fbpx

هل يجمع الأسد بين الدعم العسكري الروسي – الإيراني والمال والشرعية العربية؟

0 2٬009

لم يعرف التاريخ وقاحةً تضاهي وقاحة تصريحات الأسد في موسكو مؤخراً، ففي الوقت الذي طالب بكل وضوح بانسحاب القوات التركية من مناطق الشمال السوري وربط تحقيق هذا الشرط بقبوله إجراء لقاء مع الرئيس التركي أو حتى إتمامه لعملية المصالحة المتثاقلة بين أنقرة ودمشق، في صفعة غير معهودة وتنكر لخدمات سيده الروسي الذي أبقاه في قصر المهاجرين. ف

مسار الانفتاح التركي على نظام الأسد هو فكرة روسية بالأساس واستثمار نتائجها سيكون روسياً.

وفي موسكو ذاتها يصرح الأسد أنه من يحبذ احتلالاً روسياً دائماً لسورية وليس مؤقتاً ويتجلى ذلك بزيادة عدد القواعد العسكرية الروسية وزيادة نوعية تسليحها بحيث تصبح تلك القواعد مركزاً حاسماً في الصراعات الدولية مع المحور الغربي المناهض.

في سابقة فريدة برغبة ما يفترض أنه رئيس دولة ويزج بلاده في أتون الصراعات الدولية.

وتصريحاته تلك تقطع آخر جسور تواصله مع الغرب (إن كان ثمة جسور باقية) وتؤكد تماهيه مع المحور الروسي – الإيراني، وبالتأكيد سينظر له الغرب كأحد أذرع الرئيس الروسي في المنطقة، والمتوجب بترها في الحرب الصفرية الجارية الآن التي ليس من المتوقع أن تنتهي بحلول وسط، لابد في نهايتها من رابح وخاسر.

ولأن الأسد يريد المناورة ولا يبحث عن حل ما (أي حل)، فإنه يعادي ومن موقع ضعف القوى الرئيسية الخارجية الواجب التفاهم معها (الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا)، ويرغب بانتصارات معنوية أو رمزية على الجبهة العربية.

فالشمال السوري يشكل 40% من الجغرافيا السورية ويضم سكاناً سوريين أكثر من مناطق سيطرته.

لا يهم من قطع شعرة معاوية بين الأسد والأمريكان ولكن بالتأكيد تم قطع تلك الشعرة، ولا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن مواقف رسمية أمريكية مناهضة للأسد، تحض على عدم تعويمه، وتلك المواقف مدعومة بقوانين أمريكية من الصعب على الإدارات التحايل عليها إن رغبت في ذلك، وأقصد بالطبع قانوني قيصر وكبتاغون – الأسد القادم بقوة.

ومع تركيا التي تملك أوراقاً مهمة في الملف السوري ووجود عسكري على 10% من الأراضي السورية، يقطع الأسد الشعرة التركية الانتخابية معها برفضه للقاء الرئيس التركي إن لم تتحقق شروط مستحيلة التحقيق أو يمكن تحقيقها بعد المفاوضات وليس قبلها، وإزاء رفضه هذا، لماذا سيعمد حزب العدالة أو الرئيس التركي (إن ربحا الانتخابات القادمة وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً) إلى تفعيل مسار الانفتاح على دمشق طالما أن الأسد رفض ذلك في الوقت الذي يحتاجه الحزب والرئيس المرشح في وقوف سافر إلى جانب خصمه كمال كليتشيدار أوغلو وتحالف طاولة الأحزاب الستة المعارضة؟.

هل من مبادرة عربية للتسوية في سورية؟

  1. لا توجد مبادرة عربية، ولم يتكلم مسؤول عربي بمبادرة عربية، بل مؤخراً وعندما كان وزير الخارجية السعودي في موسكو طلب منه لافروف دعم مسار أستانة الجديد وأوحى الإعلام الروسي برغبة سعودية بذلك، لكن لم يصدر عن الوزير السعودي أي إشارة بهذا الخصوص بل تكلم الأمين العام للجامعة العربية في اليوم نفسه بأنه ليس في الأفق القريب عودة نظام الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، ولا توجد مقاربة أو رؤية واحدة بين دول الجامعة لمعالجة الملف السوري والتعاطي معه.
  2. لا تملك الدول العربية مجتمعةً أو منفردةً، أوراقاً قوية في الملف السوري، فسوريا اليوم ثلاث دول قرار إحداها الحاسم روسي/إيراني، والثانية قرارها أمريكي، أما الثالثة قرارها تركي، وعلاقات الدول العربية قوية أو فاترة مع كل منها، ويمكن للبعد العربي أن يكون داعماً لشرعية أي توافق بين القوى المهيمنة على الأرض، وهذا صعب المنال في الواقع الراهن.
  3. كتلة العطالة في النظام المعطلة لأي حل هي البديهية الوحيدة التي لا تحتاج لأي إثبات أو دليل، فشروطه المعلنة (أو غير المعلنة أحياناً)، كقبوله منتصراً كما هو الآن على حالته الراهنة والتغاضي عن سجله الإجرامي منذ بداية الثورة السورية، غير وارد بالمرّة، فلا يمكن مثلاً الوثوق بأي تعهد منه بعدم التعرض للاجئين إن عادوا، والإفراج عن معتقلي الرأي.. وتعهده بأي مشاركة سياسية للمعارضة في أي مرحلة قادمة، ولم يتوصل لنقاط تفاهم أولية مع قسد رغم كل التنسيق والعلاقات الحميمة بينهما، وغير مستعد لإعطائها أبسط ما تطلبه، فكيف بقوى الثورة التي يعتبرها إرهابية وعميلة للخارج؟!. كما أن تجربة التسويات البائسة التي تمت برعاية روسية في حوران وانقلب عليها كلها، وتجربة المملكة الأردنية الهاشمية معه بمحاولة الانفتاح عليه في العامين الماضيين قابلها بحشد ميليشياوي لفصائل تابعة للحرس الثوري الإيراني على الحدود بينهما، مع ازدياد هائل في معدل تهريب المخدرات والأسلحة إلى المملكة ودول الخليج العربي، ومؤخراً أجهض خطوة تطبيع تركية معه بضغوط عطالته المعروفة مع ضغوط إيرانية متوقعة.
  4. الملف السوري مدوّل منذ حزيران 2012 بصدور بيان جنيف 1 وعدد من القرارات الدولية منها 2254 و2118 وقرارات إدخال المساعدات الأممية، إضافة لوجود خمسة جيوش أجنبية على الأرض.
  5. الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري والموجودة على الأرض مشتبكة مع بعضها بصراعات بعضها ساخن والآخر على حافة الانفجار، القوتان العظميان في العالم مشتبكتان بحرب في أوكرانيا، روسيا أصالةً عن نفسها والولايات المتحدة والناتو بتوكيل أوكراني. كما أن الصراع الإيراني مع الولايات المتحدة وإسرائيل بخصوص الملف النووي والتموضع العسكري الإيراني النوعي في سورية في ذروته ولا تعرف مآلاته، والحرب الرمادية بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي تدور رحاها على الأرض السورية منذ سنوات، كما أن انتهاء عصر التخادم الإيراني – الأمريكي نرى شظاياه على الأرض السورية بقصف وقصف مضاد يمكن أن ينفجر بأي لحظة. لذلك في هكذا أجواء لا يتوقع لأي مسار أو مبادرة أو خطة عربية للتسوية في سورية أن يكتب لها بصيص من النجاح.
  6. لا يمكن لأي دولة عربية أو غير عربية، تجاهل عقوبات قانون قيصر المفروضة على النظام السوري، وليس من السهولة بمكان تحدي اللاءات الأوربية/الأمريكية الثلاثة، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار، لا لإعادة العلاقات. هذه اللاءات مشفوعة بقوانين للدول الفاعلة بالنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ومشكلة نظام الأسد مشكلة اقتصادية وليست أمنية أو سياسية، فماذا سيستفيد من شرعنة عربية له إذا كان أي نظام عربي قادراً مالياً، عاجزاً عن اختراق جدار العقوبات الغربية، وبالتالي يعلم الأسد أن العرب والترك لن يستطيعوا انتشاله من القاع الموجود فيه الآن.

أظن أن اللامبادرة العربية لن تكون أكثر من زوبعة في فنجان. مثلها مثل الورقة التي تم تسريبها الصيف الماضي عن مبادرة أردنية للحل في سورية وتمت تسميتها باللاورقة ولم تعمر طويلاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني