fbpx

بمناسبة اليوم الدولي للضمير

0 113

عالم مضطرب، يمور بالنزاعات، وعنف يزداد باضطراد مع بداية العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين، وبعد سبعة وسبعين عاماً على إنشاء هيئة الأمم المتحدة التي اتفقت جميع الدول الأعضاء فيها على إشاعة روح التفاهم والتسامح والصداقة والإخاء لإحلال السلام والأمان في أرجاء المعمورة، وإقامة علاقات سلمية، وودية على أساس احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً دونما تفرقة أو تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة أو الاثنية أو الوضع الاجتماعي.. حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 329/63 في 25 تموز/يوليو 2019 يوم 5 نيسان/أبريل يوماً دولياً للضمير؛ لتعزيز التفاهم والتسامح والسلام والتضامن بين الشعوب من أجل عالم قوامه السلام والوئام، وجعله استراتيجية عالمية راسخة في عقول الأجيال وأفئدتها بعيداً عن النزاعات التي تسبب الدمار، وإزهاق الأرواح، والويلات.

جاء هذا اليوم تحقيقاً واستجابة لما دعت إليه الجمعية العامة في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أنها تسعى لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب، والدعوة إلى التحول نحو ثقافة التسامح والإخاء والسلام على أسس ومبادئ الحرية والعدالة والديموقراطية، وحل المشاكل، ومنع نشوب النزاعات عن طريق الحوار والتفاوض، وإنماء سبل التفاهم والمشاركة بين الدول والشعوب للمساعدة في عملية التنمية في المجتمعات البشرية.

ولتعزيز ثقافة المحبة والسلام مع إيقاظ الضمير الإنساني فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة سعت جاهدة لتضييق فجوة الأعمال العدائية التي آذت الضمير الإنساني بين الشعوب، وسببت الكثير من المآسي جراء الحروب الدائرة بين الدول، وفي الحربين العالميتين اللتين خلّفتا المزيد من الضحايا والآثار السلبية السيئة، ونمّت العداء بين الأمم، لهذا جهدت إلى إزالة الحواجز بينها، ودعت إلى انبثاق عالم جديد يتمتع فيه الأفراد بحرية التعبير والرأي والمعتقد، والتحرر من الخوف والفاقة، وسعت إلى تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتناسي ويلات الحرب، فشكلت لجنة لصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت مادته الأولى على حقيقة صريحة “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”، ومن منطلق هذه المادة دعت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية، ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني في الدول كافة إلى بناء ثقافة السلام والمحبة والضمير الحي المبنية على مفهوم التسامح والإخاء الذي يتعزز بالحفاظ على قيم الحق والعدالة والتفاهم ونبذ النزاعات، وإتاحة هذه الثقافة عن طريق التربية والتوعية الهادفة لإنماء الضمائر، وشحنها بروح التسامح لبناء ثقافة للسلام تترسخ في عقول وأذهان الناس، وأفئدة الأجيال.

إنها عملية توعوية وتربوية، تشاركية إيجابية مرتبطة بتحقيق الديموقراطية والعدالة والتنمية، وبما يكفل احترام الاختلافات، وتشجيع الحوار بين الشعوب كافة لتضييق فجوة الاختلاف فيما بينها، والبحث عن سبل ووسائل جديدة للتعاون؛ لتصبح ثقافة السلام قيماً ومواقف وتقاليد وأساليب حياة تتجسّد سلوكاً معبراً عن طموح الشعوب إلى العيش الكريم، واحترام حقوق البشرية في الحياة والحرية، ورفض جميع أشكال التعصب والعنف، والاعتراف بالحقوق المتساوية للبشر جميعاً بعيداً عن التمييز فيما بينهم بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو الدين أو اللغة، والاعتراف لكل فرد بحقه في الحياة وحرية التعبير عن ذاته.

وإيماناً من الأمم المتحدة بهذه الحقوق للناس جميعاً، ولأهمية التربية والتعليم والثقافة أنشأت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي اضطلعت بهذا الدور الكبير في نشر ثقافة السلام واللاعنف عن طريق مشاريع عملية التنمية التربوية لتثقيف الشباب بالتعاون مع المؤسسات الحكومية الوطنية، والمنظمات الدولية والإقليمية، ومؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام لتحقيق أهدافها في بناء أجيال محبة للسلام، ومعززة بروح الإخاء والتسامح، وكارهة للعنف وآثامه، ولإثارة أسبابه حماية للبشرية من آثاره المدمرة لروح الإنسان، والمجففة لمفهوم الإنسانية.

آهٍ.. أيّها الضمير! تجهّزت، بحثت عنك في القصور الشامخة ومكاتب الملوك والأمراء، وفي حوانيت شهابر التجار، وعند نصب المشاهير، وفي تكايا المفتين فلم ينبئونني. أين ذهبت؟ وفي أي مكان أجدك؟ تجوّلت في مقابر العظماء وعلية القوم والمتنفذين فلم أرك، فتّشت عنك في الشوارع والأزقة فما اهتديت إليك. قادتني قدماي إلى رياض الأطفال، سألتهم عنك.. أشاروا إلى صدورهم.. أصغيت لنبض قلوبهم سمعتك تقول: أنا هنا.. ليتهم يبقون صغاراً أبرياء فلا يفسدهم نفاق الكبار.. اطمأنيت.. تفاءلت.. تأملت بهم خيراً..

أخيراً لا نكف عن التساؤل: متى يستيقظ الضمير، وتسعى الدول الكبرى الأعضاء في الأمم المتحدة لوقف التسلح، ونبذ ثقافة العنف جدياً، والسعي لوقف العنف؛ ليعيش العالم في رخاء، وأمان، وسلام؟!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني