fbpx

النجاح والفشل: تحليل نقدي لتجربة السوريين في وطنهم وفي الخارج

6 324

تعتبر الأزمة السورية واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث أدت إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وتشريد أكثر من 13 مليون شخص داخل وخارج سوريا. وقد شهدت تجربة السوريين المهجرين واللاجئين في أوروبا تناقضًا حادًا بين نجاحهم الفردي على المستوى الشخصي، وفشلهم في تشكيل كيان موحد ورؤية مشتركة على المستوى الوطني أو المجتمعي. يهدف هذا التحليل إلى إثارة نقاش جاد بين السوريين حول أسباب هذا التناقض، وكيفية تجاوزه. ويقوم هذا التحليل على استخدام المنهج النقدي والمقارن، والاستناد إلى المصادر والإحصاءات والأمثلة الموثوقة.

فرضية البحث

ترتبط أسباب نجاح السوريين في الخارج بعوامل فردية بحتة، في حين يفتقرون إلى إمكانية انشاء كيان متكامل ورؤية مشتركة في الداخل.

المنهج

اعتمدت في هذا التحليل على المنهج النقدي والمقارن، حيث قمت بدراسة وتحليل وتفسير ظواهر أو موضوعات مختلفة بطريقة منهجية وموضوعية ونقدية، وذلك بالمقارنة بينها من حيث أوجه التشابه والاختلاف والتأثير المتبادل. واستندت في هذا التحليل إلى مصادر وإحصاءات وأمثلة موثوقة، منها:

  • الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوع السوريين في الخارج.
  • التحليلات والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية.

نتائج البحث

نجاح السوريين في الخارج

حقق السوريون اللاجئون في أوروبا نجاحًا ملحوظًا على المستوى الشخصي، حيث التحقوا بالجامعات، وحصلوا على وظائف، وأسسوا أعمالًا تجارية. “تشير البيانات إلى أن السوريين في أوروبا حققوا نجاحًا ملحوظًا على المستوى الفردي، فمثلاً، يبغ عدد الأطباء السوريون 5000 طبيب يمارس المهنة في المشافي الألمانية “.1

ووفقاً لدراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في عام 2018، فإن نحو 15% من اللاجئين السوريين في أوروبا هم حاملو شهادات جامعية، مقارنة بـ 20% في تركيا و4% في الأردن و2% في لبنان. وبناءً على هذه النسبة، يمكن تقدير عدد حاملي الشهادات الجامعية من اللاجئين السوريين في أوروبا بنحو 97 ألف شخص، انطلاقاً من أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في أوروبا بلغ 647 ألف شخص في نهاية عام 2020″2. وهم بالتالي أكثر عرضة للنجاح في العمل مقارنة باللاجئين الذين لا يملكون شهادات.

وحسب “مقال نشرته صحيفة الجزيرة في عام 2019، فإن بعض اللاجئين السوريين في تركيا استطاعوا تأسيس أعمالهم الخاصة وتحقيق النجاح فيها. ويقدر عدد الشركات التي أنشأها السوريون في تركيا بنحو 10 آلاف شركة، توفر فرص عمل للأتراك والسوريين على حد سواء. وتتراوح هذه الشركات من المطاعم والمخابز إلى المصانع والمستودعات”3.

هذه بعض الأمثلة عن اللاجئين السوريين الذين نجحوا في أعمالهم في دول اللجوء. ولكن هذه الأمثلة لا تعكس الواقع الصعب الذي يواجه معظم اللاجئين السوريين، الذين يعانون من الفقر، والبطالة، والتهميش، والاستغلال. وتحتاج هذه الفئة إلى المزيد من الدعم والتضامن والفرص لتحسين حياتهم ومستقبلهم.

العوامل التي ساهمت في نجاح السوريين في الخارج

يمكن إرجاع أسباب نجاح السوريين في الخارج إلى مجموعة من العوامل، منها:

  • الإصرار الشخصي: رغم التحديات، يظهر السوريون تفوقًا فرديًا بفضل إصرارهم ورغبتهم في بناء مستقبل مستقر وآمن.
  • التعليم والمهارات: استثمر السوريون في التعليم واكتسبوا مهارات قيمة، مما ساعدهم في الاندماج في المجتمعات المضيفة.
  • الدعم الاجتماعي: ساعدت المجتمعات السورية في الخارج السوريين على التأقلم مع الحياة في المجتمعات المضيفة.

تحديات السوريين في الخارج

بالإضافة إلى التحديات العامة التي تواجه المهاجرين واللاجئين، يواجه السوريون في الخارج عددًا من التحديات المحددة، منها:

  • صعوبة الاندماج في المجتمعات المضيفة: يواجه السوريون صعوبة في الاندماج في المجتمعات المضيفة بسبب اختلاف الثقافة واللغات والقيم. كما أن شعورهم بالاغتراب وعدم الانتماء إلى المجتمع المضيف قد يؤثر على قدرتهم على الاندماج.
  • التمييز ضدهم: يتعرض السوريون في بعض الأحيان للتمييز من قبل المجتمعات المضيفة، وذلك بسبب الحرب في سوريا، أو بسبب نظرة المجتمع المضيف إلى السوريين.
  • الوضع القانوني: قد يكون لدى السوريين وضع قانوني غير واضح في الدول المضيفة، مما يحد من حقوقهم وإمكانياتهم.
  • التحديات الاقتصادية: يواجه السوريون في الخارج تحديات اقتصادية، مثل صعوبة الحصول على عمل، أو انخفاض الأجور، أو ارتفاع تكاليف المعيشة.

فشل السوريين في الداخل

على الرغم من النجاح الذي حققه السوريون في الخارج، إلا أنهم فشلوا في تشكيل كيان موحد ورؤية مشتركة على المستوى الوطني أو المجتمعي. ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب، منها:

  • الحرب والأزمة الاقتصادية: أدت الحرب والأزمة الاقتصادية إلى تدمير البنية التحتية والاقتصاد السوري، مما أدى إلى معاناة السوريين من الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية.
  • الانقسامات السياسية والجهوية: تعد انقسامات السوريين في الداخل عائقًا رئيسيًا لتشكيل كيان ورؤية مشتركة.
  • التمييز ضد السوريين: يتعرض السوريون في الداخل للتمييز من قبل بعض الجهات، مما يحد من فرصهم في الحصول على الخدمات الأساسية.
  • تفاقم الأوضاع الاقتصادية: تأثرت القدرة على التكامل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

كيف يمكن للسوريين تجاوز هذه التحديات؟

يتطلب تجاوز هذه التحديات العمل المشترك من جميع الأطراف، من السوريين داخل وخارج سوريا، ومن المجتمع الدولي. يمكن أن نذكر بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتجاوز هذه التحديات، منها:

  • إيقاف الحرب المستمرة: يتطلب ذلك جهودًا دولية لوقف الحرب وتحقيق السلام في سوريا.
  • تعزيز الحوار والتوافق: يتطلب ذلك تعزيز الحوار والتوافق بين مختلف الأطراف السورية، من أجل بناء مستقبل أفضل لسوريا.
  • الوحدة الوطنية: يجب على السوريين العمل على توحيد صفوفهم وتجاوز الخلافات السياسية والجهوية، وذلك من أجل بناء مستقبل أفضل لسوريا.
  • تقديم المساعدات الإنسانية: يتطلب ذلك استمرار تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين المتضررين من الحرب.
  • التنمية الاقتصادية: يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم الاقتصادي لسوريا، وذلك من أجل إعادة الإعمار وخلق فرص العمل.
  • بناء الوعي المجتمعي: يجب على المجتمع الدولي العمل على بناء الوعي المجتمعي حول معاناة السوريين، وذلك من أجل الضغط على الأطراف المعنية لحل الأزمة السورية.

الآثار والتحديات

كان لفشل السوريين في الداخل آثارًا سلبية على مستقبل سوريا، حيث أدت إلى تقويض الحس الوطني، وتأزيم الانقسامات مما أدى الى ضياع الهوية الوطنية. وصعوبة إعادة الإعمار.

كما واجه السوريون في الخارج تحديات إضافية بسبب استمرار الحرب في سوريا، وضعف التواصل مع ذويهم في الداخل إضافة الى صعوبة الاندماج في المجتمعات المضيفة.

الحلول المحتملة

يتطلب تجاوز التحديات التي تواجه السوريون في الداخل والعمل على تحقيق التكامل الوطني مجموعة من الحلول، منها:

  • تعزيز التواصل والحوار: لتحقيق الوحدة، يجب تعزيز التواصل والحوار بين مختلف الفئات السورية.
  • الدعم الاقتصادي الوطني: يتطلب التكامل الفعّال دعمًا اقتصاديًا للتغلب على التحديات الاقتصادية على المستوى المجتمعي.
  • تعزيز الوعي الوطني: يجب تعزيز الوعي الوطني لدى السوريين، وبناء رؤية مشتركة تتجاوز الانقسامات السياسية.

في هذا التحليل، تناولت موضوع النجاح والفشل للسوريين في وطنهم وفي الخارج، واستخدمت المنهج النقدي والمقارن لدراسة وتحليل وتفسير هذا الموضوع. وخلصت إلى النقاط التالية:

  • أن السوريين حققوا نجاحًا فرديًا في الخارج بفضل عوامل مثل الإصرار والتعليم والدعم الاجتماعي.
  • كذلك واجهوا تحديات في الخارج بسبب عوامل مثل صعوبة الاندماج والتمييز والوضع القانوني والتحديات الاقتصادية.
  • أن السوريين فشلوا في تشكيل كيان موحد ورؤية مشتركة في الداخل بسبب عوامل مثل الحرب والأزمة الاقتصادية والانقسامات السياسية والجهوية والتمييز ضد السوريين.
  • هناك حلول محتملة لتجاوز هذه التحديات، مثل إيقاف الحرب وتعزيز الحوار والتوافق والوحدة الوطنية وتقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية وبناء الوعي المجتمعي.

أتمنى أن يكون هذا التحليل مفيدًا ونافعًا للسوريين، وأن يساهم في إثارة نقاش جاد وبناء بينهم حول مستقبلهم ومصيرهم. وأدعو السوريين في الداخل والخارج إلى العمل معًا من أجل بناء سوريا جديدة، تحترم حقوق وكرامة شعبها، وتضمن لهم الأمن والاستقرار والرخاء.

أسئلة مفتوحة للمناقشة:

  • ما هي التحديات التي تواجه السوريين في الداخل والخارج في المرحلة المقبلة؟
  • ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتجاوز هذه التحديات؟
  • ما هي الرؤية المستقبلية للسوريين؟

المراجع:

  1. الأطباء السوريون القوة الأجنبية الأولى في ألمانيا | اندبندنت عربية (2022 (
  2. الجزيرة. (2019). السوريون في تركيا.. نجاحات وتحديات. موقع الجزيرة. 
  3. مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. (2018). اللاجئون السوريون في أوروبا: تحديات الاندماج والتعليم. موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

مرعي الرمضان

6 التعليقات
  1. ولاء says

    مقالة جميلة جدا تستحق ان تترجم وتنشر بأرقى المجلات الأوربية.

    1. مرعي الرمضان says

      شكرا جزيلا استاذة ولاء

  2. Baker says

    جميل

    1. مرعي الرمضان says

      شكرا جزيلا

  3. ميسر دخيل says

    اكثر من رائع

  4. مرعي الرمضان says

    شكرا أ. ميسر

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني