fbpx

المرأة السوريّة والثورة بين نمط الماضي وخلل الحاضر

0 212

في ظل الظّروف القاسية التي فرضتها حربُ النّظام على الشّعب السّوريّ، إثر مطالباته الحقّة بالحريّة والكرامة، خاض السّوريون عامةً والمرأة السًورية خاصةً تجربة النًزوح واللجوء بحثاً عن الأمان والحياة الكريمة بعدما فقدت المعيل زوجاً كان أو أباً أو أخاً، بين معتقلٍ وشهيدٍ ومعاقٍ، وبعد أن كانت هي نفسها هدفاً لوحشية النظام.

فالمرأة السّورية كانت ركيزة أساسية ودعامة من دعامات الثّورة السّورية، وكانت إلى جانب الرجل ونالت ما ناله وربما أكثر من ملاحقةٍ واعتقالٍ وتعذيب، فكانت جريمة الاغتصاب إحدى الأدوات الوحشية التي استخدمها النظام ضدّ المرأة الثّائرة وضدّ الأسرة السّورية، فمن خلالها تنهار بنية الأسرة ويفقد المجتمع الثوريّ تماسكه بالإضافة إلى همجية النّظام وسلوكه الوحشي بتعذيب وإذلال معتقليه، فكانت المرأة الضحية التي دفعت أبهظ الأثمان.

أحد عشر عاماً كان ظلّها ثقيل على السّوريين بعد حرب النظام الهمجية والتي طال تأثيرها معظم المدن وبعد أن تحوّلت القضية السّورية إلى قضية هامشية على أجندات الدّول الكبرى وبعد دعم روسيٍّ/إيرانيٍّ للنظام أدّى إلى تقدّمه في مدنٍ شهدت ذات يومٍ مناخ الحرّية بعيداً عن سلطة الأسد، فكان لابدَّ لساكنيها من البحث عن ملاذٍ آمنٍ بعيداً عن بيوتهم وأراضيهم الواقعة تحت الاحتلال الأسدي، فكان النّزوح إلى المناطق التي لاتزال محرّرة، وربما يمتدّ النّزوح ليكون لجوءً إلى دول الجّوار.

حسب تقرير أصدرته المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين في تموز/2014 بعنوان (النساء بمفردهنّ، صراع اللاجئات السًوريات من أجل البقاء) فقد أظهر التّقرير أنّ أسرةً من بين أربعةِ أسرٍ تخوض فيها المرأةُ بمفردها تجربةَ النزوح.

لتجد المرأةُ السوريّة نفسها وحيدةً بمواجهة متطلبات قاسية مجرّدة من حماية المعيل في بلدٍ غريبٍ، ممّا يعرّضها للاستغلال والابتزاز والمساومات غير الأخلاقية.

هذا الوضع الذي فُرض على المرأة بالإضافة إلى تغيّر بنية المجتمع الديموغرافية نتيجة القتل والاعتقال وهجرة الشباب هرباً من الملاحقة الأمنية والتجنيد الإجباري في مناطق النظام أدّى إلى ازدياد الهوة بين الرّجال والنساء.

هذه الأسباب مجتمعةً كان لها دور كبير بتغيير الصورة النمطية التي التصقت بالمرأة وحددت وظيفتها بين جدران منزلها وكانت السّبب لتخوض المرأة غمار معارك جديدة للبقاء، أدّت لدخولها في ميادينِ عملِ لم تختبرها من قبل ولم تكن واردة بأقصى درجات المساواة بينها وبين الرجل، وبما أنّ هذا التغيير لم يكن نتيجة تطور نظرة المجتمع للمرأة وإمكانياتها وإنما نتيجة الحرب بما حملته من خللِ وانهيارٍ لبنية المجتمع لذلك فإن آثاره تحمل شيئاً من السًلبية للمرأة، التي لم تدخل ميادين العمل بهدف تحقيق الذات والاستقلاليّة وإنما بحثاً عن مصدر للعيش، فتحوّل العمل من إرادة إلى فرض وربما عبء وذلك عندما مارست المرأة أعمالاً لا تناسب قدراتها وطبيعتها الجسديّة ما عرّضها للظلم والاستغلال، رغم ذلك لا مفرّ من العمل في أيّ مهنةٍ كانت، فقد أظهرت دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان أنَّ 145ألف أسرة سورية المرأة هي المعيل الوحيد فيها.

دخلت المرأة ميادين مختلفة أثبتت فيها جدارة وتفوّق وتكاد لا تخلو مواقع التواصل وشاشات التلفزة من صور مشرقة وأخبار مشرّفة عن سيدات سوريّات برعن في مجالات السياسة والعلوم وغيرها، لكن هذه الشريحة المهيّأة أصلاً للعمل والتفوّق لا تمثل السّواد الأعظم للسّوريات اللواتي اضطررن للعمل بعد فقدان المعيل وصولاً إلى فقدان السكن والمجتمع والذي رغم قسوته في كثير من الأحيان إلا أنه كان يوفر لها هامشاً من الحماية.

فإذا تناولنا واقع المرأة في المناطق الخارجة عن سيطرة النّظام نجد أنّه ورغم الحاجة الماديّة فإنّ هذا التغيير لم يصلها بسبب سيطرة بعض التنظيمات التي تفرض قيوداً على حرّية المرأة وعملها، ليقتصر العمل إن أُتيحَ لها على المجالات التقليديّة كمجال التّعليم والمجال الطّبي والأعمال الزراعيّة الشّاقة فضلاً عن الحرمان من التعليم بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية، وذلك بالرّغم من وجود المنظمات التي تقدّم الدّعم والبرامج التّوعويّة الخاصة بالمرأة والتي لا يرقى عملها إلى المستوى المطلوب بسبب القوى المؤثّرة وسيطرة العادات والتّقاليد على المجتمع. (بالإضافة لتبني بعض المنظمات فكرة تحرير المرأة شكلياً وترك الجوهر).

أما في دول اللجوء، فإن العمل بالنسبة للمرأة رغم القيود الصّارمة يُعتبر إلزامياً حتى بحال وجود المعيل بسبب تكاليف الحياة الباهظة وإن كان هذا العمل محفوف بالمخاطر ولا يناسب المرأة.

ففي لبنان مثلاً حيث يُمنع السّوريون من العمل لجأت النّساء إلى العمل داخل المنزل كالعمل بالطّبخ والخياطة والتّجارة المنزلية، بالإضافة إلى أعمال التنظيف والأعمال الزّراعية.

وفي الأردن سُمح للسّورييّن بالعمل ولكن بشرط وجود تصريح، وبأعمال محدّدة كالأعمال الزّراعية وأعمال البناء والصّناعة وكلها أعمال حصريّة للرّجال لكن بسبب العوز دخلت المرأة غِمار هذه الأعمال، بغياب التّأمين الصّحي والإجازات وبدوام طويل وأجر قليل.

أما في تركيا حيث لا تخلو المعامل والورشات من النّساء العاملات بتحديّات مشابهة يضاف لها تحدّي اللغة وغياب تصريح العمل حيث بلغت نسبة اللاجئات الحاصلات على تصاريح عمل 4% حسب دراسة قامت بها أوكسفام.

ولعل التحدي الأكبر لطالبات العمل في دول اللجوء تعاني منه حاملات الشّهادات اللواتي لا يحصلن على عمل يتناسب واختصاصاتهن العلمية ليتحوّلن إلى عاملات أو بائعات في المحال التّجارية.

أما في مناطق سيطرة النّظام فالحال ليس بأفضل حيث لجأت الكثيرات إلى العمل وربّما إلى عملٍ إضافيٍّ بعد فقدان الكثير من الأسر معيليهم في معارك النّظام وبعد الأزمة الاقتصادية التي دخلت بها سوريا إثر النّصر المزعوم وهبوط قيمة الليرة السّورية حيث لا يتجاوز الراتب الـ 30 دولار في الشهر ما اضطّر النّساء للعمل فانتشرت ظاهرة سائقات سيّارات الأجرة وعاملات التّمديدات الصّحية والبائعات المتجولات على العربات.

مما تقدم نجد أن المرأة هي أكثر من يدفع ثمن مفرزات الحروب وهي الخاسر الأكبر في أيّ صراع وبأيّ جهة كانت.

وليس العمل إلا واحداً من الضّرائب الكثيرة التي دفعتها المرأة ولازالت، وهنا نقصد بالعمل، العمل الإجباري، غير المناسب، الذي لا يقدّم أيّ إضافة للمرأة، إلاّ استنزاف قوّتها وهدر طاقاتها مقابل الحصول على حقوقها المشروعة بالأمن والأمان من حيث متطلبات الحياة الكريمة لها ولأسرتها.

لذلك لابدّ من المناداة بسنِّ قوانين واتّخاذ إجراءات تحمي العمّال عموماً والنّساء خصوصاً من الأخطار الممكن مواجهتها أثناء العمل مثل:

  • العمل على تأمين بيئة عمل آمنة للمرأة العاملة ووجود مرافق للأطفال.
  • تحديد ساعات العمل بمنطقية وأجور تتناسب مع الواقع.
  • الحفاظ على السلامة النّفسية والجّسدية ومراعاة مشاعر النساء العاملات واحترامهنَّ وعدم استغلالهنَّ.
  • تفعيل دور المنظمات الإنسانية لتأخذ دورها بدعم وحماية المرأة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني