fbpx

للكرامة أعراسها

0 147

رنّ الهاتف… انفرجت الرموش عن الحدقة.. امتدّت يدها متكاسلة، وردّت أهلا ً صفاء

  • مازلتِ نائمة؟ هيّا أنتظرك
  • جهزي القهوة ريثما أصل

تثاءبت وراحت تستذكر كيف انسلت في الفراش وعاودت الحديث عن جلسة أمس، وثرثرة النسوة مستذكرات أيام الغزل، والخطوبة، والليلة الموعودة بعد محاضرة أم صهيب عن نشوء وتطور الحياة على سطح الأرض، وتباين وجهات النظر عن أصل الإنسان، وخلقه شعوباً وقبائل تتعارف وتتناسب وتتناسل، وتتقاتل على المرعى والمكاسب.. تغزو بعضها.. تزهق الأرواح وتسبي النساء.. تبني حضارات تسود ردحاً من الزمان ثم تتلاشى تحت أقدام الغزاة…

في دفء الفراش ولينه الناعم، وهدأة السكون يحلو لهما تقطيع أوصال الليل.. ليل فحيح الوحدة الموحشة دونما أنيس في غرفة لا يُسمع فيها غير ترديد الأنفاس شهيقاً وزفيراً. كلتاهما يسكنهما الخوف والهمّ والضجر بعد أن أصبحتا أرملتي زوجين قذفتهم البلد إلى وحشة القبور في ديار الاغتراب بحثاً عن الرزق. وكلتاهما ثكلتا الأولاد في شعاب البراري والغابات، وسهوب الماء المالح فراراً إلى بلاد تحفظ حياة الإنسان، وتصون كرامته. تركوهما أيقونتين تحرسان صورهم المعلقة على الجدران وتذكرانهما «كنّا هنا ذات يوم» حتى نقرت عصافير الفجر جبين الظلمة، وتسرّب النعاس إلى الجفون فتصافحت، ومع هسّ التثاؤب وتصبحين على خير؛ سقط الهاتف على طرف الوسادة…

رائحة القهوة تملأ الصالة.. تتسّرب إلى الدرج.. يتنشقها أنفها قبل أن تضغط جرس الباب.. تدخل قائلة: لو لم تتصلي لنمت حتى الغروب.. وتبادلتا التحية

  • هناء، أتدرين ما حصل؟
  • لا، وكيف أعلم وأنا في سابع نومة
  • صحوتُ، اليوم، على صوت الجيران يقولون: تضاعف سعر المحروقات…
  • أفهم.. ستجنّ الأسعار
  • ويكثر الفقراء
  • ويزداد التهجير
  • وخطر التغيير…
  • البلد تسير نحو المجهول
  • أضحت على كفّ عفريت كما يُقال
  • وما العمل؟ إلى أين تُقاد البلاد؟
  • قلتها إلى المجهول
  • تُرى، هل تستكين الناس؟
  • عندما يصل السكين إلى حزّ الرقبة ماذا تتوقّعين؟
  • إمّا الموت.. وإمّا الحياة
  • الناس فقدت كرامتها، وقرفت عيشها
  • وأصبحت الكرامة أرخص من جرزة نعنع أو بقدونس  
  • وإلى متى تستمر المتاجرة بكرامة الناس؟
  • رغم إحساسي بقرب الانفجار، لست أدري…

رشفت هناء القهوة وعيناها تلاحقان فراشة ترفّ، وتنطح زجاج النافذة… ابتسمت.. «كناطح صخرة…» قالتها همساً، لم تسمعها صفاء، ما أقسى أن تناطحي جسماً صلداً فتتكسّر أحلامك.. تشاهدين الشمس ولا تستطيعين لمس أشعتها.. لستِ وحدك يا صديقتي.. هناك شعوب تناطح المستحيل لأجل حقوقها المنسية في أدراج الأمم المتحدة، والضائعة بين حق الفيتو والعضوية الدائمة.. للقوة مصالح تسيّر الشعوب المستضعفة، وأسلاك شائكة تسورها بعمائم الغيب المدجِّنة…، وأجهزة الأمن المتعددة… 

نكزتها صفاء، أين ذهبت؟ صمتك مريب

  • أثارتني تلك الفراشة، إنها مثلنا تناطح… حملت حقيبتها وقالت: غداً نلتقي.. أنتظرك لنذهب معاً…

تأخرت صفاء.. ذرعت المسافة بين الصالة والمطبخ مرات.. تناولت الهاتف.. رنّ الجرس.. أهلاً.. لماذا تأخرت؟ قلقت…

  • في الطريق سمعتُ أصواتاً تأتي من السّاحة.. هتافات.. عرّجت نحوها.. عرس بحق.. شباب وصبايا.. شيوخ ونساء حتى الأطفال يهزجون.. يرفعون الأعلام.. يطلقون الحمامات.. صحافيون يتلقّطون الأخبار، وتصوّر الكمرات…
  • إنّه الجوع.. جوع الكرامة يا أخيّة
  • أمس، تناقلت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي أن النار تعسّ تحت الرماد، وجمر الاحتقان الشعبي مازال حياً…
  • وماذا تتوقّع تلك الوسائل؟
  • تتوقّع انتفاضة شعبية تنفلت من عقالها استجابة لصرخة «أبو أسامة*»: غداً إلى السّاحة.. ساحة الكرامة
  • لنر…

تناولت هناء جهاز الريموت.. ضغطت.. أقلع التلفاز.. تابعتا إحدى القنوات.. شاهدتا الساحات تغصّ بالجموع المحتشدة في أقاصي الشمال.. تناصر أخوتها.. تحمل الرايات.. تهزّها بقوة.. وبملء حناجرها تهتف «من الجنوب هلّت البشاير…».

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني