليل موضوعي