fbpx

إطار تفاهمات مع إيران؛ أهداف وفرص وتحدّيات! (2-2)

0 70

مقدّمة:

خلال النصف الأول من عام 2023، يدخل تشابك العلاقات بين حكومات الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، أصحاب أكبر مشاريع سيطرة إقليمية، مراحل أكثر تعقيداً، ترتبط أسبابها بشكل عام باستحقاقات التسوية السياسية الأمريكية[1]، وبمسعى طهران وواشنطن بشكل خاص للوصول إلى إطار صفقة تفاهمات جديدة حول قضية الملف النووي. من المنطقي أن يترك أي إطار محتمل للتفاهم بين واشنطن وطهران آثاراً كبيرة على أمن إسرائيل القومي وعلى مستوى الصراع الإيسرو إيراني المتصاعد في كامل المنطقة؛ قد يدفع حكومة الكيان لمواجهة العواقب المحتملة بجميع الوسائل الممكنة، ويفتح أبواباً لصراعات بينية جديدة!

لفهم أهمّ جوانب الصراع حول قضيّة الملف النووي الإيراني، المرتبط بطبيعة مصالح وأهداف القوى الرئيسة المتورّطة في الصراع، وسياسات تحقيقها، أحاول الإحاطة بإجابات مجموعة من التساؤلات الرئيسيّة:

  1. ما هي عواقب الوصول إلى اتفاق نووي إيراني أمريكي غير رسمي، يُتيح لإيران الاحتفاظ بالمواد النووية – تجميدها دون تفكيكها، وبما يؤسس لوضع إيران كـدولة عتبة نووية؟. ما هي طبيعة التحدّيات التي تواجه صنّاع القرار في إسرائيل، وماهي الاستراتيجيات والفرص الممكنة لمواجهتها؟.
  2. ما هي مصالح الولايات المتّحدة الحقيقية من سعيها للوصول إلى إطار تفاهمات غير رسمي، وما هي الذرائع التي تسوقها لتبرير سلوكها؟.
  3. ما هي أبرز الاستنتاجات التي قد يصل إليها التحليل؟:
  4. في أيّار ٢٠٢٣، أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ” أنّ إيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60% لصنع خمس قنابل نووية. رغم ما تحمل هذه الإمكانية من مخاطر على أمن إسرائيل، (التي تمثّل أقوى المنافسين الإقليميين لأدوات وأهداف مشروع السيطرة الإقليمية الإيرانية، والتي تشتبك مع أذرع النظام الإيراني في لبنان وسوريا وغزّة)، إذا لم تُحسن التفاهمات المنظورة التعامل مع مكامن الخطر فيها، فإنّها ليست جانب التحدّي الوحيد بالنسبة لصنّاع القرار في إسرائيل! فقد أظهرت الاتصالات التي كشفت عنها تقارير وزارة الدفاع حرص واشنطن على صياغة اتفاق غير رسمي، وغير مكتوب،[2] وهو، في حال حصوله، سيكون أقرب إلى الصفقة الخاصّة، لا يحرم إسرائيل من معظم مزايا الاتفاق الشامل المشترك، خاصة المرتبطة بالضمانات الدولية (5+1)، وما تشكّله من ورقة ضغط فعّالة فحسب، بل، وعلاوة على ذلك، سيحدّ من إمكانية استخدام تل أبيب لجميع أوراق الضغط الخاصّة، الساعية لضمان تنفيذ خطوات اتفاق رسمي، يلبّي هواجسها الأمنية، الراهنة والاستراتيجية.
  5. فيما يتعلّق بعواقب الوصول إلى اتفاق نووي إيراني أمريكي غير رسمي، يُتيح لإيران الاحتفاظ بالمواد النووية – تجميدها دون تفكيكها، وبما يؤسّس لوضع إيران كـدولة عتبة نووية، أعتقد أنّه إذا ذهبت تفاهمات واشنطن وطهران السياسية إلى عقد صفقة غير رسمية، وفقا لشروط الطرفين المُعلنة التي لا تتضمّن آليات تفكيك ما صنّعته طهران من مواد نووية، والاكتفاء بتجميدها، بما يُتيح لطهران الاحتفاظ بها وتخزينها، وبما يضعها عمليّا في موقع ما يُسمى دولة عتبة نووية،( قنبلة على الرف – سمير التقي!)، فمن الطبيعي أن تدرك إسرائيل طبيعة الأخطار الكامنة في الاتفاق، وتعمل على مواجهتها، أو تجنّبها، على الأقل!.
  6. في الاستراتيجيات الممكنة! نظراً لأهمية العملية الجارية – التي يبدو جليّاً أنها تؤدي إلى تعزيز آليات السيطرة التشاركية الإيرانية الأمريكية على ضفتي الخليج، ومحيطهما الجيوسياسي، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الجديّ مخاوف إسرائيل الأمنية وطبيعة الحرب التي تخوضها لتحجيم أدوات التمدد الإيرانية – قد تجد حكومة إسرائيل نفسها أمام جملة من الاستراتيجيات والفرص:

أ‌- الانخراط النشط والفعّال في جهود الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية لضمان مراعاة مخاوفها ومصالحها الأمنية أثناء المفاوضات مع إيران، واستخدام كل ما تملكه من أوراق لضمان اتخاذ إجراءات صارمة، تمنع إيران من الاحتفاظ بمواد نووية.

ب- استخدام قدراتها الاستخباراتية القوية، وتبادل المعلومات مع واشنطن، بما يعزز جهود وفاعلية رصد التزام إيران بأي اتفاق جديد.

ج. استكشاف فرص بناء تحالفات مع فاعلين إقليميين آخرين يشاركون نفس المخاوف بشأن برنامج إيران النووي، ويمكن أن يعزز هذا التعاون قدرة إسرائيل الجماعية على التأثير والنفوذ في المنطقة.

  • لتبرير أولوية الوصول إلى إطار تفاهمات غير رسمي، يتذرّع الأمريكان بالقول إن التغيرات الجيوسياسية لما بعد حقبة الربيع العربي التي سمحت بتمكين أدوات السيطرة الإيرانية، ورفض إيران تفكيك قدراتها النووية المتراكمة، يمنعانها من التوقيع على اتفاق نووي شامل، وبالتالي فإن التوصل إلى هكذا اتفاق، موقّعاً عليه، أمر غير مرجّح! لذلك، تسعى الإدارة إلى التوصل إلى اتفاق أقلّ رسميّة، وأكثر تحديداً وجدوى!.
  • بعيداً عن أضاليل الدعاية الأمريكية، ثمّة مصالح بارزة تعمل سياسات الولايات المتّحدة على تحقيقها:
  • أن تكون إيران، بموافقة أمريكية مباشرة، في حالة دولة عتبة نووية يعني أنّها ستحتفظ بخَيار امتلاك قنبلة نووية في وقت قصير عندما تقرّر قيادتها السياسية؛ وهو ما يخلق حالة تهديدٍ مستمرٍّ لإسرائيل والسعودية، ويبقي القنبلة على الرف (وفقاً لتوصيف الدكتور سمير التقي)، أحد وسائل الضغط الأكثر فاعلية التي تستخدمها الولايات المتّحدة لضبط سياسات شركائها السعوديين والإسرائليين، وخصمها الإيراني، على حد سواء بما يتوافق مع تعزيز وسائل سيطرتها الإقليمية!.
  • تنفيذ تفاهمات الصفقة بين إيران والولايات المتحدة سيقلّل بالطبع من الضغط الاقتصادي الغربي على إيران من جهة، ويفتح صنبور الأموال السائلة والمجمّدة التي تُتيحها الصفقة، والتي ستشكّل خط النجاة للاقتصاد الإيراني؛ وهو ما يتيح لواشنطن فرصة التحكّم بعصب الاقتصاد الإيراني، وبالتالي بسياسات النظام وفقا لمصالح وسياسات الولايات!.

في أبرز الاستنتاجات:

وكأنّ لسان حال إدارة بايدن الديمقراطية يقول لشركائه في أوروبا وإسرائيل أن قضيّة الملف النووي الإيراني هي مسألة مصالح أمريكية خاصّة، ويحق لواشنطن مقاربتها بالطريقة التي تجدها مناسبة؛ وهي، كما يبدو، تخدم فقط سياسات وأدوات السيطرة المشتركة بين الولايات المتحدّة والنظام الإيراني!.

من جهة، ما تفرضه الصفقة من تنازلات على إيران يشكّل خطوات طفيفة – إذا ما قورنت بالتنازلات المطلوبة للعودة إلى اتفاق النووي لعام 2015 – الاتفاق الشامل المشترك (JCPOA) – وتلبّي استعدادها للتوصل إلى حلّ مقبولٍ دون أن تُجبَر على التخلّي عن تقدمها وإنجازاتها حتى الآن في المجال النووي. في الوقت نفسه، فإن التعويض الذي تحصل عليه في إطار تفاهمات محدودة تلبّي شروطها، قد يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، وقد يكون كافياً للحدّ من التضخم المتزايد والاحتجاجات العامة الناتجة عنه. من جهة أخرى، تعلن إدارة بايدن باستمرار أنها مستعدة لتعزيز الاتصالات الدبلوماسية ومهتمة باتفاق يتيح لها توجيه اهتمامها ومواردها إلى قضايا وطنية أخرى كالحرب ضدّ الإرهاب، والتنافس التكنولوجي ضد الصين!.

في الختام، أعتقد أنّ الدوافع الحقيقية الأمريكية لعدم وصول إدارة بايدن إلى صفقة شاملة وعلنية مختلفة تماماً، وتحرص، في أحد جوانبها، على بقاء حالة الصراع الإعلامي – الحضاري، بين المشروعين، التي شكّلت تاريخياً أفضل بيئة لتعزيز شباك سيطرة ونهب تشاركية غير مسبوقة مع النظام الإيراني؛ كما تبقي سيف التهديد النووي الإيراني كورقة ضغط، تبقي عصا الولايات المتّحدة الغليظة مشرعة في وجهه أقرب حلفاء واشنطن – المملكة السعودية وإسرائيل؛ وهي، في بعدها الأوروبي، تشكّل إحدى وسائل إضعاف الدور الأوروبي في قضايا السيطرة على منطقة الخليج، ومحيطه الجيوسياسي!.


[1]– على الصعيد السوري، تشكل التسوية السياسية الأمريكية المرحلة الثالثة من الخيار الأمني العسكري الطائفي الميليشياوي، (الذي بدأت مرحلته الأمنية الطائفية الميليشياوية الأولى بين ربيع 2011 وصيف 2014، ومرحلته الثانية – حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية، بين (2015-2020)، ولا تخرج عن سياقها جميع إجراءات وخطوات التطبيع والتأهيل في العلاقات البينية، إقليميا، وعلى صعيد سلطات الأمر الواقع التي باتت تشكّل النظام السوري الجديد.

إذ تعمل التسوية السياسية الأمريكية على المستوى السوري على تثبيت وقائع وشرعنة سلطات الأمر الواقع الجديدة في مناطق سيطرة سلطة النظام وخصومها كما باتت في خارطة سوريا الجديدة، التي رسمتها اتفاقيات الرئيسين أردوغان بوتين في 5 آذار 2020، ووضعت حدود حصصها، تسعى إقليميّا للوصول إلى حالة تهدئة مستدامة بين خصوم الصراع في سوريا، عبر سلسلة من خطوات وإجراءات التطبيع، سواء على صعيد العلاقات بين النظم الإقليمية (السعودية وإيران، أو تركيا ومصر والسعودية)، أو بينها وبين النظام.

في هدفها الرئيسي تقوم التسوية السياسية الأمريكية سوريّا على معادلة أساسية، يترابط فيها تأهيل سلطة قسد، بما يضمن ديمومة واستقرار الحصة الأمريكية، مع إعادة تأهيل النظام، الضامن لاستمرار السيطرة الإيرانية، (بما يجعل من سعي تركي لتنظيم سيطرتها على حصّتها، سواء عبر صفقة مع النظام أو من دونها، تحصيل حاصل!!)؛ كما ترتكز إقليميا على معادلة إعادة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية والسعودية، وتطبيع العلاقات، وجعلها أساساً لمحور إقليمي جديد، يستهدف إضعاف وتفكيك عوامل القوّة الإقليمية الروسية في الحرب على أوكرانيا.

[2]– يتم بموجبه تقييد برنامج إيران النووي، وتعهّد إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة 60% وعدم تراكم المزيد من المواد عند هذا المستوى من التخصيب؛ إضافة إلى الإفراج عن ثلاثة أمريكيين محتجزين في إيران منذ عام 2015 بتهم التجسس، وستكون إيران ملزمة بالتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والامتناع عن مهاجمة القوات الأمريكية في سوريا والعراق؛ وربّما وقف بيع الصواريخ البالستية إلى روسيا، مقابل تحرير الولايات المتحدة لأصول إيرانية بمليارات الدولارات. تقديرات يناير 2021 تشير إلى أن 10 مليارات دولار مجمدة في العراق، وحوالي 7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية، ومبالغ مماثلة في الولايات المتحدة وعُمان والصين واليابان. هناك أيضاً تقارير عن اتفاق تبادل أسرى بين إيران وبلجيكا، بوساطة عُمان، ودفع دَين بقيمة 2.76 مليار دولار لإيران من قبل العراق.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني