fbpx

المتغطي بإيران عريان

0 2٬851

اعتبر نظام الملالي أنّ حربه مع العراق ستكون آخر الحروب التي يخوضها بالجيش والحرس الثوري الإيراني دفاعاً عن النظام، وأنّ الحروب المقبلة ستكون بعيدة عن أراضيه ولن يخوضها بالإيرانيين أنفسهم، بل ستكون عبر ميليشيات يعمل على إنشائها وتكون موالية له وتأتمر بأوامره ومن غير الإيرانيين.

وهو ما عرف فيما بعد باستراتيجية الدفاع المتقدم التي أشرف عليها قاسم سليماني منذ عام 1999 ولغاية مقتله في مطلع 2020، ولازال العمل بتلك الاستراتيجية قائم إلى الآن.

وتكون جميع هذه الميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري عبر ذراعه الخارجي المسمى بفيلق القدس.

كان إنشاء حزب الله في لبنان في بداية الثمانينات وبدعم وتسهيل من حافظ أسد هو باكورة أعمال الخميني لتصدير الثورة والنفوذ إلى البلدان والتي تَضمّ سكاناً شيعة، وبالفعل كان حزب الله أول تلك الجيوش للدفاع عن نظام ولاية الفقيه وتنفيذ أجندته ولا زال جوهرة التاج في مشروع التمدد الإيراني في المنطقة.

وكان لنظام الملالي علاقات وطيدة مع نظام الأسد الأب من بواكير وصول الخميني للسلطة وكان التحالف بينهما قائماً منذ ذلك الحين ولازال مستمراً مع الأسد الابن.

أيضاً كان لنظام ولاية الفقيه علاقات وطيدة مع حركة حماس منذ إنشائها رسمياً.

وبعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق، تمدد نظام الملالي إلى العراق وسيطر عليه عبر أدواته القديمة حزب الدعوة والمجلس الأعلى وجيش المهدي الذي أنشأه مقتدى الصدر بدواعي تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي وعملياً لم يُحرّر إلا العرب السنة من مناطقهم وكان جزءاً من الحرب الأهلية الطائفية في العراق، وبظهور داعش في العام 2013، تم تشكيل الحشد الشعبي العراقي الموالي للحرس الثوري تحت ذريعة الحرب على داعش ولا زال قائماً لحد الآن وعملياً هو من يُسيطر على السلطة ويتحكم بمقدرات العراق ويَضمّ حوالي ربع مليون مقاتل.

وبسيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007 وطرد حركة فتح منه كان الدعم الإيراني قائماً لها في حروبها الأربعة مع دولة الاحتلال بل وأنشأ الحرس الثوري جماعة أخرى تحت رعايته بالكامل هي الجهاد الإسلامي مركزها الرئيسي في غزة وتتواجد في الضفة الغربية بشكل غير علني.

وبعد انطلاق قطار الربيع العربي تمكنت إيران من السطو على بعض عرباته فقامت عملياً باحتلال سوريا عبر دعمها لنظام الأسد في حربه على شعبه وتملك الآن إضافة لجيش النظام عشرات الميليشيات تتموضع على الأرض السورية وتؤمن الامتداد الجغرافي لمحور إيران الإقليمي من البحر الأبيض المتوسط إلى طهران.

وفي اليمن تمكّنت بفضل دعمها لميليشيا الحوثي من السيطرة على صنعاء وإنشاء هذا الجيب المهم الممتد إلى باب المندب والذي تُهدّد منه الملاحة العالمية ودول الخليج العربية من الجنوب.

اكتمل الهلال الإيراني بمرحلة الربيع العربي وهو لازال يُحاول التوسع أكثر.

وتمكّنت ما عرفت بالشيعية السياسية من ضَمّ قوى وتيارات غير شيعية بل مسيحية أيضاً، تمحورت حول أهدافها السياسية متجاوزة الخلاف المذهبي أو الانتماء الديني.

كان انضمام حركة حماس (الإسلامية السنيّة) للمحور الإيراني اختراقاً مهماً للحرس الثوري.

  1. بفضل ذلك قَدّم نظام الملالي كمشروع مناهض للهيمنة الغربية على المنطقة وذلك بإسقاطه ما يسمى بتحالف الأقليات ضِدّ الأغلبية حيث أصيبت تلك النظرية بعطب شديد.
  2. عمل ذلك التحالف ببن حماس ونظام ولاية الفقيه على إعطاء صك البراءة لكل أعمال الحرس الثوري الإيراني الإجرامية (خاصةً في سوريا والعراق) ضِدّ مخاليفهم من المذهب السني وبَرّر حروبهم والتي خاضتها المليشيات الإيرانية تحت باب الحرب على الإرهاب والقضاء على عملاء أمريكا وإسرائيل والسعودية. ولا أدلّ على ذلك من خيم العزاء التي تُنصب في غزة كل عام بمناسبة مقتل المجرم قاسم سليماني عدا عن تعليق صوره في الشوارع والساحات الرئيسية واعتباره شهيداً للقدس بل حتى التباهي بدعم الحرس الثوري الإيراني لقضية تحرير فلسطين وبالوقت نفسه إظهار الدول العربية بمظهر من لا يدعم الشعب الفلسطيني وقضيته.
  3. أتاح ذلك التحالف امتلاك نظام الملالي لدور مباشر في قضية من أهمّ القضايا حيث باتت إيران لاعب رئيسي بل وتحجز مكاناً على أي طاولة تسعى لمناقشة حل القضية الفلسطينية.

ويعتبر المشروع الإيراني كالبلدوزر الذي لا يعرف إلا التخريب وجرف كل ماهو قائم أمامه ولا يقدر أو لا يرغب على إعادة بناء ما خربه.

هذا المشروع المعادي للدولة الوطنية والتنمية المجتمعية والاقتصادية والذي يربط أجنداته وأهدافه بالدين والتاريخ بالطبع لا يملك مشروعاً نهضوياً ولا قيماً حداثية حضارية، وحتى حواضنه الصلبة الشيعية ثارت عليه في العراق عام 2019 وطالبت بالتحرر من الهيمنة الإيرانية المتدثرة تحت عباءة المذهب، فأحرقوا القنصليات الإيرانية وهتفوا لخروج إيران من العراق، إذ تَحوّل العراق الغني بموارد بعد نهبه من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران إلى بلد فقير وجائع ويعيش في الظلمة ومستلب القرار من قم وطهران، ولا تكاد تمر عدة سنوات إلا وينتفض الشعب الإيراني نفسه على النظام مطالباً بإسقاطه بعد أن بدد موارده على مشاريعه الخارجية وابقى الشعب في حالة مزرية من الضيق والعوز الاقتصادي ناهيك بالقمع الشديد وانتهاك أبسط حقوق الإنسان

ما أريد قوله أنّ من راهن على أن يكون النموذج الإيراني هو الطريق لمنافسة النماذج الأخرى قد خاب أمله بعد أن اكتشف عدم امتلاك ذلك المشروع لأي رؤية للاهتمام بالحاضر أو البناء للمستقبل، بل إنه مشروع رجعي مآله للزوال.

ما حدث في عملية طوفان الأقصى الأخيرة والتي لا يمكن التصديق بأنّ أحد الأذرع في المحور يقوم بها دون أن تكون موضوعة كإحدى الخطط الرئيسية ومُصادق عليها من أعلى المراجع السياسية والعسكرية.

ويبدو كان حجم العملية ونتائجها أكبر مما خُطّط له، لذلك بدت حالة من الارتباك واضحة على الإدارة الإيرانية للأزمة.

صباحاً يُصرّح وزير الخارجية الإيرانية بكلام، ومساءً يقول عكسه، مع تصريحات نارية من شخصيات قيادية في الحرس الثوري، وبدا أنّ الإيرانيون هم أم الصبي في هذه العملية وهم من سيقطف ثمارها إن نجحت ومن سيدفع الأثمان إن فشلت.

وبما أنّ النظام الإيراني هو منظومة متكاملة متنافسة بأجنحة مختلفة يُنسّق بينها الولي الفقيه المريض والعاجز، وقد يكون قرار العملية اتخذه تيار من التيارات المتصارعة في الحرس الثوري ويُريد فيما يريده نسف المفاوضات مع الولايات المتحدة وخدمة للروس المتورطين في حربهم في أوكرانيا لقاء منافع متبادلة، أو لتعطيل ما يشاع عن قرب تطبيع علاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية أو لغيرها من الأهداف.

بعد زوال حالة الانبهار من الانهيار الإسرائيلي الواضح وبدء التحشيد الأطلسي وبروز الروح الإنتقامية العدوانية الإسرائيلية والتي أرادت استعمال أقسى الأساليب الوحشية بالحروب للانتقام لكبريائها وعظمتها وغطرستها المهدورة.

وبعد مرور أربعة أسابيع على الحرب الإسرائيلية على غزة، وبروز أنّ الولايات المتحدة والحشد الأطلسي يعتبرون ما حدث في 7 اكتوبر هو 11 أيلول أخرى، وإنّ المطلوب الأول هو رأس حماس ولا تَساهُل في ذلك وأن من يُحاول التدخل سيلقى جزاءه.

وبما أنّ الاستراتيجية الإيرانية والتي صاغها قاسم سليماني تَعتبر أنّ المجنون هو من يحارب أمريكا مباشرةً وجهاً لوجه، وأنّ الأحمق من يضع نفسه تحت نيران الجحيم الأمريكي.

لم يبقَ أمام المحور من خيار إلا استثمار الحدث بإيقاع الوقيعة بين الشعوب العربية وحكوماتها والترويج لتخاذل القيادات العربية عن نصرة أهل غزة، والسبيل الوحيد المتبقي أمامهم لإنقاذ راس حماس من المقصلة هو الرهان على الحمق أو الجنون الإسرائيلي بارتكاب مجازر بشعة بحق المدنيين كمجزة المشفى المعمداني ومجزرة مخيم جباليا على أمل إحداث تَغيّر في الرأي العام الغربي يؤدي للضغط على الحكومات لتغيير مسار الحرب بمعنى إيقافها وخروج حماس سليمة، وإن حصل ذلك سَيجيّر الانتصار للمحور، انتظر الجميع خطاب حسن نصر الله، ووضعت السيناريوهات المختلفة لما يمكن أن يُعلنه، ولم يُخيّب السيد حسن ظَنّ الجميع إذ أعلن تَنصّله وتنصّل المحور من العملية (ومن حماس ضمناً) وتخلّى عن كل الشعارات التي رفعتها جمهورية ولاية الفقيه منذ 44 عاماً والتي كانت الأساس لبناء محور ما أسموه محور المقاومة والممانعة، وتُرِكَت حماس لمصيرها وتُرِكَ أهل غزة تحت النار الإسرائيلية الحاقدة والمجنونة، وتمّ الدوس على شعارات وحدة الساحات والجبهات، وتم التضحية بالجنين حفاظاً على مصلحة الأم، وخسرنا آلاف الشهداء في غزة، وخسر المحور الإيراني ذراعاَ هاماً، وبات الجميع يُدرك أنّ من يتغطى بإيران عريان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني