fbpx

قامة من قامات سورية والعرب.. ابن الرقة والفرات الوزير والكاتب والقاص والروائي الدكتور عبد السلام العجيلي (1-2)

0 188

الجمل: ربما كان أصدق وأوفى تعبير يقال في عبد السلام العجيلي أنه مسكون بالرقة منذ كانت بلدة منسية ومرمية بين فضاء البادية وسيف نهر الفرات. ولئن كانت الرقة – بلدة وفضاء ونهراً – قد جبلت العجيلي إنساناً كما جبلها إبداعاً، فلعل ذلك الركن المجهول منها (أوضة العجيلي) هو ما رمى في تكوينه بالبذور التي ستسفر سريعاً وعالياً عن طبيب وسياسي وقاصّ ومحاضر وروائي و.. وحكواتي.

كانت (أوضة العجيلي) في (حي العجيلي) بمثابة مضافة تجمع الجيران والأهل في الأفراح وفي المآتم، وتصخب بفض النزاعات واللهو والسمر والأخبار والغناء والسخرية… بينما يسرى نسغها في ذلك الشاب الذي ستغدو عيادته بمثابة مضافة، لكأنها ورثت (الأوضة)، وإن يكن الزمن قد تبدل من عشرينيات القرن العشرين إلى منتصفه وما سيتلو منه حتى نهايته، إذ باتت (العيادة – المضافة – الأوضة) تجمع المرضى الفقراء من الرقة ومن ريفها، على الرغم من تواتر العيادات الحديثة والمختصة، وليس فقط لأن الطبيب لا يهمه أجر، بل لأنه عبد السلام العجيلي الذي تصخب عيادته بقصص مرضاه وأحاديث زواره، يتمثلها مثلما يتمثلون حكاية منه أو روايةً لشعر أو خبراً عن سفر أو رأياً في قضية.

في عام 1948 – على الأرجح – ولد هذا الرجل في الرقة لمزارع وملاّك ووجيه هو ويس العجيلي. وقد شارك عمّه وهبي العجيلي في حكومة الرقة إبان انسحاب الأتراك من سورية. ويروي الكاتب أن أسرته تنتمي إلى فرع من عشيرة البوبدران العراقية القاطنة في بادية الموصل، والتي تنتشر فروعها اليوم في بادية دير الزور. كما يروي الكاتب أن جده (الشافعي المذهب) قد نزح في مطلع القرن التاسع عشر من الموطن العراقي، وأن أسرته لم تزل تتواصل مع أقربائها في الموصل والرها (التركية)، وأن مشايخ البوبدران في الموصل يحتفظون بشجرة النسب التي تثبت أنهم (أسياد) من سلالة الحسين بن علي.

تربى عبد السلام العجيلي على يد جده الصارم تربية اسبارطية كما يذكر. ولعل في ذلك سر قوله بأن أبناءه هو أصدقاء لأمهم وليس له. وقد تلقى تعليمه الابتدائي في الرقة، وحمل الشهادة الابتدائية عام 1929، ثم مضى إلى تجهيز (ثانوية) حلب، لكن المرض أعاده إلى الرقة ليقضي أربع سنوات في قراءة كتب التاريخ والدين والقصص الشعبي ودواوين التراث الشعري. وفي هذه الفترة، حين كان في الرابعة أو الخامسة عشرة، قدم شباب الرقة مسرحية، وشارك الفتى عبد السلام العجيلي في الحفل بقصيدة طالباً إغفال اسمه. لكن المقدم قدمه باسمه، مما جعل ذويه يلحون على والده بإرساله إلى حلب لمتابعة الدراسة، بينما كان الوالد يريده أن يكون من سيدير أملاكه وأعماله الزراعية.

في تجهيز حلب بدا ميل الطالب عبد السلام إلى الرياضيات. وقد فاز بالمرتبة الأولى على مستوى سورية في البكالوريا الأولى التي حازها عام 1937 وفي البكالوريا الثانية التي حازها في السنة التالية. وبينما كان والده يريده أن يدرس الحقوق، كان وكده هو في دراسة العلوم في الغرب، لأن مثل هذه الدراسة لم يكن ممكناً في الجامعة السورية (جامعة دمشق لاحقاً). وهكذا انتهى المطاف به إلى دراسة الطب، ليعود إثر تخرجه إلى الرقة، ويشرع باب عيادته منذ ذلك الحين حتى نيّف على الثمانين، إلا أن يكون في واحدة من رحلاته الكثيرة، دون أن ننسى الفترتين اللتين كان فيهما نائباً ووزيراً في دمشق.

لأمر ما تأخر زواج العجيلي حتى عام 1958، حين اقترن بسيدة دمشقية بعد معرفة سريعة. ولئن كان قد أنجب أربعة أولاد، فقد فجع ببكره بعدما بلغ الشباب. وبعيد ذلك كان طلاق العجيلي من زوجته، وهو الذي عدّ الزواج أهم حدث في حياته قائلاً: “فيه عرفت أني رجل من غمار الناس، مهما تصورت أن لي فرديتي واستقلالي”. وهنا يُلاحَظ بقوة أن العجيلي يتحوط على حياته الشخصية، كما يتحوط على حياته السياسية، فلا يبقى للمرء إلا ما يقدر من انسراب سيرته في بعض كتاباته. ولا يخرج عن ذلك إلا النزر الذي ضمّه كتاب (أشياء شخصية – 1968) حيث يجلو نشأته في بيت متدين، ومواظبته على الصلاة والصوم، وقراءته لقصص المغامرات، وأحلام يقظته بمغامرات يكون هو بطلها. وفي تلك السن المبكرة كتب تمثيلية عن قصة تاريخية وقعت في ضواحي الرقة، كما بدأ بكتابة قصة بوليسية مدفوعاً بولعه بهذا اللون من القصص، وبدأ بكتابة مذكرات شخصية بتأثير من قراءته لـ (آلام فرتر)، وبكتابة قصائد مقفاة يغنيها على ألحان بعض القصائد الدينية مما يحفظ، كي يستقيم وزنها.

لقد ظلت الكتابة واحداً من أسرار العجيلي حتى حمل البكالوريا. ففي عام 1936 نشر قصته الأولى (نومان) بتوقيع (ع. ع.) في مجلة (الرسالة) المصرية المرموقة. كما نشر بأسماء مستعارة قصصاً وقصائد وتعليقات في مجلة (المكشوف) اللبنانية وفي سواها من الدوريات الدمشقية إلى أن فضح السر سعيد الجزائري. ويبدو أن حياة العجيلي الدمشقية، طالباً ومن بعد نائباً، قد كانت بالغة الثراء. ففي عام 1943 فازت قصته (حفنة من دماء) بجائزة مسابقة القصة التي نظمتها مجلة الصباح. وفي عام 1945 شارك في رحلة إلى مصر، وحضر حفلة أم كلثوم السنوية حيث التقى بالشاعر أحمد رامي. كما أنجز في تلك السنة نفسها مجموعته القصصية الأولى (بنت الساحرة) والتي سيتأخر صدورها إلى عام 1948. وفي هذا العام نظم مع عدد من الظرفاء والكتاب (عصبة الساخرين) من بينهم سعيد الجزائري وعبد الغني العطري، وكان العجيلي من اقترح للعصبة اسمها. ومما يرويه من عام 1949 أن رئيس المجلس النيابي فارس الخوري كان يبدو غير آبه بالنواب الشبان التسعة، وبينهم العجيلي، فاتفقوا على الخروج على المألوف من الموافقة الآلية على ميزانية المجلس، وكان العجيلي أول المعترضين على تخصيص 2500 ل. س. كنفقات لسيارة رئيس المجلس، بينما نفقات رئيس الوزراء الذي يجوب البلاد هي 1500 ل. س. وانتهى اعتراض المعترضين بإعادة فارس الخوري للميزانية إلى لجنتها، وقد أدرك ما حاكوه كي لا يؤْثر عليهم أقرانه من المسنين والمخضرمين. ولسوف يجلو ما سيلي هذا الملمح الخاص من شخصية وكتابة العجيلي: ملمح السخرية.

على إيقاع نكبة فلسطين (الأولى) وقيام اسرائيل عام 1948، تطوع نائب شاب في البرلمان السوري في جيش الإنقاذ: إنه الدكتور عبد السلام العجيلي الذي كان في التاسعة والعشرين، وقد تخرج قبل ثلاث سنوات من المعهد الطبي العربي في دمشق – كلية الطب في جامعة دمشق لاحقاً – ودخل البرلمان منذ سنة نائباً عن المحافظة التي ينتمي إليها: الرقة.

مع أكرم الحوراني وغالب العياش من أعضاء البرلمان، ومع آخرين من خارجه – من بينهم مصطفى السباعي – مضى ذلك الشاب إلى فلسطين. وقد وشمت روح العجيلي تلك الشهور القليلة التي قضاها في فوج اليرموك الثاني تحت قيادة أديب الشيشكلي. فمن تلك التجربة حمل الرجل خيبة مريرة ودائمة. ومنها متح جملة من أفضل ما كتب من القصة القصيرة، ومنها قصة (كفن حمود) من مجموعته القصصية (الحب والنفس – 1959).

كان للعجيلي ابن عم هو حمود، استشهد في فلسطين في حرب 1948. وقد رسم الكاتب حسرات وآهات أم حمود وهي تهيئ كفن ابنها، وذلك في مقاطع صغيرة مؤثرة وعفوية. وكان الكاتب قد كتب قصة (بنادق في لواء الجليل) في مجموعة (قناديل إشبيلية – 1956)، فرسم المتاجرة بسلاح المجاهدين في السوق السوداء. أما في قصة (بريد معاد) فقد وصل الكاتب بين معركة قلعة جدين (20/1/1948) في فلسطين، وبين مآل المجاهد عبد الحليم الذي كان طالباً في كلية الحقوق في جامعة دمشق، وبات بعد حين من الهزيمة رجل أعمال مرموق ديدنه المال.

لعل للمرء أن يؤكد أن نداء فلسطين كان يدوّم في دخيلة عبد السلام العجيلي منذ تعالت أصداء ثورة 1936. آنئذٍ، سافر لأول مرة إلى دمشق دون علم أهله، وهو الطالب الذي نال لتوّه الشهادة الثانوية (البكالوريا) معتقداً أنه استوفى العلم. أما غاية السفر فقد كانت التطوع في صفوف الثوار. ومن أجل ذلك سعى إلى مكتب المحامي شفيق سليمان الذي كان يساهم في إرسال المجاهدين إلى فلسطين، فخاطب الرجل هذا الشاب: “يا بني ارجعْ إلى بلدك وتعلّمْ. الثورة الفلسطينية بحاجة إلى رصاص وخرطوش أكثر من حاجتها إلى رجال”. ومنذ ذلك الحين لم يغادر نداء فلسطين عبد السلام العجيلي. فعلى إيقاع هزيمة 1967 كتب قصة (نبوءات الشيخ سلمان) من مجموعة (فارس مدينة القنطرة – 1971) عائداً إلى تجربته في حرب 1948، ليرسم وصول متطوعين في جيش الإنقاذ إلى قرية بيت جن، حيث يجافيهم أهلها إلى أن يأتي مستشار الحملة فيبدد جفاءهم. وقد صاغ الكاتب هذه القصة على لسان زبون دائم لخمارة (الشاب الظريف) هو الأستاذ سالم الذي يستعيد ذكرياته في حرب 1948. ومن تلك الذكريات نزوله في ضيافة الشيخ سلمان، وما سمعه من نبوءات الشيخ، وأولها هو موت الطيبين من المتطوعين “أما أنت فستعود إلى أهلك سالماً، لأنك لست طيباً”. هكذا يجبه الشيخ الأستاذ، ويتابع أن الأستاذ وأمثاله سيسكبون فشلهم في الحرب قوة، وسيكون لهم سلطان، ولأنهم غير طيبين ولا خبثاء – في آن – فسيموتون في بلادهم في سبيل فلسطين. ثم تتوالى نبوءات الشيخ سلمان كأنها تخاطب الزمن العربي الذي تلا هزيمة 1948: “جماعات إثر جماعات تتعاقب ثم تنقرض على هذا السبيل. يجيء الطيبون في البدء ويذهبون، ثم الأقل طيبة، ثم يأتي الخبثاء. نعم. إن الخبثاء لابد قادمون. أولئك الذين يبيعون أرضهم وملّتهم، ويتظاهرون أنهم يضحون في سبيل الأرض والله، ويأتي بعد ذلك الخونة الكاذبون، ثم خونة صادقون، لا يبيعون الأرض، بل يتنصلون منها. كل هؤلاء سيأتي بدوره. من ينفض يده من فلسطين، لأنها وقعت في حفرة أعمق من أن تلحقها يده المنقذة، ومن يبيع آلامها وأطفالها بفلس أو بضحكة امرأة. ويأتي من دمك ولحمك من يتنصل من فلسطين لأنها تنغص نومه أو تفقر جيبه. وبعد كل هؤلاء يأتي الآخرون. إذا كان من قبلهم قد قبض الثمن الذي باعه من تراب الأرض المقدسة، أو من دم أهلها، فإن هؤلاء سيدفعون فوق الأرض ثمناً لخلاصهم منها ومن أهلها. حينذاك، حينذاك فقط، بعد أن يموت الناس ويحترق التراب، ويحكم الفاشل، ثم العاجز، ثم الخائن، ثم الفاجر، ثم تهتز جنبات الأرض، وتحبل الأمة بألم لتلد المنقذ المطهر. هل فهمت ما أقول؟”.

إذا كان إيقاع حربي 1948 و1967 متعنوناً بفلسطين، يصدح في هذه القصة، فسوف يصدحان أيضاً في قصة (فارس مدينة القنطرة) من المجموعة التي حملت هذا العنوان. لكن الإيقاع إياه يحفر في التاريخ هذه المرة ليبلغ الأندلس وهو يطوي الأزمنة ما بين الماضي البعيد والقريب، وما بين الحاضر والمستقبل.

يروي الكاتب في مقدمة القصة أنه قد حصل على صفحاتها الأولى خلال رحلة إلى إسبانيا، حيث تعرف على أسرة إسبانية أهدته مجلداً عربياً قديماً، لم يستطع أن يخرج منه بشيء، فاستعان بصديق له يحضّر الدكتوراه في علم المخطوطات، وانتظر أربعة عشر عاماً إلى أن استلم من صديقه رسالة تتضمن مقتطفات من المخطوطة، انتقى العجيلي بعضها، ونسّقها وسد ثغراتها، فكانت قصة (فارس مدينة القنطرة). وإثر لعبة التقديم هذه – والتي يداولها الكاتب كسواه في هيئات شتى – تأتي قصة الشاعر المؤرخ الفارس أبو وائل النعمان في هيئة يوميات تبلغ شهراً وواحداً وعشرين يوماً، إثر سقوط غرناطة وإشبيلية في يد الإسبان. والراوي النعمان هو ابن مدينة القنطرة التي سقطت بفعل خيانة ابن ساعر المتحالف مع العدو. فقد أعلن ابن ساعر سقوط مدينة القنطرة قبل وقوعه، لكأن القصة تشير إلى سقوط مدينة القنيطرة في حرب 1967، حيث تتصادى الأسباب عبر القرون، في الجاسوسية والخديعة والخيانة، وبدرجة أدنى كما تعبر القصة، في الفرقة والشقاق، وكل ذلك فيما يبدو هو نفثة مقهورة يكتبها المؤرخ النعمان قبل قرون كما يكتبها بعد قرون عبد السلام العجيلي.

عقب حرب 1948، ومع بدء مسلسل الانقلابات العسكرية في سورية، خرج عبد السلام العجيلي من الحلبة السياسية. وقد قال في ذلك في لقاء مع ياسين رفاعية (النهار 17 /10 / 1965 – بيروت): “ومن سوء الحظ كذلك أن سير أمورنا القومية منذ عام 1948 حتى اليوم، جاء مؤيداً لتقديراتي السيئة عن وضعنا وإمكانياتنا، تلك التقديرات التي وضعتها لنفسي في ذلك الحين… هجرت السياسة، كممارسة فعلية، بعد تلك الفترة، وأنا سيء الظن بمقدار ما يمكن للمرء الصالح أن يجنيه منها للنفع العام، وإن كنت لم أهجرها كمراقب ومتتبع ومفكر وكاتب”. كما عبرت عن هذه الخيبة ذكرياته السياسية التي نشرها في جزءين.

بيد أن العجيلي نقض هجرانه للسياسة حين تولى لستة أشهر من عام 1962 وزارة الثقافة، ثم جمع إليها وزارتي الإعلام والخارجية في عهد الانفصال الذي أعقب عهد الوحدة السورية المصرية 1958-1961. ويبدو أن هذا العهد قد أضاف للسياسة في كتابة العجيلي عنواناً جديداً إلى جانب عنوان فلسطين، هو الاستبداد، وسيكون للسياسة عنوان آخر في كتابة العجيلي هو حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، فعنوان رابع هو الفساد. وبالطبع ستشتبك هذه العنوانات أو بعضها، كما سنرى في روايات الكاتب بخاصة.

لقد تقدم العجيلي للانتخابات النيابية في دورة 1943، قبل أن يتخرج طبيباً. ومن أجل ذلك أنجز معاملة تعديل سنة ولادته فصارت (1912) حتى يوافق سنّ المرشح. لكن الحظ لم يواف العجيلي في تلك الدورة. ويبدو أن الدافع إليها وإلى تاليتها قد كان أساساً في موقعه من أسرته وفي موقع أسرته من مدينته التي تعلّق بها أيمّا تعلق، حتى صحّ القول إنه ما إن تذكر الرقة حتى يُذكر عبد السلام العجيلي، كما العكس.

طالما ردد عبد السلام العجيلي أن الأدب بالنسبة له متعه وهواية، بالكاد يبقى لها من وقته القليل الذي يفضل عما تقتضيه مهنة الطب والرحلات والأسرة وإدارة إرث أبيه منذ توفي عام 1963، وكذلك ما تقتضيه السياسة والشأن العام الاجتماعي. وها هو يقول: “إني لا أنظر إلى الكتابة الأدبية كعمل بل كنوع من أنواع السلوك”. وهو لا يعني بذلك أي انتقاص من الاحتراف. غير أن العجيلي، بعد ذلك كله، كتب وبغزارة القصة القصيرة والمقالة والرواية، وهو الذي كتب في بداياته الشعر والمقامة والمسرحية، كما كان لأدب الرحلات وللمحاضرات منه نصيب كبير.

أما في الشعر فليس للعجيلي إلا ديوان واحد هو (الليالي والنجوم – 1951). وقد جاء في مقدمته: “إنني منذ نظمت الشعر كنت أحسّ بأن هذا الذي أنظمه همسات بين نفسي ونفسي، أخجل حيناً، وآنف حيناً من أن تتطرق إلى أسماع الأنفس الأخرى”. وربما كان ذلك يفسّر إصرار الكاتب على تقديم الشعر على الأجناس الأدبية الأخرى، وإن يكن لم ينشر إلا ديواناً واحداً ضمّ ثمان وعشرين قصيدة ونشيداً، يتمحور نصفها حول المرأة وربعها حول الطبيعة التي تتلامح أيضاً في سائر القصائد، وتتركّز حيث نشأ صاحبها وترعرع، كما ينصّ في مقدمة الديوان: “وليست بيئة الليالي والنجوم إلا زاوية من الأرض قامت فيها بلدة كانت قرية على شاطئ نهر عريض، وعلى سيف بادية بعيدة الآفاق”. ففي ذلك الزمن البعيد من مطلع القرن العشرين، كانت للعجيلي مع أسرته رحلة الربيع والصيف إلى البادية، أما النهر (الفرات) فهو ملازم للمقام في كل الفصول.

وقد يكون هنا ما هو أبعد من الطرافة أن يُشار إلى أن جريدة الكفاح الدمشقية قد نظمت مسابقة موضوعها ترجمة شعرية لقصيدة ألفريد دوموسيه (ليلة أيار)، فكان أن فازت القصيدة التي تحمل توقيع (أوس)، أي طالب الطب عبد السلام العجيلي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني