fbpx

دفاعاً عن العرب

1 308

يتعرض العرب في هذه اللحظة من تاريخهم إلى خطابات نافية لهم متعددة الأهداف، وإلى أنماط من السياسات العملية لترسيخ واقعهم الذي هو ثمرة شروط داخلية وخارجية باتت معروفة للجميع.

فالمثقفون الطائفيون في سوريا يتحدثون عن أن شعب سوريا وبلاد الشام سريان وما العرب إلا غزاة.

والأحزاب الطائفية الشيعية في العراق أتت على الهوية العربية لصالح هوية مذهبية وصارت تابعة لإيران.

وبعض متعصبي الكرد في سوريا يجعلون من المنطقة السورية في الشمال وشمال شرق ذات الأكثرية العربية كدير الزور والحسكة والرقة منطقة تاريخية للأكراد، والقبائل العربية طارئة واخترعوا اسماً كردياً سخيفاً لها هو: “روج آفا”.

وتسمع في الجزائر أصوات أمازيغية تدعو إلى عودة العرب، وهم الأكثرية من حيث أتوا. ناهيك بترهات الفرعونية وما شابه ذلك.

أنا لا أعرف تركيب الـ DNA في دمي ولا أريد أن أعرف هذه السخافة العرقية، وهب أني من أصول إيطالية تعود إلى عصر الرومان، ولكني انطلاقاً من مشيئتي الحرة في الانتماء، وتأكيداً لحبي لغتي العربية، وشعوراً بمسؤوليتي التي اخترتها بكامل إرادتي تجاه مسألة الحرية عربياً، أُعلن بأني عربي.

ولأني أنتمي إلى العرب، سواء كانوا أمة أو أقواماً، فإني رافض لواقع العرب المزري، وناقد لكل أشكال تخلفهم، ورافض لعالمهم السياسي المتأخر، ومتأفف من ذهنيتهم، ومستاء من طائفية تنمو في أحشائهم الآن. ولهذا كله فهم همي الأول.

لست متعصباً للعرب ضد أية قومية أو شعب، ولا أنظر للعرب بوصفهم عرقاً متفوقاً، ولا يحول انتمائي هذا دون انتمائي إلى أرقى ما أنجزته البشرية من علم ومعرفة وأفكار، بل إن تأخر العرب عن امتلاك ذهنية الحرية في التفكير والسلوك والمعرفة هو الذي يجعلني ناقداً لا يهادن واقع العرب، بل إن من شيمة المثقف الذي يجعل من هموم العالم همومه أن يظل حاضر النقد من أجل التجاوز.

فنقد واقع العرب ليس محموداً فحسب وإنما مطلوب وضروري.

وإن ظاهرة ذم العرب، سواء جاءت من أقليات قومية، أو من أحزاب طائفية، أو من جماعات حاكمة ليس سوى تعصب مرذول، وغباء عقلي وعاطفي. بل إن القدح والذم للعرب وتاريخهم، وإعلان الانتماء لأقوام بائدة يرجع تاريخها إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، واندمجت سكانياً وشكلت ما يطلق عليهم اليوم العرب، لهو تعبير عن الوهم الأسطوري ليس إلا.

ولا شك عندي في أن حالة كهذه هي حالة مرضية بامتياز. فهي تنتمي إلى مرض احتقار الذات لنفسها، بل هي أقرب إلى مرض اضطراب الشخصية الحدية. وهو نوع من الفصام، فالمثقف المسكين الذي يرفض الانتماء إلى هذا العالم القاسي المعيش، الذي هو بمعايير التقدم التاريخي العلمي الاجتماعي الثقافي متأخر، وينتابه شعور بالعجز والاضطهاد، لا يجد مخرجاً من شعوره بالنقص واحتقار الذات إلا التنكر لانتمائه المعاصر، والبحث في أقوام قديمة أنتجت الأبجدية وبنت الأهرام والحدائق المعلقة، معتقداً بأن في ذلك علاجاً وشفاءً.

وليس هذا فحسب، فإنه تأكيداً لانتمائه الجديد – القديم يشلح العرب القدماء من ثياب الحضارة، فلا يعترف بحضارة تدمر والأنباط واليمن ومكة والمدينة، ويدرجهم في عداد الأعراب الأجلاف الذي لم يعرفوا الحضارة والرقي والمدنية.

وكما يعاني المرضى الإسلاميون العنفيون من المرض نفسه ويذهبون إلى الماضي الإسلامي العريق حلاً لفصامهم، كما يذهب أولئك إلى الماضي العريق قبل الميلاد، وكل طرف من هؤلاء المثقفين المساكين يعلن ملكية الماضي له وحده.

كما أن خطاب بعض الشوفينيين الأكراد ضد العرب الذي يلغي العيش المشترك قديماً وحديثاً لن ينجب إلى صراعات زائفة.

يقود هذا الوعي المأزقي الذي لا خروج منه، إلى الهوية الزائفة، فلا الفينيقي يمكنه أن يعود إلى الحياة، ولا الفرعون سيستيقظ غداً ليبني هرماً جديداً، ولا الفاتح العربي سيعيد مجد بني أمية، ولا الكردي الذي ينسب نفسه للسومريين سيعيد أمجاد الحضارة البائدة.

أيها الهاربون من واقعكم المعيش إلى ماض مات: العرب في عالم جديد ومشكلات جديدة ومستقبل مرتبط بمستقبل العالم، العرب أيها الفصاميون يحتاجون إلى تفكير بالنهوض العلمي، المعرفي السياسي والأخلاقي وإلى عمل دؤوب من أجل الإنسان ومكانته في عالمه، وهذا لن يتم إلا بعقل تجديدي.

العرب يحتاجون إلى مثقف يكتشف عن الإمكانات التي ينطوي عليها عالمهم، وليس إلى الحديث عن المستحيلات الغافية في الماضي.

هب أن السوريين واللبنانيين أعلنوا بقرار يصدر عن أصحاب الحكم بأنهم فينيقيون، فهل سيخرجون من الاستبداد والاحتلال ويحققون السلم والأمن؟ وهب أن جميع المصريين استفتوا على مشروع بأن مصر هي فرعونية ولا علاقة لها بالعرب، فماذا يعني هذا لملايين الفقراء وللتنمية؟ وهل ستحل الجنسية الجديدة الفرعونية مشكلات الاقتصاد والسياسة، هب أن المتعصبين القوميين من أكراد وسواهم غيروا كل اسماء المدن والقرى في الجزيرة والرقة ودير الزور هل ستتغير البنية السكانية للمنطقة.

يبدو أن أبطال المسخرة السعداء في أسِرَتِهم القديمة ليس باستطاعتهم المشي على الأرض، الأرض التي تعلن دائماً أن الحياة هنا والآن وغداً.

الحل لمشكلات المنطقة لا يكون بهذا الوعي المتخلف، بل في قيام الدول الديمقراطية العلمانية التي تحافظ على الحق والحرية والمساواة والإنصاف، والتعبير عن ثقافة جميع القوميات والجماعات، والحفاظ على لغتها.

وإن بعث الماضي البائد لإنتاج العصبية القومية والدينية ليس سوى الطريق الأمثل للدمار والموت.

ليس المقال في باب المظلومية ولا الظالمية بل في باب رفض جلد الذات وتغول جيوش الاحتلال، بل ضد النكوصية والتطهرية التي تأتي على حضارة ثقافة وحضارة ولغة وعمران ساهمت في المدنية والعمران والحضارة الإنسانية كلها.

1 تعليق
  1. علي الذرحاني says

    أولا لي بعض الملاحظات على هذا المقال والمنشور المدهش الذي نذر صاحبه نفسه للدفاع عن العرب وملاحظاتي هنا على هامش هذا المقال الدفاعي قد تكون مختلفة بعض الشى عن طرح الاستاذ والمفكر القدير البرقاوي فحسب منطق القران الكريم كلام الله الحكيم الخبير فانه يشير الى معنى العرب والعربي ليس له علاقة بالقومية الشوفينية العربية المعروفة لدى الجميع لامن بعيد ولا من قريب بل يشير الى معنى آخر له علاقة باللسان والثقافة والفكر(لسان عربي غير ذي عوج)
    (لسان عربي مبين) وغالبا مايذكر ويقارن مع لسان اعجمي غير فصيح والإعراب هو الإفصاح من الفصاحة والبلاغة والبيان في اللسان واللغة..
    وثانيا حقب التاريخ موصولة وليست مقطوعة الزمن اتصالي وليس انفصالي الزمن الحاضر يبدأ تقدمه الحضاري من حيث انتهى الزمن الذي قبله ثم يسيرفي خط مستقيم افقي في تقدمه وتطوره من الزمن الحاضر الى استشراف زمن المستقبل في حلقة متصلة لانقطاع فيهابين الماضي والحاضر والمستقبل لان تجارب البشرية تراكمية تكاملية ولا توجد امة تنطلق من الصفر والدليل ان الغرب المتطور والمتحضر انطلق في تقدمه متواصلا باعادة امجاد ماضيه الحضاري اليوناني والروماني واستفاد من الحضارة الاسلامية في القرون الوسطى ومن حضارات الشرق مستشرفا المستقبل بثقة واقتدار غيرمنطلق من الصفر وحركة قوة وضعف أي امة واي مجتمع وشعب عبر سير حقب التاريخ التواصلية ترواح بين ازدهار وقوة وبين اندحار وتخلف وضعف وهذا منطق التاريخ على غرار ومنوال تعاقب المتضادات كاليسر الذي يتبع العسر او العكس الفرج يأتي مع الكرب وهكذا والحاضر يصبح ماضي والمستقبل يصبح حاضرا

    اما عن العرقيات الاثنية التي بدأت تمحو اوتطمس الاثر العربي حسب مقال الاستاذ البرقاوي فلا خوف من ذلك لان التفاعل بين الاكثرية العربية.والاقلية الطائفية العرقية شي طبيعي يحصل داخل مجتمع ديناميكي يقوم علي صراع المصالح والوجود يؤجج هذ الصراع اطراف خارحية لها اهداف معينة ومغرضة لاتريد تقدم هذا الشعب العربي الذي يذكر بانتصاراته القديمة ايام الحروب الصليبية للاستيلاء على بلدان الشرق باسم الدين وايام الفتوحات الاسلامية شرقا وغربا في القرون الوسطى الظلامية في اوروبا فهؤلاء الغرب لايريدون ان تقوم قائمة للعرب حضارة مرة اخرى حتى لايقوموا بفتوحات جديدة لاوروبا على غرار الفتوحات القديمة التي يسميها الغرب غزو الشرق العربي الاسلامي للغرب النصراني وقد قالها الرئيس الامريكي بوش الابن عندما غزى العراق واشار في كلامه الى ذكر الحروب الصليبية

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني