في بعض مبادىء السياسات الخارجية الأمريكية، في ضوء صراعات الهيمنة الأمبريالية!
إدراكاً لأهمية معرفة حقيقة مصالح الولايات المتحدة وسياساتها في الوصول إلى قراءة موضوعية لطبيعة الصراعات في سوريا والإقليم، أو في أوكرانيا وأوروبا – بواقع كونها قوة عالمية إمبريالية مسيطرة، تحوز على جميع أدوات التأثير في الصراعات العالمية، ورسم مآلاتها – أحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على بعض مبادئ السياسات الخارجية الأمريكية، وطبيعة علاقتها بالنظام الديمقراطي الحاكم، وأثارها المباشرة على الصراع على سوريا منذ 2011، في سياق الاجابة على سؤال رئيسي، يطرح نفسه في الصراع الحالي على أوكرانيا:
هل سعت الولايات المتحدة لتوريط روسيا وقيادتها في الحرب الأوكرانية، لتحقيق اهدافها الخاصة؟
بداية، أود التأكيد أن مركزية الدور الأمريكي في جميع الصراعات حول العالم، طيلة القرن الماضي، هو واقع موضوعي، لا يرتبط بموقفنا من تلك الدولة العظمى، وطبيعة سياساتها؛ وهو لا يقلل من أدوار ومصالح الدول والقوى الأخرى التي تتورط في الحروب، بل يساعد على فهم طبيعتها، وحدودها، ومن الطبيعي أن يكون فهم طبيعة تلك السياسات والمصاح الخارجية، الإمبريالية التي تدافع عنها، هو المفتاح لفهم جميع الصراعات في سوريا، والإقليم، وفي اوكرانيا.
لفهم طبيعة سياسات الولايات المتحدة الخارجية، دعونا نتساءل:
هل من الموضوعي أن نقرأ سياسيات الولايات المتحدة الخارجية، خاصة في المنطقة، على ضوء طبيعة النظام الديمقراطي، الذي يحكمها في الداخل؟!
بمعنى، إن طبيعة سياسات تلك الدولة العظمى “الديمقراطية” الخارجية، وسلوك قياداتها تجاه أحداث الخارج وصراعاته يحددها بشكل أساسي نتائح وتأثير تلك الأحداث على مصالحها الخارجية، التي ترتبط بالضرورة بآليات نهب وسيطرة إمبريالية، ولا ترتبط مباشرة بنظامها السياسي الديمقراطي، أو تأتي انعكاساً ميكانيكياً لنهجه ولآليات عمله الداخلية، كما يعتقد بعضهم!
هذا يعني أن ما يحدد سياسات تلك الدولة الديمقراطية العظمى الخارجية ليس هاجس تعميم نموذجها الديمقراطي، وما يحمله من آليات تطور حضاري، وحماية السلم الأهلي الأمريكي – بما هي مصلحة وطنية داخلية للطبقة الاقتصادية المسيطرة وسلطتها السياسية المهيمنة – كما تدعي دعاية الولايات المتحدة لتغطي أهداف سياساتها الإمبريالية الحقيقية، وأكاذيب تعميم الديمقراطية التي يساهم في ترويجها مراكز بحوث ومسؤولون أمريكيون على مستوى زعماء البيت الابيض! بل على العكس تماماً! تُظهر المتابعة الدقيقة لسياسات واشنطن في كامل منطقة الشرق الأوسط، طوال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وحتى اليوم، ليس فقط انحياز سياسات تلك الدولة العظمى الديمقراطية لصالح أنظمة معادية للديمقراطية، بل تشاركها معها؛ وهو سلوك طبيعي، ولا يتناقض مع مبادئ السياسات الخارجية للولايات المتحدة الديمقراطية من وجهة نظر القيادات السياسية، طالما تحقق هذه السياسات البراغماتية مصالح الولايات المتحدة الإمبريالية! هذه الحقيقة لا تنفي تقاطع مصالح واشنطن مع سياسات داعمة لأنظمة ديمقراطية، في أماكن، وأزمنة أخرى، خارج الزمان والمكان الشرق أوسطي، لكنها لا يجب أن تشكل لنا، في سوريا والإقليم، معياراً للحكم على طبيعة السياسات الخارجية الأمريكية في منطقتنا!.
أولاً: إن تناقض سياسات الولايات المتحدة الخارجية في كامل منطقة الشرق الأوسط، منذ مشاركتها في إسقاط حكومة “مصدق” الديمقراطية في إيران 1953 وحتى اللحظة السياسية الراهنة في سوريا والإقليم، مع آليات ونهج ومبادئ النظام الديمقراطي الذي تتبناه الطبقة السياسية الحاكمة داخلياً، هو حقيقة في السياسات الخارجية الأمريكية، لا تؤكد طبيعة أداث المنطقة فحسب، بل يوضح مسوغاتها ودوافعها رجال سياسة ومسؤولون أمريكيون كبار، كالسيناتور “بيرني ساندرز”، وأثبتت واقعيتها دراسات كبار المفكرين الأمريكان أنفسهم، الذين تحدثوا عن “Democracy Paradox”، وتتجسد في ممارسات الإدارات الأمريكية في حالة التعارض القائمة بين وجود “نظام حكم ديمقراطي”، وبين سياسيات خارجية معادية للديمقراطية، ولا مشكلة في ذلك بالنسبة لرجال السياسة في واشنطن، طالما تتحقق من خلالها مصالح الولايات المتحدة، وطالما للمصالح الأمريكية الخاصة الأولوية المطلقة!، إذ لا تتردد سياسات واشنطن في دعم أنظمة استبدادية، وإقامة علاقات شراكة معها، بل وحمايتها، عندما تتحقق في هذا السلوك السياسي “البراغماتي” مصالح الولايات المتحدة، على حساب كل ما عرفته البشرية من قيم ومبادئ، وعلى حساب مصالح شعوب ودول المنطقة!!.
النموذج الأكثر وضوحاً في منطقتنا، طوال عقود ما بعد “الاستقلال السياسي”، هي علاقة الشراكة التاريخية والحماية الاستراتيجية لأنظمة “السعودية”، وسلطات العسكر – النموذج الناصري – في مواجهة قوى التغيير الديمقراطي لشعوب المنطقة، ولا حاجة بنا للتذكير بطبيعة السياسيات الأمريكية في “أمريكا اللاتينية”؛ ولا ينفي هذا الواقع في سياسات واشنطن الإقليمية، أن تكون قد دعمت قيام أنظمة ديمقراطية في أماكن أخرى من العالم، كان في شكلها الديمقراطي مصلحة لسياسات واشنطن!!.
هي فكرة التناقض التي تحدث عنها المفكران، الأمريكي “نعوم تشومسكي “، واللبناني/الفرنسي “جلبير الاشقر” في أكثر من مكان، خاصة في كتابيهما “الشرق الملتهب”.
في التاريخ الذي ما زلنا نعيش صيرورته منذ 2011، خرجت شعوب المنطقة في تمردات على أنظمتها الاستبدادية، التي تقيم معها الولايات المتحدة علاقات تحالف سياسي استراتيجية طوال عقود، تطالب بإصلاحها أو تغييرها، بوسائل سلمية، دعونا نتساءل:
لِمَن انحازت السياسات الإمبريالية الأمريكية؟ لنموذجها الديمقراطي، في دعم حراك الشعوب السلمي، ودفعها على مسارات التحول الديمقراطي (صديقة الشعوب!)، أم لدعم سلطات الأنظمة المعادية للتغيير الديمقراطي، المعادية لنموذجها الديمقراطي، التي تتشارك معها في النهب الاقتصادي والسيطرة السياسية؟.
قبل هذا، في العراق، 2033، عندما سيطرت تلك الدولة الديمقراطية العظمى بشكل مطلق، وأعادت بناء مشهده السياسي بالكامل، السلطتين التنفيذية والتشريعية، هل بنت نموذجها الأمريكي الديمقراطي الداخلي، رغم ما رافق سلوكها العدواني من دعاية ضخمة، تروج لسعيها لبناء نظام ديمقراطي في العراق، وتعميمه إقليمياً؛ لتغطي واقع سلوكها، وسعيها لبناء نظام ميليشياوي، طائفي؟!.
ما قبل، قبل العراق، وفي مواجهة الغزو السوفييتي لأفغانستان في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، الذي اعتبرته السياسيات الأمريكية تعدياً صارخاً على مصالحها الحيوية في الإقليم، ألم تكن “قاعدة” أسامة بن لادن، الثمرة الأقبح لتجيير الولايات المتحدة للإسلام السياسي الوهابي؟ لماذا لم تتشارك الدولة الديمقراطية مع قوى ديمقراطية، لمواجهة “عدو مشترك”؟ هل هذا سلوك “ديمقراطي” لدولة ديمقراطية عظمى؟.
ثانياً: في ضوء الصراع الراهن على أوكرانيا، هل كان دافع سياسات واشنطن تجاه أحداث الصراع على السلطة الذي تفجر في أوكرانيا منذ 2013 – التي قدمت أهم مبررات الغزو الحالي المُعلنة للرئيس الروسي – دعم قيام نظام ديمقراطي في أوكرانيا، أو تعزيز النهج الديمقراطي في أوروبا؟!.
أترك للسيناتور الأمريكي Bernie Sanders، الكلام، راجياً أن يحمل ما قدمه في مداخلته القيمة من الوقائع ما يجعل بعضهم يُعيد النظر بتقييمه لطبيعة السياسات الإمبريالية الأمريكية في سوريا والعالم، التي أعتقد أن إدراكها هو مفتاح فهم ما يحدث، هنا، وهناك!!.
يركز السيد السيناتور “بيرني ساندرز” على مجموعة نقاط، تشكل مفاتيح فهم السياسات الخارجية الأمريكية.
2- كذب المسؤولين الأمريكان، ونفاق السياسية الامريكية الخارجية – التي تغلف أهداف سياساتها الإمبريالية بقيم ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان – التي تقوم في الواقع على أولوية المصالح الاقتصادية للطبقة السياسية العسكرية الحاكمة، شركات المال والسلاح والطاقة العابرة للقارات، المهيمنة على النظام الديمقراطي الأمريكي، وتجير إمكانات الولايات المتحدة الهائلة، وشبكة علاقاتها حول العالم لتحقيقها.
يذكر السيناتور مثالين، على هذا التناقض الجوهري في سياسات الولايات المتحدة الخارجية، بين المُعلن الوردي، والواقع الكارثي، تناول المثال الأول “غزو العراق وأفغانستان”، يقول:
“على الرغم من كل السيناريوهات الوردية (حول غزو أفغانستان والعراق)، التي سمعناها من الخبراء والسياسيين عن تلك التدخلات، تبين لاحقاً أن الخبراء كانوا على خطأ، وقد دفع ملايين الأبرياء الثمن!!.
بالطبع، نتفهم أنه لا يذهب بعيداً في تفاصيل المأساة، التي يتبرع بتوضيحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سياق ترويج مبررات غزو أوكرانيا. يقول الزعيم الروسي: “في العراق وسوريا وليبيا، الاستخدام غير الشرعي للقوة، وتحوير جميع قرارات مجلس الأمن”.
لكن الكارثة الكبرى على قائمة جرائم انتهاك القانون الدولي يشغلها العراق، دون أية أسس قانونية، اختاروا كذريعة تلك المعلومات التي قُيل إن الولايات المتحدة الأمريكية تملكها عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وبعد ذلك، تبين أن كل هذا كان تلفيقاً وكذباً، ولا وجود لأية أسلحة كيماوية في العراق!! أمر مدهش وغريب. لكن الحقيقة، تبقى حقيقة!! جاء الكذب من أعلى المستويات الحكومية، وأعلى منبر للأمم المتحدة!
والنتيجة! أعداد ضخمة من الضحايا، وكميات هائلة من التدمير وانتشار لا يصدق للإرهاب.
2- المبدأ الاساسي في سياسات السيطرة الإمبريالية لأمريكية.
يوضح السيناتور باهتمام شديد أن مبررات الغزو الروسي – التي تعتمد على ما تشكله أوكرانيا من مجال حيوي فائق الأهمية للأمن الجيوسياسي القومي الروسي – لا تقتصر على روسيا، ولا تنحصر بمواصفات شخص الرئيس، إنها، قبل ذلك، جوهر السياسات الخارجية الأمريكية.
من النفاق أن تصر الولايات المتحدة على أننا كأمة لا نقبل مبدأ مجالات النفوذ، على مدى 200 عام الماضية، عملت بلادنا على “مبدأ مونرو”! في تبنيها وتطبيقها للمبدأ الذي يقول، بصفتها القوة المهيمنة في نصف الكرة الغربي، يحق للولايات المتحدة، وفقاً للولايات المتحدة، التدخل ضد أي دولة قد تمارس ما يُهدد مصالحنا المزعومة، قوضت الولايات المتحدة، وأطاحت بما لا يقل دزينة دول في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، وأكثر من ذلك في الشرق الأوسط.
3- أحد أسباب الحرب، ودور الولايات المتحدة المباشر في تعزيزه.
بكل وضوح وشفافية، يشير إلى مسؤولية الولايات المتحدة في هذه الحرب، يعتقد أن من أهم دوافع الغزو عند القيادة الروسية هو منع “احتمال تعزيز العلاقة الأمنية بين أوكرانيا والولايات المتحدة وأوروبا الغربية بما في ذلك ما تعتبره روسيا تهديداً لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو”، موضحا أنه “على الرغم من إدراك جميع المسؤولين الأمريكان، وفي مقدمتهم رئيس CIA الحالي وليم بيرنز، بذلت الولايات المتحدة جهدها لتوسيع الناتو شرقاً، وصولاً إلى تخوم روسيا، موضحاً أن “أول عمل لنا بدأ في اتجاه سيء كان عندما بدأ الناتو في التوسع، وجلب بعض الدول الشرقية، وبعضها جوار روسيا”. ثم يُضيف شارحاً وجهة نظره:
“حقيقة، إن الولايات المتحدة وأوكرانيا تدخلان في علاقة أمنية أعمق، لها كما نرى، عواقب خطيرة للغاية لكلا البلدين!!”
4- طبيعة الحرب، ونتائجها
يراها السيناتور “أسوأ الصراعات الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية”، ويؤكد على حقيقة أنه “لا أحد يعرف بالضبط التكلفة البشرية لمثل هذه الحرب”، التي “تشير التقديرات إلى أنه سيكون هناك أكثر من 50 ألف ضحية في أوكرانيا، ناهيك بتدفق ملايين اللاجئين على الدول المجاورة”، وقد تؤدي العقوبات التي ستفرض على روسيا نتيجة أفعالها، والتهديد الروسي بالرد على تلك العقوبات، إلى تأثير اقتصادي هائل على الناس، مع التأثير على أسعار الغاز والنفط، والخدمات المصرفية، والإمدادات الغذائية، واحتياجات اليوم العادية.
من المحتمل ألا يكون الروس هم وحدهم الذين يعانون من العقوبات، سيشعرون بها في جميع أنحاء أوروبا، هنا في الولايات المتحدة، ومن المحتمل في جميع أنحاء العالم”.
5- رؤيته لطبيعة الحل الذي يجب أن تعمل الولايات المتحدة على دفع الصراع على مساره.
يعتقد السيناتور أنه من الضرورة القصوى للولايات المتحدة، (كمصلحة راهنة ونوع من التكفير عن خطاياها!!) بذل قصارى جهدها “لإيجاد حل دبلوماسي لمنع ما يمكن أن يكون حرباً مدمرة للغاية في أوكرانيا”.
يرى من وجهة نظره، أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدعم وحدة أوكرانيا دون هوادة، وأن توضح أن المجتمع الدولي سيفرض عواقب وخيمة على بوتين ورفاقه إذا لم يغير مساره، يجب بذل كل جهد ممكن للتوصل إلى حل واقعي ومقبول للطرفين، حل سياسي مقبول بالنسبة لأوكرانيا والولايات المتحدة وحلفائنا وروسيا، ويمنع ما يمكن أن يكون أسوأ الحروب الأوروبية، منذ الحرب العالمية الثانية”.
6- أهداف الحرب الروسية
يرى أن الرئيس الروسي، الفاسد والمغامر والطغمة المحيطة به، تسعى إلى “السيطرة على البلاد بأكملها وتدمير نظامها الديمقراطي”.
رابط فيديو السيناتور “ساندرز”.