fbpx

حَمْل وهمي

0 102

احذروا.. أعلن المتنبئ الجويّ: عاصفة تقترب.. لم يحدد موعداً دقيقاً.. ستكون جامحة وشاملة.. ستجتاح المنطقة كلَّها. تناولتها وسائل الإعلام، وأكدها الخبراء.. تداولها الناس فتضخّمت.. ولا يعلم أحد عمّا ستسفر عنه…

رجع حفيدي باسم من المدرسة. حيّاني وأهداني قبلة وعلى محيّاه ترتسم إشارات تساؤل مشوبة بخوف. ربّتُ على كتفه، ومسحت على شعره الأشقر: ما بكَ؟ ابتسم، وانطلق يخبرني، قالت المعلمة: إذا ما سمعتم أن غضب الطبيعة سيحلّ فلا تأتوا إلى المدرسة.. امكثوا في بيوتكم.. أخبروا الأهل أن يستعدوا لما سيأتي.. الجوّ ينذر بخطر داهم قد يقع قريباً، ويعمّ البلاد من أقصاها إلى أقصاها. طمأنته.. لا تخف، سنكون بخير، هي عاصفة وتمرّ كغيرها…، وليس كل ما تسمعه من الأرصاد الجوية صحيحاً…

بعد العشاء جلست أقرأ، جاءني وفي يده كرّاسة، سألته ماذا تريد؟ هل الواجب صعب؟

– لا، لكنّ العاصفة توشك…

– وكيف عرفت؟ 

– من التلفاز

– متى؟

– تعال وشاهد…

الأخوة المواطنون: الخطر كبير جداً، فالسماء تتلبّد بالغيوم، والجو يكفهرّ ويعصف، وبرق بعيد يلمع في عمق بحر يتلاطم…، احذروا.. تأكدوا… احكموا إغلاق النوافذ والأبواب جيداً.. ضعوا مؤونتكم في متناول أيديكم.. لا يعلم إلّا الرّب قوة العاصفة، وإلى متى ستستمرّ، وعمّا ستسفر من خسائر جسيمة، ويتوالى عرض مشاهد الحشد الهائل للقوة، رعد…، وبرق…، ومطر…

اقترب باسم.. التصق بي.. تكمّش كعصفور.. شعرت بخوفه.. حضنته.. إهدأ.. لا تخف. سألني: جدي ألا يستطيع الرّب إيقافها؟

– بلى، يستطيع

– لنصلِّ كي تهدأ

– ادعُ له أن يوقفها، أو يحدّ منها

أطفأت التلفاز، ورافقته إلى السرير.. لا تشغل بالك.. نم يا صغيري، وغداً فرج قريب…

قبيل الفجر هدأت العاصفة، وعمّ صمت شامل. سكن البحر، وصفت السماء، وتلألأت النجوم وابتسم القمر يغازلها…

استيقظ صغيري على شعاع يتسرّب من النافذة ويدغدغ وجنتيه، ويتلاعب برموش عينيه. أتى وأنا أحتسي قهوتي في الشرفة وعلى شفتيه سؤال. نظرت في عينيه العسليتين.. لمست خدّه.. ما بكَ؟

– انتهت العاصفة؟

– نعم، وماذا؟

– سمع الرّب دعانا…

– ابتسمت، بل سمعه مَن ينصّب نفسه ربّاً

– مَن هو؟

– ذاك الشرشبيل في مسلسل السنافر

عانقني…

وتعالت ضحكتنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني