fbpx

الفيلسوف العالمي الدكتور طيب تيزيني

0 389

عندما نتحدث عن محاولة تجسيد النظرة الكلية للإنسان والمجتمع والكون ومنظومة ثقافة التطور البشري الشامل للروح والنفس والجسد ومن ثم العقل الناظم لكل ما سبق؛ يتبادر إلى الذهن أوراق التنوير التي كتبها البرفسور الطيب تيزيني، حيث يعتبر الدكتور تيزيني صرحاً من صروح الفكر العربي بل العالمي الحديث… تم اختيار تيزيني عام 1998 واحداً من أهم مئة فيلسوف عالمي، بحسب مؤسسة كونكورديا الفلسفية الأوروبية.

– من الصعب تناول شخصية عظيمة وثرية بإنتاجها الفلسفي والمعرفي في حيز ضيق ومحدود من الأسطر؛ لذلك من غير الممكن الإضاءة الكاملة على هكذا شخصيه، سأكتفي بالتلميح لأهم ما يميز الدكتور طيب تيزيني كفيلسوف عربي سوري وعالمي.

نشأته ودراسته:

الدكتور طيب تيزيني (مواليد حمص 1934 بحي باب الدريب، في بيئة إسلامية محافظة، كان منزل والده فيها بمثابة مضافة أو ملتقى للشيوخ ورجال الدين الإسلامي ورجال دين من الطوائف الأخرى. فتفتح وعيه على تقبل الاختلاف وتعددية الآراء بتعدد المشارب الفكرية، “سمعت منه ذلك بلقاء خاص.”)*، بعد أن أنهى دراسته الأولية انتقل إلى دمشق لدراسة الفلسفة في جامعتها، ثم إلى تركيا ومنها إلى بريطانيا، ثم إلى ألمانيا لينهي دراسة الفلسـفة فيها، ويحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1967 أولاً، والدكتوراه في العلوم الفلسفية ثانياً منذ عام 1973، وعين أستاذاً مدرساً في جامعة دمشق وشغل وظيفة أستاذ في الفلسفة حتى وفاته.

بعد عودته من أوروبا استقر الدكتور تيزيني بمشروع دمر بدمشق ليمارس عمله أستاذاً في جامعة دمشق، وكل من تتلمذ على يديه بالجامعة يحتفظ بذاكرته بصورة لأستاذ الجامعة البسيط المتواضع، بشعره الأبيض وقامته النحيلة وصوته الرصين وحقيبته الجلدية العتيقة، يركب معهم باص النقل الداخلي في القر والحر، ويمسك بالأنشوطة المتدلية من سقف الباص والمخصصة للركاب الواقفين، لحمايتهم من السقوط عند المنعطفات، كان بتواضعه الشديد مثار إعجاب طلابه.

ومن الجدير ذكره هنا أنه مفكر سوري، من أنصار الفكر القومي مسلحاً بالنظرية الماركسية، يعتمد على الجدلية التاريخية في مشروعه الفلسفي لإعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى وقتنا الحاضر، وأعتقد يستحق منا بعض الإضاءات التي لابدّ منها على شخصيته:

في عام 1997، عندما كان قسم الفلسفة بجامعة دمشق برئاسة المرحوم الدكتور صادق جلال العظم، يستضيف كبار المفكرين العرب للتحاور والمناظرة، أعلن عن مناظرة بين الشيخ المرحوم سعيد رمضان البوطي وأستاذ الفلسفة الطيب تيزيني صاحب الأفكار اليسارية، لكن المناظرة ألغيت؛ لأن آلافاً من مريدي الشيخ البوطي تدفقوا إلى الجامعة واحتلوا قاعة المناظرة والأروقة وحديقة الجامعة، ومنعوا الدكتور الطيب تيزيني من الدخول، في تلك اللحظة استشعر طيب تيزيني خطر ما يمور في العمق السوري المستور، ويذكر أن رئيس الوزراء آنذاك اتصل به معتذراً عن «تعاظم القوى الظلامية على قوى التنوير، وأن الأمر سيختلف لاحقاً» وقد أجابه: «شكراً، وأكد على أن يتم الأمر بروح من الحرية والديمقراطية».

عام 2000 توقع ونبّه لاحتمال حدوث «انفجار طائفي في سوريا» وله مسوغاته لكن من دون أن يعني هذا «أنّ الشعب السوري طائفي».

عام 2011، وقف الأستاذ والفيلسوف الدكتور الطيب تيزيني إلى جانب الشعب السوري الذي كان يطالب بالإصلاحات الاقتصادية وإطلاق سراح المعتقلين، قبل مطالبة المتظاهرين بإسقاط النظام.

من أقواله: «كانت المظاهرات تسعى إلى إعادة البناء من داخل البناء نفسه وعبر الجميع إن أمكن، خرجوا باسم مشاريع طُرِحت سابقاً ولم يُستجب لها، أتت المفاجأة بظهور السلاح»، واشتعال حرب لم تبقِ حجراً على حجر في سوريا.

نشط د. تيزيني في مجال حقوق الإنسان عندما ظن السوريون أن سوريا قادمة على التغيير بداية عهد الرئيس بشار الأسد، وجرى انتخاب التزيني عام 2001 عضواً في لجنة الدفاع عن الحريات في الوطن العربي، وساهم منذ عام 2004 بتأسيس «المنظمة السورية لحقوق الإنسان» (سواسية) وشغل منصب عضو مجلس إدارة.

أول من دعا لضرورات تفكيك الدولة الأمنية.

رفض الجنسية الألمانية مرتين الأولى أثناء وجوده كطالب دراسات عليا وحصوله الدكتوراه، والثانية بعد أحداث 2011م.

مع انطلاق شرارة الاحتجاجات في سوريا، شارك في اعتصام صغير مع نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام أمام مبنى وزارة الداخلية في دمشق، حيث قامت قوات الأمن بتفريق المظاهرة واعتقال المشاركين، وقد تعرض الدكتور تيزيني إلى الضرب المبرح فبالإضافة للجرح النفسي حصلت له جروح جسدية من قبل البلطجية والشبيحه.

قدم مداخلة جريئة ومعبرة في اللقاء التشاوري للحوار الوطني في دمشق الذي عقد في (10 تموز/يوليو 2011) بعد فترة قصيرة من اندلاع الاحتجاجات بإشراف فاروق الشرع وزير الخارجية، دعا فيها إلى “تحريم الرصاص”، موضحاً أن “هناك مقومات كان يجب أن يبدأ بها الاجتماع، وحتى الآن يلعلع الرصاص في حمص وحماة… كنت أتمنى أن يتوقف هذا أولاً، كان هذا ضرورياً”. وطالب بـ “عملية تفكيك الدولة الأمنية”. وأضاف: “كان يجب إخراج السجناء الذين بقوا سنوات في السجن وهم بالآلاف، كان هذا أجمل هدية للشعب والمؤتمر”. كما أشار إلى أن أهمية جلسة الحوار هذه لا تكمن إلا في تأسيس مشروع ديمقراطي مدني سوري، معتبراً أن جلسة الحوار، من دون ذلك، لا تمثل سوى محاولة من النظام “للاستمرار في الهيمنة على السلطة”.

طرح د. تيزيني أهم العوائق الفكرية لمشروع النهضة، والهدف من ذلك هو العمل على تجنب هذه العوائق والاستفادة من الماضي وهي:

  • الأصولية والإسلام السياسي، الذي يعتبر نفسه بل يعتقد باحتكار الحقيقة، ويعمل لإنشاء الدولة الدينية، ويعتبر الدكتور التيزيني بأن هذا هو الوجه الآخر للإمبريالية.
  • التطورية الإلحادية (التخلي عن المشروع النهضوي ومحاولة اللحاق بالعولمة، نهاية التاريخ).
  • البنيوية الوظيفية، (التوفيقية، أي المزاوجة بين تصور معين “أيديولوجيا” عن الذات وبين ما يتصور على أنه فكر غربي يوناني ذو نسيج فلسفي معرفي).
  • البنيوية التفكيكية وما بعد الحداثة، (مفهوم القطيعة الإبيستيمولوجية الذي يحصد ثمار إقصاء مفهوم الاتصال التاريخي).

عالج الدكتور تيزيني الشروط اللازم توفرها لتحقيق النهضة، فأحد هذه الشروط، من وجهة نظره، ظهور إنتاج فلسفي عربي جديد، وقد طرح رؤيته بعنوان “آفاق فلسفية عربية معاصرة “، يرتبط تماسك فكره مع الموقف النقدي من الواقع في مواجهة مشكلاته.

يؤكد على: في هذه المرحلة تبرز قضايا أساسية ثلاث:

أولاً: مواجهة فكر العولمة الذي يهدد بتفكيك الهوية العربية وبالتالي إجهاض أي احتمالات للنهضة. ثانياً: مواجهة الفكر العربي الذي يتسم بنظرة سلبية بنيوية تجاه “العقل العربي” بما يهدد أيضاً بإجهاض مشروع النهضة نتيجة لإفراغها من خصوصيتها الذاتية.

ثالثاً: مواجهة المشكلات الواقعية المجتمعية التي تهدد من زاوية ثالثة مشروع النهضة.

وقد عبر عن هذه النظرة الثلاثية للمشكلات التي تهدد مشروع النهضة، بعدة أبحاث وأعمال ومجالات أهمها:

  1. نشر عدد من البحوث والدراسات حول قضايا الفكر العربي والعالمي.
  2. شارك في العديد من المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية والعالمية وعرض رؤيته.
  3. أشرف على الكثير من طلاب الدراسات العليا السوريين والعرب والأجانب قدموا رسائلهم حول هذا الموضوع.
  4. وتركزت رؤيته بمشاركته وعرض أفكاره بورشة عمل خاصة به نظمتها الجمعية الفلسفية المصرية والمعهد السويدي بالإسكندرية يومي 19-20 ديسمبر 2006 في الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، وكان هذا اللقاء لمناقشة أعمال الدكتور تيزيني من قبل مجموعة من الفلاسفة والمفكرين والباحثين العرب والأجانب في إطار المشاركة في حوار الأجيال.

لذكرى الطيب تيزيني الأهمية ولروحه الهدوء والسلام.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني