fbpx

سكاكر جدي

0 159

– ما بك يا ولدي؟ وجهك شاحب.. عيناك غائرتان، وجسمك يتصبب عرقاً.

– لا شيء يا جدي.. لا شيء

– هيّا إلى المشفى.. حالتك لا ترضي

– مهلاً.. مهلاً.. لستُ مريضاً

– ماذا أصابك؟ قل..

– دعني.. ربما تسخر مني إذا..

– مسح بيد باردة على شعري ووجنتيّ فانتعشتُ.. ولِمَ أسخر؟ هل أنت مجنون! هيّا تكلّم.         – سيخ من نار اخترق جمجمتي..  يكوي.. يلهب خلايا الدماغ.. يصهر شحمها على سفود حرارته.. فقدت السيطرة.. غرقت في لجة بحر صحراوي.. ضللت.. عشت حلماً.. كابوساً.. كنت صحافياً غراً غير محترف.. صعلوكاً هزيلاً.. أشعب على موائد الشطّار. أغوص في مقعد الطائرة.. تتفرس عيناي بالركاب.. أنظر من النافذة.. الأرض تتماوج تحتي.. تتغيّر ألوانها وتتبدل.. حرباء تبحث عن صيد، وأنا أترقب الوصول.. وأنتظر لحظة الهبوط..

جموع تتحرك.. تتصافح الأيدي، وتبسم الثغور. شفاه صفراء باهتة، وآذان يطن فيها ذباب ألسنة تلوك الكلمات، وأنا الغرّ أتسكع بين الحشد، وأبحث عن ضالتي بين هياكل تحملق عيونها بي.. يتملّكني شعور مبهم.. فرسان متأنقون بلا مهاميز يمتطون خيولاً مطهّمة لا تعرف الصهيل.. سيوف مثلّمة لا يُسمع لها صليل، وغبار يعلو ولا نقع يُثار.. تتساقط حروف اللغة مطراً لا يروي.. عَطِشاً أتوه على حافة صحراء.. تتعثّر قدماي.. أتدحرج.. أتعفّر بالرمال.. يلتقطني شبح.. يحملني على راحتيه.. يهدهدني كعصفور.. يعيدني..

أشعر أني خاوٍ.. عائد من سفر بعيد. أضعت كل شيء.. عدت كحنين حافياً متشقق القدمين.. عطشان كسندباد فاشل لم يروني ماء البحر.. ملحه مرّ في فمي.

– الحمد لله على سلامتك يا بني.. هذه سكّرة..

– كرهت طعمها.. إلى متى تعللني بها؟

– انهض.. لا تفكّر بما رأيت.. الحياة تستحق أن تُعاش

– كيف؟!

– الأيام دوّارة، والحياة جميلة.. ألم تسمع هتافهم؟

– بلى..

– فهيّا..

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني