fbpx

قصف مطار دمشق وإخراجه من الخدمة.. انهيار للتفاهمات الروسية – الإسرائيلية في سورية

0 1٬735

كان الحضور الروسي في المشهد السوري سابقاً بسنوات لتدخله العسكري المباشر، وكان التواصل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قائماً على قدم وساق، وليس بعيداً عنا الدور الروسي بعد قصف النظام السوري للغوطة الشرقية بالأسلحة الكيماوية في آب 2013 (وتفادي ضربة أمريكية للنظام السوري كادت تودي به لو حصلت)، حيث توصلت الدبلوماسية الروسية للحل المعروف الذي كان يخدم الأهداف الإسرائيلية بإبقاء النظام السوري في سدة الحكم، بعد نزع أسنانه الكيماوية التي قد تهدد يوماً دولة الاحتلال.

وتم الاتفاق المعروف الذي قاد بعد ذلك لقرار مجلس الأمن 2118، وبعد التدخل العسكري الروسي المباشر خريف 2015، وإحكام سيطرة القوات الروسية على منظومة الدفاع الجوي التي يمتلكها النظام، كانت التفاهمات الروسية – الإسرائيلية بنوعية وحجم القصف الجوي الإسرائيلي تتم بالتنسيق الكامل والمسبق مع قاعدة حميميم التي كانت تأخذ علماً بمكان وزمان الضربات.

وكان الشرط الروسي أمام الطيران الإسرائيلي هو عدم استهداف قواعد ونقاط تمركز قوات النظام السوري إضافة إلى مطار دمشق الدولي الذي يمثل الرئة التي يتنفس منها نظام دمشق.

تمكنت روسيا من إدارة وسائط القوة بين الاحتلالين الإسرائيلي والإيراني فوق الأرض السورية بحيث رضخ الطرفان لقواعد الاشتباك التي فرضتها حميميم وسارت الأمور على هذا المنوال.

كانت العلاقة الحميمة التي ربطت بين بنيامين نتنياهو وروسيا، سبباً كافياً لغض الطرف روسي عن تجاوز الجيش الإسرائيلي لضرباته المتفق عليها، ولم يلق الروس بالاً لكل التذمر والشكوى الإيرانية حيال ذلك.

خاب أمل كل من راهن على أن التدخل الروسي العسكري في سورية سوف يحدّ من مدى انتشار الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني (كماً ونوعاً)، وأيقن الجميع أن التفاهمات الإيرانية – الروسية في سورية قد ترقى لدرجة التحالف، فكل الإنجازات العسكرية التي حققها تحالف الشر الثلاثي في سورية ما كانت لتتم لولا التواجد الكثيف للميليشيا ذات التابعية الإيرانية على الأرض.

وقد أثبت الفشل الروسي (المتعمد أو بسبب نقص القوات الارضية) بمنع تمدد الميليشيات ذات التابعية الإيرانية إلى الجنوب السوري بعد تعهده بذلك في اتفاق 2018 الذي أتاح وقف الدعم عن فصائل الجيش الحر المتبقية في المنطقة وانتشار قوات النظام والاحتلال الروسي في المنطقة، فقد ازداد الانتشار الميليشياوي كماً ونوعاً وبات رجال إيران على تخوم الجولان وحدود الأردن.

استراتيجية قص العشب التي طبقتها إسرائيل خلال السنوات المنصرمة (والتي أثبتت فشلها باعتراف الإسرائيليين أنفسهم)، لم يكتب لها النجاح في الحد من النفوذ العسكري الإيراني ولكنها كانت تستهدف منشآت بعينها (ومنها يتم قصفها دورياً) المتخصصة بإنتاج الأسلحة الكيماوية أو قواعد تجميع الصواريخ والطائرات المسيرة، وأحيانا كثيرة، الشحنات القادمة من إيران بهدف وصولها لحزب الله في لبنان سواء كانت متحركة أو في أماكن تخزينها.

كانت الطرق الرئيسية التي يستعملها الحرس الثوري لإيصال الأسلحة أو مستلزمات تجميعها داخل سورية، هي عبر معبر البوكمال البري ومطار دمشق الدولي، وبمرات ليست كثيرة عبر البحر وصولاً إلى ميناء اللاذقية الذي تعرض للقصف العام الماضي مرتين خلال ثلاثة أسابيع، وتدمير حاويات على أرصفة الميناء، ويبدو أن اتصالات روسية – إسرائيلية أسفرت عن تفاهم بمنع استهداف الميناء مرة أخرى مقابل سيطرة روسية عليه والتعهد بمنع استخدامه مجدداً لأغراض تهريب الأسلحة إلى سورية.

كانت الشكوى الإسرائيلية المتكررة عن نشاط طيران الحرس الثوري الإيراني (قشم) بالقيام برحلات منتظمة قد تصل إلى ثلاث رحلات أسبوعياً تقوم خلالها طائرات شحن بإفراغ حمولاتها دون تمكن الطيران الإسرائيلي من استهداف الطائرات أو المدرج الوحيد الصالح للعمل، ولا برج المراقبة والتجهيزات الفنية التي تؤمن استمرار العمل في المطار، وذلك كخط أحمر روسي وضع أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد راعت إسرائيل تلك الرغبة الروسية وامتنعت عن استهداف المطار.

توتر العلاقات الروسية الإسرائيلية

حاولت دولة الاحتلال الإسرائيلي لعب دور الحياد حيال النزاع العسكري القائم بين روسيا والناتو في أوكرانيا، وتبادل المسؤولون الأدوار، فكان رئيس الوزراء يعطي تصريحات إيجابية تطمئن موسكو فيما كانت وزارة الخارجية أكثر وضوحا بالميل إلى موقف الناتو.

باستمرار الحرب في أوكرانيا بدا الخلاف الروسي – الإسرائيلي أكبر من أن يحجب بغربال، كان التعبير عن ذلك بحرب السرديات التاريخية التي دارت رحاها بين الطرفين، وبدأ الخلاف بينهما يلقي بظلاله على المشهد السوري نتيجة حدثين هامين:

  • كانت الولايات المتحدة تضع نوعاً من القيود على الضربات الإسرائيلية ضد القواعد والمصالح الإيرانية في الإقليم بشكل خاص ومنها سورية، وذلك لعدم تعكير المفاوضات التي كانت جارية طوال العام المنصرم على أمل عدم تعكير أجواء التوصل للاتفاق النووي، وكان الحنق الإسرائيلي ظاهراً للعيان ويخترق تلك القيود الأمريكية أحياناً.

بعد الموت السريري للاتفاق النووي وإجراء واشنطن وتل أبيب لأضخم مناورات تحاكي ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، يبدو أن الحرب الرمادية أو المعركة بين الحروب الدائرة بين إيران وإسرائيل قد أصبحت معلنة ونرى نتائجها بالضربات الإسرائيلية للعاصمة طهران سواء سيبرانياً أم سلسلة اغتيال العلماء المستمرة، واستهداف مراكز أبحاث تطوير الصواريخ البالستية والطيران المسيّر، ولم تعد إسرائيل مقيدة باستهداف أي قاعدة إيرانية في سورية تسبب قلقاً لها.

  • يبدو أن الاتحاد الروسي لم يعد بمقدوره ضبط قواعد الاشتباك على المساحة السورية كما في السابق، إذ إن الاستنزاف العسكري والسياسي قد أخذ مأخذه من القيادة الروسية، إضافة لسوء العلاقة مع إسرائيل، حيث حاول الروس إعادة ضبط المشهد عبر تسيير دوريات جوية مشتركة مع طيران النظام السوري على حدود الجولان، وتشغيل منظومة الـ S300 (لأول مرة) أثناء الغارة الجوية الطويلة على منشآت عسكرية في مصياف السورية، حتى إن غواصة روسية موجودة في الساحل السوري أطلقت صاروخاً تحذيرياً على الطائرات الإسرائيلية المغادرة التي نفذت الهجوم على مصياف.

شكل ذلك احتقاناً كبيراً، وأحدث شرخاً في التفاهمات بين الجانبين على الأراضي السورية، الذي هو نتيجة حتمية للافتراق السياسي الذي سببته الحرب في أوكرانيا بين البلدين.

إن إخراج مطار دمشق الدولي من الخدمة، وبالتالي تعطيل وصول طائرات الحرس الثوري المحملة بالأسلحة إليه، ستلحق أضراراً كبيرة بالنظام السوري نتيجة فقدانه لأهم مرفق خدمي يتيح اتصاله بالخارج.

كانت الضربة الإسرائيلية متوقعة من قبل النظام السوري والميليشيا التابعة للحرس الثوري، فقد أعاد الحياة لمطار حلب الدولي منذ شهر.

يمكننا اعتبار تلك الضربة الإسرائيلية للمطار بمثابة دفن للتفاهمات الروسية – الإسرائيلية في سورية، وإعلاناً إسرائيلياً عن معركة مفتوحة على الميليشيات الإيرانية هناك.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني