fbpx

أربعة أهداف قد تكون وراء الضربة الإيرانية للبرج 22

2 4٬443

حدثت الضربة الإيرانية المميتة للجنود الأمريكان في البرج 22 في أقصى الشمال الشرقي للمملكة الأردنية، وهو وفق المقاييس الأمريكية 11 ايلول أخرى وخرق لقواعد الاشتباك المعمول بها مع أذرع الحرس الثوري، وتجاوز للخطوط الحمر الأمريكية المعروفة بتجريم الاقتراب من سفك الدم الأمريكي.

إنّ احتمال الخطأ في استهداف جنود أمريكان وقتلهم احتمال وارد ولا يُمكن تجاوزه ولكنه لابُدّ أنّه سيقع يوماً ما وقد تأخر كثيراً بعد 170 هجوم على القواعد الأمريكية بعد 7 أكتوبر. ومن يلعب بالنار لابُدّ من أن يحرق أصابعه.

وتحصل الأخطاء في جيوش نظامية وعلى درجة عالية من الانضباط ووضوح الأهداف واستعمال أحدث التكنولوجيات العسكرية، فكيف بأذرع ميليشياوية غير منضبطة وغير مدربة تدريباً كافياً ولا تملك ألف باء التكنلوجيا العسكرية.

ولم تكن واشنطن تُخفي رغبتها بعدم توسيع الحرب أو ان تمتد لِبؤر أخرى، وهي حسبت حساباتها لذلك فأرسلت إلى المنطقة (مع حلفائها الأوربيين) تعزيزات عسكرية بحرية وجوية لغاية الردع وإبقاء الصراع في غزة بين المقاومة الفلسطينية (وهي المحسوبة على الحرس الثوري) وجيش دولة الاحتلال والوصول بالحرب تلك لأهدافها المعلنة وهي هزيمة المقاومة هزيمة عسكرية تامة مع تغييبها عن المشهد السياسي في غزة أو ربما عن المشهد الفلسطيني بِرمّته، مهما تكن كمية النزيف الاخلاقي الذي سَتمنى بها الولايات المتحدة بدعمها المطلق للأهداف الإسرائيلية تلك وصمتها عن المجازر المرتكبة بحق المدنيين الغزاويين.

ولم تطالب الولايات المتحدة بوقف إطلاق نار ومفاوضات مع المقاومة في غزة بل ما تَسعى إليه هُدَن إنسانية وعدم ارتكاب مجازر جديدة بِحقّ المدنيين والطلب من الجيش الإسرائيلي خوض الحرب البرية التي لا فرار منها وتخفيف حدة القصف الجوي، وذلك لامتصاص الغضب الشعبي في المجتمعات الغربية وعدم إحراج أغلب حكومات الدول العربية والإسلامية والتي تتعاطف مع أهل غزة ولكنها تتمنى هزيمة فصائل المقاومة في غزة هزيمة كاملة.

وتُدرك إيران أنّ هدف الحرب على غزة مُتفق عليه أطلسياً مهما تكن التكاليف البشرية والاقتصادية على إسرائيل ومهما طالت المدة وسندخل قريبا في الشهر الخامس من الحرب.

ليس ذلك فحسب بل عدم تكرار ط وف ان أ ق ص ى جديد في أيّ زمان ومكان، وهنا تتوضّح الأهداف الإسرائيلية أنّ المقصود هو حزب الله في الجنوب اللبناني أو (و) فصائل فيلق القدس في الجنوب السوري.

ساهمت الأساطيل الأطلسية شرق المتوسط في ردع حزب الله عن أيّ مشاركة حقيقية في تخفيف الضغط عن غزة وبقي مُلتزماً بقواعد الاشتباك ومُبتلعاً كل خطاباته وشعاراته وأيديولوجياته ولطمياته وتهديداته عن رافعة مشروعه الطائفي وهي محاربة العدو الإسرائيلي ولا يَحسد أحد شكل أمينه العام في خطاباته المتعددة حيث كان كُلّ الذُلّ والعار والضعف وزيف المقاومة تَلبسه من رأسه حتى أخمص قدميه ولم يُحرّك إصبعه ولم يُهدّد أحد لأنه أيقن مصيره فيما لو أقدم على أيّ عمل يُنقذه أمام جمهوره.

ولم تتمكّن في النهاية إدارة الرئيس بايدن من تَجنّب توسعة الحرب وهي أُكرهت على ذلك حيث تخوض الآن ثلاثة حروب ساخنة، أولاها مع روسيا في أوكرانيا في البحر الاسود وثانيها إلى جانب جيش الاحتلال في غزة على ضفاف المتوسط وثالثها في البحر الأحمر بقيادتها لتحالف حارس الازدهار ضد ميليشيات الحوثي وقد حاولت تَجنّبها كثيراً ولم تُفلح.

والصراع البارد الأكثر أهمّية يجري في بحر الصين الجنوبي عبر قيادتها لحلف أوكوس وإنشائها لمجموعة من التحالفات مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية لتطويق الصين وردعها عن أيّ حماقة قد تُقدم عليها في تايوان.

ويُدرك هذا الانشغال الأمريكي في البحور الأربعة صانع القرار الروسي والإيراني، ويدركان أنّ تكرار المشهد الأفغاني الذي رافق الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان يُمكن تكراره في الشرق الأوسط خاصةً أنّ عاماً انتخابياً يَدقّ أبواب صانع القرار في البيت الأبيض.

بعد أكثر من 170 هجوماً من الأذرع الإيرانية طالت القواعد الأمريكية في سوريا والعراق رَدّت الولايات المتحدة رداً ناعماً وخجولاً على سيع منها.

وقعت الواقعة في مخيم الركبان ولا أظنّها خطأً بل عن سابق تخطيط، حيث تَمّ إدخال الساحة الأردنية إلى مناطق الصراع بعد أن كانت خارجه، ويمكن أن نتوقع أسباب الهجوم الإيراني بالوكالة على البرج 22.

1- لا يَخفى على أحد الأهداف الإيرانية المعلنة وخاصةً بعد مقتل نجم وصانع هلالهم قاسم سليماني في بداية عام 2020 أنّ أنجع طريقة للانتقام لمقتله ومتابعة مشروعه هو إخراج القوات الامريكية من ما يُسمّونه غرب آسيا، ويشاركها نفس المطلب أيضاً روسيا والتي ترى أنّ تواجدها في سوريا مُهدّدا بفعل ضعفها المتزايد نتيجة حربها في أوكرانيا، وأعتقد أنّ الأتراك في قِمّة أستانة الأخيرة ونكايةً بالأمريكان طالبوا بالخروج الأمريكي من سوريا لفظياً لأنهم يُدركون أنّ الحبل السري الإيراني هو من يُقدّم الحياة لِعدوّهم اللدود ويرعاه أما الأمريكان فدعمهم آنياً او لن يَستمرّ لفترة طويلة.

بدأت الطبول الإعلامية في العراق تُقرع لتضخيم عقد أول اجتماع حكومي عراقي مع قادة عسكريين أمريكان من التحالف الدولي لبحث موضوع الانسحاب الأمريكي من العراق.

ومع استمرار الضغط على القواعد الأمريكية مُمكن أن تُثمر الجهود الإيرانية عن الانسحاب الأمريكي العتيد.

2- بما أنّ الصراع الدولي جوهره حرب الممرات الدولية وخطوط نقل الطاقة وسلاسل التوريد، حيث طرحت الصين منذ أكثر من عقد من الزمان مشروعها للحزام والطريق، وتحاول روسيا وإيران طرح عدة مشاريع طرق لربط آسيا بأوربا عبرهما حيث يعملان على مشروع يربط آسيا بإيران ومن ثم عبر بحر قزوين إلى روسيا ومنها لأوربا.

كان المشروع الإستراتيجي المرعب للدول الثلاث الصين وروسيا وإيران هو إعلان الرئيس الأمريكي بنفسه في قمة العشرين الأخيرة في الهند وبحضور ولي العهد السعودي ورئيس دولة الإمارات والمضيف رئيس الوزراء الهندي إطلاق مشروع طريق البهارات الهندي الذي يصل من الهند إلى الخليج العربي عبر موانئ سعودية وإماراتية ومن ثُمّ يتم النقل البري عبر الأراضي السعودية إلى المملكة الأردنية الهاشمية ومنها لميناء حيفا ومنه إلى أوربا.

وهذا الطريق يَعزل أو يُنافس كل الطرق الأخرى ويَتجنّب المرور بمناطق يُمكن تهديدها من إيران ووكلائها كمضيقي هرمز وباب المندب.

وتُعتبر الأردن عُقدة جوهرية في هذا الممر وتهديدها تهديد للمشروع برمّته،

3- بعد التصنيف الأمريكي للأسد كتاجر مخدرات دولي وفقا لقانون كبتاغون الأسد واعتباره خطرا على الامن القومي لدول المنطقة والامن القومي الأمريكي وفشل كلّ الجهود العربية لِثني الأسد عن تهريبه للمخدرات والسلاح.

أيضا شكّلت الثورة البيضاء في جبل العرب ضد حكم الأسد وخروج الأقلية الدرزية من تحت سيطرته، تدور أحاديث وتسريبات كثيرة عن نِيّة أمريكية لإنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري ترتبط مع قاعدة التنف وتُشكّل حماية للحدود مع الجولان المحتل وللحدود الأردنية، وتحاكي المنطقة في الشمال التي أنشأتها تركيا.

ويشكل البرج 22 مركزاً للتحكم والرصد والمراقبة ويبدو أنّ الإيرانيين والروس لمسوا تحضيرات لهكذا مشروع، فقامت الميليشيات الإيرانية باستهداف الموقع كرسالة بأنهم لن يسمحوا بذلك، فيما قام الروس بتسيير دوريات جوية وإنشاء نقاط على الحدود السورية مع الجولان المحتل كتثبيت وجود في المنطقة وإستباق أي مشروع تكون ذريعته حماية الحدود مع إسرائيل.

أيضاً قد يكون حزب الله مُجبرا على تطبيق القرار الأممي 1701 والقاضي بإبعاد قواته وأسلحته الثقيلة إلى شمال نهر الليطاني بمسافة تصل إلى 40 كم شمال الحدود مع إسرائيل، وذلك لعدم تكرار طوفان آخر على دولة الاحتلال من الشمال، وطبعاً ليس صعباً على حزب الله وبقية الميليشيات تركيز جهودها على حدود الجولان المحتل البالغة 76 كم وهي منطقة تُهدّد إسرائيل بطوفان جديد، لذلك المنطقة الآمنة أو العازلة على الحدود السورية مع الجولان والأردن قد تكون قضية أمن قومي لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كلها.

4- لا ينطلي على أحد أنّ التحشيدات لميليشيا فيلق القدس مع ميليشيا الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد هدفها الكبتاغون وحده (مع أهميته) ولكنّ الهدف الأهمّ أيضاً تهريب الأسلحة لزعزعة استقرار الأردن والضفة الغربية بتقويض سلطة محمود عباس وجعلها غزة ثانية، إذ إنّ الأراضي الأردنية هي الممر الوحيد للضفة الغربية، واستهداف الأمن الاردني والأراضي الأردنية هدف شبه معلن بعد أن أفشلت عمّان كل الخطط الإيرانية باختراقها عبر تقديمات وحوافز اقتصادية لتشجيع السياحة الدينية الشيعية وبناء مراقد لشهداء معركة مؤتة في الكرك.

قد تكون كُلّ تلك الأهداف او بعضها أو غيرها وراء استهداف قاعدة أمريكية على الأراضي الأردنية، وبالتالي استمرار قيادة الحرس الثوري بارتكاب الأخطاء الإستراتيجية بعد مقتل قاسم سليماني والاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة (والتي كانت من أهم الثوابت التي تحكم سياساته وهي مجنون من يحارب أمريكا وجهاً لوجه) في خوض حرب غير متكافئة على كل المستويات وتشكيل تحالفات راغبين دولية لإخراج الميليشيات من المنطقة وتقويض سيطرة الحرس الثوري كله.

2 التعليقات
  1. Md khalifa says

    تحت عنوان قص أذرع إيران ، تنطفئ الإدارة الأمريكية عن توجيه ضربات مؤثرة في العمق الإيراني وليس على الأراضي السورية .
    إن الضربات على اذرع إيران في سوريا هي ضربات مؤثرة ، لكنها لن تخرجها من الجغرافيا السورية . لطالما لايوجد هناك عمل عسكري بري وتغيير في الواقع العملياتي على الأرض .

  2. انس شوبك says

    مقال رائع دكتور باسل

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني