fbpx

سقوط بغداد.. كارثة العرب الكبرى.. الأسباب والغايات

0 560

شكل سقوط بغداد مرتين عبر التاريخ، زلزالاً استراتيجياً للأمة العربية.

كان سقوطها الأول عبر اجتياح المغول بقيادة هولاكو، وتدميرها وقتل سكانها وإغراق حضارتها في نهر دجلة.

وبعد حوالي ألف عام، سقطت بغداد بفعل الحرب الأمريكية ووقعت شكلياً تحت الاحتلال الأمريكي وفعلياً تحت الاحتلال الإيراني.

أسباب الغزو الأمريكي للعراق

خرجت الولايات المتحدة مزهوة بانتصارها بالحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي، وتفردت بالجلوس على عرش النظام الدولي، وكرست ذلك بحرب تحرير الكويت فباتت القوة العظمى الوحيدة على سطح الكوكب.

لم تدم تلك النشوة أكثر من عقد من الزمن، إذ تعرضت هيبتها لأذى شديد، ولم يمنع امتلاكها لأعظم قوة عسكرية عبر التاريخ من النيل من عظمتها وكبريائها عبر ضربات تنظيم القاعدة لعمقها في الحادي عشر من أيلول 2001، لقد تم تمريغ جبينها بالتراب.

كانت الصدمة الأمريكية مذهلة، وبعد أن تم امتصاصها، انفجر مارد الانتقام الأمريكي الذي لا حدود له، ولن يعود هذا المارد إلى القمقم قبل أن يحطم دولتين إسلاميتين (أفغانستان والعراق).

كانت ضربات 11 أيلول بيرل هاربر جديد، من نفذه كان يقصد استثارة الانتقام الأمريكي وهمجيته التي توجها بإلقاء قنبلتي هيروشيما وناغازاكي.

بعد سقوط كابل بيد الإخوة الأعداء، تقاتلا فيها طويلاً، إلى أن أنهكوا بعضهم، فقفزت إلى السلطة حركة طالبان وبقي تنظيم القاعدة أو الأفغان العرب مقيماً عندها وبحمايتها.

كان الأفغان العرب أو القاعدة رأس الرمح في هزيمة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وتصوروا أنهم بفعل انتصارهم، قد خلقوا الشروط المنطقية لتداعي الإمبراطورية الشيوعية، ولم يخطر ببالهم أنهم كانوا أدوات غربية وعربية وأمريكية، ليس أكثر، وأنهم لولا الدعم الأمريكي لما استطاعوا تحرير قرية من أيدي السوفييت.

قالوا في أنفسهم: ما دمنا استطعنا إسقاط الإمبراطورية السوفييتية العظمى، لم لا نعيد الكرة بإسقاط القوة العظمى الأمريكية؟ وإسقاطها لا يعني بالضرورة أكثر من انكفائها للداخل الأمريكي والكف عن إقامة الأحلاف الدولية والتدخل بكل تفاصيل المشهد الدولي.

وحدثت الضربة.. وأظن أن العقل السياسي الأمريكي الباطن لا زال يعتقد أن من نفذ وخطط بوحي فكر وأمير، هم كلهم سعوديون، ومن يومها لحد الآن تغيرت العلاقة السعودية – الأمريكية إلى أن وصلت إلى الحضيض، وسقطت ورقة التوت التي تغطيها بفعل تباين الرؤى والمواقف من الحرب الروسية على أوكرانيا، التي لا تزيد عن كونها تعبير لعمق الأزمة بين البلدين.

بدأت الدولة العميقة الأمريكية تسأل نفسها، من يجرؤ بعد الآن على استهداف الولايات المتحدة نفسها أو مصالحها في الخارج؟.

استقر الرأي والقرار على أن العراق هو المكان الذي يمكن أن يأتي منه ذلك الخطر.

العراق الجريح الذي تم تدمير معظم قواه (العسكرية والمدنية) بفعل حرب تحرير الكويت وما تلاها من حصار أممي وضربات جوية استمرت لأكثر من عقد.

لا شك أن جزءاً من الفارين من أفغانستان التجأ إلى دول محور الشر كما تسميهما الأدبيات السياسية الأمريكية وهما إيران والعراق.

بدأت الماكينة الأمريكية التحضير لغزو العراق بعد أقل من عامين على احتلال أفغانستان، وبدأت بشيطنة النظام العراقي وتخويف الرأي العام الأمريكي منه.

فقد تمكن الضخ الإعلامي من الربط بين نظام الرئيس صدام وهجمات الحادي عشر من أيلول، وترسخ هذا الربط بالوجدان الشعبي الأمريكي عبر استفتاءات رأي أجريت عدداً من المرات.

كان لابد من اختراع أسباب ظاهرة للغزو، وتمت مسرحيات فرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل (كيميائية وبيولوجية ونووية)، وكانت تقارير كل فرق التفتيش الدولية تؤكد عدم امتلاك العراق لأي منها، وكانت قمة المهزلة قارورة كولن باول التي عرضها في مجلس الأمن وأمام العالم أجمع، وادعى حينها أنها الدليل على مشاريع إنتاج أسلحة تدمير شامل تهدد البشرية بالفناء، وحصل الغزو..

الأهداف الاستراتيجية للغزو الأمريكي

اعتقدت الولايات المتحدة أن أمنها القومي، الذي يشكل العراق مكمن الخطر فيه يتجلى بتحقيق أحد الهدفين التاليين:

  1. إزالة نظام ديكتاتوري من المنطقة (يصنف وفق المعايير الأمريكية كنظام مارق) في دولة مهمة كالعراق وإنشاء بديل ديمقراطي مكانه، ويمكن في حال نجاحه تعميم التجربة ونقلها إلى الدول المارقة الأخرى كسوريا وإيران، وحتى كل الأنظمة غير الديمقراطية في المنطقة (سواء كانت وراثية أو غير ذلك)، إذ أن نشر الثقافة الديمقراطية سيعزز الحد من انتشار وجاذبية الأفكار الدينية المتطرفة، التي يؤمن معتنقوها أن دعم أمريكا لحلفائها المستبدين هو سبب بقاء الاستبداد في المنطقة، ويمكن أن تكون الولايات المتحدة اعتقدت أنها بفعل الفوضى الخلاقة التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية غونداليزا رايس، أن تؤدي إلى تحول ديمقراطي يشبه التحول الديمقراطي الذي نشأ في دول أوربة الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبالتالي كل الأنظمة الديمقراطية ستكون حليفاً موضوعياً لأمريكا والغرب عموماً.
  2. ويمكن أيضاً في حال فشل تحقق الاحتمال الأول، أن يؤدي فراغ القوة الناشئ وعدم تمكن المجتمعات الضعيفة من الدخول في مسار التحول الديمقراطي لعدم وجود أرض خصبة لهكذا تحولات، أن تملأ إيران ذلك الفراغ بعد تحطيم أهم عدوين لها في شرقها وغربها، عبر أذرعها الشيعية الجهادية (المنضبطة بقيادات مركزية) والمتوثبة على الحدود لتجسيد مشروع ولاية الفقيه وهلاله (أو بدره) الشيعي، وبالتالي سيكون هو العدو النوعي للجهاد السني الذي ضرب عمق الولايات المتحدة وتخشى أن يضرب مرة أخرى.

حدث الاحتمال الثاني للأسف، وتمددت إيران ومشروعها في أربع دول عربية بالإضافة إلى غزة، وهُزم الجهاد السني شر هزيمة بعد إسقاط خلافة داعش في الباغوز.

قتلت الولايات المتحدة قمر إيران الإقليمي وصاحب مشروع الهلال الشيعي مطلع عام 2020، في إشارة منها إلى أن هذا الهلال سيكون مصيره مصير صاحبه في المستقبل القريب بعد أن أدى كل أغراضه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني