fbpx

شمال سوريا، ومآلات التهديدات التركية، في ضوء ما قد تتمخّض عنه قمة طهران!!

0 100

في الصراع المحتدم على تقاسم الحصص ومناطق النفوذ منذ 2015 في شمال سوريا بين أهداف مشاريع السيطرة الأمريكية/الروسية/الايرانية، من جهة، والتركيّة، من جهة أخرى، نحاول توقّع مآلات الصراع حول تل رفعت منبج وعين عيسى الذين تضعهم دعاية الحرب التركية في رأس أولويات معركتها الجديدة، من خلال قراءة المشهد السياسي والعسكري الحالي، وعبر رصد تحرّكات القوى المتورّطة في الصراع، على صعيد النشاط الميداني، وعلى مستوى لقاءات القمّة المرتقبة بين زعماء الدول الضامنة لمسار آستانة، في طهران.

  1. يُرجّح ان يكون الهدف الرئيسي لجهود السيناتور الأمريكي البارز لندسي غراهام في جولته الى العراق وتركيا ومناطق الإدارة الذاتية، برفقة جون برينان قائد قوّات التحالف الدولي في العراق وسوريا خلال الأسبوع الأوّل من تمّوز الجاري هو محاولة لترتيب صفقة بين قسد وتركيا، تمنع، كما تأمل واشنطن الهجوم التركي المرتقب، وتشكّل مقدمة لحالة هدنة دائمة بين تركيا وقسد![1].
  2. وفد عسكري أمريكي إلى كوباني. لمناقشة ترتيبات انسحاب محتمل من تل رفعت وبعض المطالب حول أهميّة التوقّف عموما عن مسيرات ترفع صور زعيم حزب العمال الكردستاني التركي، الأسير أوجلان، مقابل تعهّد بحصول حوارات مع تركيا، وفتح معابر منطقة الإدارة الذاتية، كوباني والدرباسية وسيمالكا.
  3. وفد من التحالف الدولي، إلى تل رفعت، وإجراء مفاوضات مع المجلس العسكري، في محاولة لإقناع قسد، بصفقة خروج آمن، تضمن عدم حدوث مواجهات جديدة مع تركيا.
  4. على الصعيد الروسي: الموقف الروسي، وما مارسته روسيا من ضغوط عسكرية على جبهة إدلب وغيرها، (قصف قرى في جبل الزاوية، إرسال مظليين إلى القامشلي، نشر منظومتي دفاع جوي على أطراف منبج وعين عيسى، تعزيز تواجدها العسكري في مطار منّغ، القريب من تل رفعت)، للتعبير على عدم الموافقة على حرب تركية جديدة، أو ربّما، وهو الأرجح، لتثقيل أوراق صفقة، في ضوء تأكيد وزير خارجيتها، في زيارته الأخيرة لتركيا، بتفّهم بلاده لموجّبات الأمن القومي التركي، وفي ظل عواقب الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا وما تفرضه من حاجة لأعلى درجات التنسيق مع الجار الكبير تركيا!.
  5. من حيث الشكل، قسد لا تبحث من جانبها عن مخرج سياسي، يحول دون وقوع حرب خاسرة، فتُعلن حالة الطوارئ، والنفير العام، استعداداً للمعركة الكبرى، في يوم زيارة الوفد الأمريكي، وبما يتوافق مع تصريحات قادة العمال الكردستاني (جميل بايك) حول عدم الانصياع للقوى الدولية، وضرورة توحيد القوى، استعداداً لكلّ الاحتمالات!.
  6. قسد والنظام وإيران: محاولات تسلل ايرانية في ريف حلب الغربي. غرفة عمليات مشتركة في تل رفعت، واستعدادات عسكرية ولوجستية، رغم نفي مظلوم عبدي في منبج التأكيد على تشكيل غرفة عمليات مشتركة، أو دخول مكثّف لقوات النظام إلى تل رفعت.[2]

ثانياً: كيف نفهم حقيقة مواقف الأطراف الأساسيّة من حرب تركيّة محتملة في شمال وشرق سوريا؟.

  1. في السياق العام، من المفيد التأكيد على واقع أنّ الصراع الأساسي في شمال وشرق سوريا يقوم بين المشروعين التركي والأمريكي، على خلفية الرفض الأمريكي (الإيراني والروسي) المستمر منذ 2011 لمسار حل وانتقال سياسي، وما يتركه الخيار العسكري البديل من عواقب على الأمن القومي التركي. بالطبع، لا يمنع هذا السياق العام وجود تعارض وصراع في سياسات أطراف المحور الأمريكي حول قضايا مختلفة، أو تقاطع في المصالح والسياسات التركية مع قوى المحور الأمريكي، الولايات المتّحدة وإيران وروسيا، من جهة ثانية!.
  2. 2-               مع تفجّر الصراع السياسي في ربيع 2011، كان من مصلحة النظام التركي أن ينحاز لمسار حل سياسي بقيادة النظام، لكنّ مآلات الصراع اللاحقة قبل التدخّل العسكري الأمريكي/الروسي 2014-2015 وبعده، وضعت تركيا أمام الحقائق الصعبة لمواجهة تحدّيات مسارات الخيار البديل؛ العسكري الطائفي الميليشياوي، في سياق استراتيجية إعادة تأهيل سلطة النظام على جزء من الجغرافيا السوريّة، وما تضمنه على المستوى العسكري من إعادة تموضع لميليشيات المعارضة في مناطق شمال سوريا، وفي إدلب، والجنوب؛ وعلى المستوى السياسي، من ترتيبات خطط مسار أستانة، الذي أطلقته الولايات المتّحدة وروسيا في النصف الأول من 2015، تحت شعار مضلل، يتحدّث عن رفض الحل العسكري (بما يعني عدم السماح لأي من قوات النظام، أو القوات المعارضة بتحقيق حسم عسكري لصالحه)، وبما يعني أنّ الحل السياسي هو الوصول إلى خفض العنف بين القوى المتصارعة على الحصص، وأنّ المهمّة الأساسية لتركيا وإيران وروسيا (الدول الضامنة)، هي ضمان الوصول إلى حالة تهدئة، بين الجميع، من خلال مناطق خفض التصعيد، ومن ثمّ الوصول إلى صفقة سياسية، يعترف فيها الجميع، بما فيهم النظام، بحقائق الواقع، التي تجسّدت في نهاية مرحلة حرب طويلة، 2015-2020، نتج عنها ميدانيّاً بروز أربع سلطات أمر واقع، متمايزة!.

في مواجهة تداعيات تلك الصيرورة المتناقضة في الأهداف والنهج والقوى مع مسار حل سياسي شامل، والتي قادتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بالتنسيق الشامل مع روسيا البوتينية، واجهت المصالح الحيويّة للدولة التركية تحدّيين أساسيين:

  1. قضية اللاجئين، ليصبح التساؤل الرئيسي أمام القيادة التركية: كيف ستتعامل تركيا مع هذه المعضلة، ملايين اللاجئين، الذين ترفض توفير بيئة آمنة وطنية (حل سياسي شامل) لعودتهم جميع القوى التي تورّطت في مسار الخيار العسكري، بقيادته الأمريكية؟.
  2. قضيّة الصراع التاريخي مع حزب العمال الكردستاني وما يشكله من تهديد للأمن القومي التركي، فاقم مخاوفه إصرار أمريكي على استمرار السيطرة على مناطق الطاقة في شرق الفرات، بتوكيل حصري لقيادة قسد، المصرّة بدورها على التبعية لقيادة قنديل، وتجييشها لحالة عداء تناحري مع تركيا، قدّمت الأخيرة مبرراته، في احتلال عفرين، 2018، وما نتج عنه من جرائم بحق مدنيين أكراد، واستخدامها لفصائل معارضة في المواجهات العسكرية!.

عندما طرحت تركيا خيار إنشاء منطقة حظر طيران للفارين من المعارك، وسياسات التغيير الديمغرافي 2013-2014، رفضته الولايات المتّحدة، ليبقى الخيار الوحيد أمامها هو المطالبة، والسعي لفرض منطقة آمنة، تقع تحت حمايتها.[3]

بناء عليه، نفهم مبررات طرح الرئيس التركي لمشروع المنطقة الآمنة، بعرض يتراوح بين 30-32 كم، ويشمل معظم منطقة الإدارة الذاتية ويقتطع مناطق أساسية من حصّة الولايات المتحدة التي وكّلت قسد بحمايتها، فكلّ زيادة في حصّة تركيا، ستكون على حساب حصّة الولايات المتحدة.

هنا يكمن السبب الرئيسي للصراع الأمريكي – التركي، الذي تستخدم فيه تركيا فصائل معارضة عربية، بينما تجير فيه الولايات ليس فقط مصالح وسياسات روسيا وإيران (شركائها في الخيار العسكري)، بل وأيضا حلفاء روسيا وإيران الكرد في قيادة قنديل!.

  • في الجولة الراهنة من الصراع، الأسباب التركية المُعلنة لحربها الجديدة على مناطق سيطرة قوى المحور الأمريكي، ترتبط بشروط صفقة إنهاء معارك نبع السلام، 2019[4]، ليصبح

التساؤل الرئيسي:

ما هي حظوظ نجاح تركيا اليوم، في تحقيق ما عجزت عنه آلتها العسكرية في تشرين الأول 2019؟

  1. اذا أخذنا بعين الاعتبار تقاطع مصالح وسياسات الولايات المتحّدة مع سياسات تركيا لإقامة منطقة خاصّة، تلبّي متطلّبات مصالح تركيا الحيوية (اللاجئين وحزام آمن، في مواجهة قسد)، في سياق مشروع الولايات المتّحدة السياسي الشامل لتثبيت سلطات الأمر الواقع، بما فيها الحكومة المؤقّتة وتأهيلها، أولاً، وتموضع مصالح واشنطن الأمريكية في شرق الفرات، ثانياً، ومستجدّات الصراع في أوكرانيا، وما فرضه من حاجة الولايات المتحدّة للتنسيق مع تركيا، ثالثاً، نفهم استعداد واشنطن للوصول إلى صفقة مع الرئيس التركي حول المناطق المتنازع عليها، خاصّة في غرب الفرات، تل رفعت ومنبح.

لكن، تقاطع مصالح تركيا والولايات المتحدة للوصول إلى صفقة سياسيّة حول تل رفعت ومنبج، أو تل رفعت فقط، يتعارض مع مصالح شركاء الولايات المتّحدة:

  • قسد، التي تستخدم الصراع ضدّ تركيا لتحشيد الكرد، وإعطاء مصداقية لما تطرحه في إطار المشروع القومي الكردي، لا تستطيع الحفاظ على ماء وجهها في حالة الموافقة على الصفقة الأمريكية، وليس من مصلحتها أيضا تقلّص مساحة المنطقة الجغرافية التي تسيطر عليها اليوم.
  • روسيا، التي تمانع الصفقة، طالما لا تؤدّي إلى تبادل مصالح مع تركيا، تعطيها مقابل تنازلها عن بعض مواقع السيطرة في المناطق المتنازع عليها.
  • إيران، التي تتناقض مصالحها جوهريا مع سياسات التمدد التركية، وترى بأنها الأولى بالسيطرة على كامل الجغرافيا السوريّة، وقد استخدمت جميع أوراقها لمواجهة السياسات العدوانية التركية.

ضمن هذا السياق العام، تنعقد قمّة طهران، في 19 الشهر الجاري، حيث سيحاول كلّ طرف فرض أقصى ما يستطيع تحقيقه من مكاسب، في ظل إدراك الروس والإيرانيين لواقعية الهجوم التركي، وصعوبة منعه، طالما حصل على رضا واشنطن!.

ثالثاً: ماذا قد يحصل عليه الروس والإيرانيين مقابل إعطاء الضوء الاخضر لمعركة تركيا الجديدة؟

هذا ما ستكشفه مسارات الأحداث اللاحقة، وتبيّن إلى أيّة درجة استطاع كلّ من الأطراف تحقيق مكاسب خاصة، في إطار لعبة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ.

  1. من الأرجح أن يسعى الرئيس الروسي، (الذي أوصل بلاده في حربه الصدّامية على أوكرانيا إلى حالة من الحصار والضعف، أشبه بما كان عليه العراق أثر تورّط زعيمه الراحل في غزو الكويت، مطلع تسعينيات القرن الماضي)، إلى الاستفادة مما يمكن أن تقدمه تركيا لتعزيز عوامل صموده في أوكرانيا، في إطار من تملكه تركيا من أوراق فعّالة.
  2. سينصبّ جهد الرئيس الإيراني على انتزاع ضمانات تركية بحماية مستعمرات حرسه الثوري في نبّل والزاهراء على مشارف تل رفعت، قد تصل إلى درجة حزام أمان موضوعي، يصل إلى مشارف مدرسة المشاة!.

في هكذا حرب عدوانية، في أهدافها وقواها، من الطبيعي أن يكون الخاسر الأوّل هو مقوّمات قيام حل سياسي، وطني، وهو أيضاً مقوّمات الدولة السورية الموحّدة، وهو، في نهاية المطاف، الكرد السوريين!

من المؤسف أنّ يكون الكرد هم الخاسر الأكبر، ليس فقط على صعيد المخاطر الكبيرة التي ستواجه مئات ألوف اللاجئين الذي احتموا في مناطق تل رفعت في أعقاب غزو عفرين، ولن يجدوا مَن يبالي بمصيرهم، طالما سيتركّز جهد قيادة قسد على تحويل هزائمها، وعجزها عن حماية حقوق ومصالح الكرد، إلى انتصارات، على الطريقة البعثيّة!.

إنّها المأساة السورية، بحلقاتها المستمرة، طوال عقود، والتي لن تنتهي إلّا بتوحُّد السوريين، كرداً وعرباً وجميع مكوّنات الشعب السوري، على هدف النضال المركزي؛ الانتقال السياسي، وبما يوجبه من فك روابط الارتهان بأجندات قوى الثورة المضادة، في قواها الإقليمية، وقيادتها الأمريكية؛ وهو ما يحتاج إلى نخب ثوريّة، خارج أُطر المعارضات المرتهنة!

السلام والعدالة لسوريا المنكوبة.


[1]– تحدّث السيناتور الأمريكي عن مقترح قدمه لتركيا من أجل تقريب وجهات النظر بين أنقرة والإدارة الذاتية، وهو ما عبّر عنه مقاله على موقع فوكس نيوز، أنه من الضروري أن نعترف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا، وأن ننشئ مناطق عازلة بين العناصر التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، وأن ندعم أولئك الذين ساعدونا في تدمير الخلافة، ونضمن عدم ظهور داعش مرة أخرى.

وفقاً للسيناتور: الحل الذي أرى أنه الأكثر قابلية للتطبيق هو معالجة مصالح الأمن القومي لتركيا مع تطوير علاقة تجارية في الوقت نفسه بين الحكومة التركية وسكان شمال شرق سورية، وهذا يتوافق مع المشروع السياسي الأمريكي والروسي لتأهيل سلطات الأمر الواقع، على حساب حل سياسي شامل!.

[2]– من جانبه، المحلل العسكري، المؤيّد لتركيا، عبد الجبّار العكيدي يعتقد أنّه لا توجد ميليشيات داخل تل رفعت، بعد استهداف مسيّرات تركية غرفة العمليات في مقرّ الأمن العسكري، وأنّ ما تقوم به قسد في هذا الإطار لا يتعدّى استعراضاً إعلامياً، في محاولة للاستقواء بالنظام، ورفع معنويات قوّاتها، على غرار ما حدث في عفرين 2018.

كما أشار العقيد العكيدي إلى تواجد كثيف للميليشيات الإيرانية في قرى محيطة بنبّل والزهراء، حيث أُقيمت قواعد عسكرية في ماير وكفرين ومثقال ودير شميل، قرب نبل والزهراء. وصولاً إلى مدرسة المشاة، الخط الفاصل مع قوات سوريا الديمقراطية، كما يعتقد.

[3]– ما أريد قوله، للذين لا يضعون السلوك العدواني التركي تجاه الجغرافيا السورية عموماً، والكرد، بشكل خاص، في سياق الصيرورة السياسية التفشيلية التي صنعتها مصالح وسياسات الولايات المتحدة، ونفّذتها بشراكة إيران وروسيا، إنكم تفتقدون لرؤية موضوعية شاملة، تكشف جميع جوانب مشهد الصراع، وتبيّن طبيعة أدوار قوى الثورة المضادة؛ بما يضلل الرأي العام السوري.

[4]– في ترتيبات صفقة لإنهاء معارك نبع السلام، وفي مذكرة تفاهم بين أردوغان وبوتين في قمّة سوتشي، 22 تشرين الأول 2019، تعهّدت روسيا، كما جاء في البند السادس، إخراج جميع الوحدات الكردية المسلّحة وأسلحتها من منبج، وتل رفعت غربي الفرات، اللتان تقعان على تخوم عفرين، وإدلب، أهم مواقع السيطرة التركية.

بالطبع، لم تقم روسيا بإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من تل رفعت ومنبج، بذريعة تراجع تركيا عن تعهدات مماثلة في إدلب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني