fbpx

خوفاً من تحول إيران لكوريا شمالية (شرق أوسطية)، من المتوقع عودة أمريكا للاتفاق النووي

0 301

لم يخيب الرئيس الأمريكي الديمقراطي الجديد توقعات أغلب المراقبين بأن عهده سيكون عهداً أوبامياً ثالثاً، نظراً لكون الرئيس بايدن كان نائباً للرئيس أوباما القادم من الوسط الأكاديمي الجامعي، الذي يفتقر لخبرة الرئيس بايدن التي تجاوزت نصف قرن في الحياة العامة الأمريكية. كان لفترات طويلة رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث يتمتع بخبرة بالسياسات الخارجية لا تتوفر عند رئيسه، لذلك يرى بعضهم أن ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما التي تخللتها أحداث جسام في منطقة الشرق الأوسط كان من أهم صانعيها نائبه جو بايدن، وقد شهدت الولاية الثانية للرئيس أوباما الانسحاب الأمريكي من العراق ونشوب حركات ربيع الشعوب العربية ومخاضاتها، وظهور تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وكانت ذروة سياسات الإدارة الأوبامية في عهدها الثاني، توقيع الاتفاق النووي مع إيران بصيف عام 2015 والذي (كما يرى بعضهم) أن ما تم تقديمه أمريكياً للحصول على التوقيع الإيراني هو غض النظر عن تمدد إيران في المنطقة العربية واحتلالها للقرار السياسي في عواصم عربية أربعة تعد من اهم حواضر وقلاع العرب وتغول ميليشياتها والتي باتت تطوق الخليج العربي، وبات للحرس الثوري الإيراني موانئ له على البحر الأبيض المتوسط، ويتحكم بمضيق باب المندب إلى جانب سيطرته على مضيق هرمز.

في سوريا تم عدم ممانعة التدخل العسكري الروسي المباشر الذي أنقذ الحرس الثوري والمشروع الإيراني في المنطقة من هزيمة محققة على أيدي الثوار السوريين وبأسلحة بسيطة، فلو سقطت دمشق لسقط المشروع الإيراني برمته في المنطقة.

تابع الجميع قاسم سليماني وهو يقود ميليشياته البرية في سورية تحت مظلة جوية روسية وفي العراق تحت المظلة الجوية الأمريكية.

بدا أن الهلال الإيراني أصبح بدراً وهو في طريقه لقضم عواصم عربية أخرى، فما كان من الرئيس السابق دونالد ترامب أن خرج بأمريكا من الاتفاق النووي ووصفه بأنه أسوأ اتفاق في التاريخ وانتقد كثيراً الإدارة الديمقراطية التي سبقته واعتبرته أحد أهم إنجازاتها على صعيد السياسة الخارجية وصفها بأوصاف أقلها قصر النظر والعبث بالمصالح القومية للولايات المتحدة ومصالح الحلفاء الإقليميين.

فرض الرئيس ترامب أقصى العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران، وقد وصفها بعضهم بأنها عقوبات تاريخية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها وكانت العقوبات تفرض تحت عناوين متعددة.

منها تفرض على البرنامج النووي الإيراني ومنها تفرض تحت عنوان الإرهاب على اعتبار أن الولايات المتحدة تعتبر الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وعقوبات أخرى تفرض تحت عناوين انتهاك إيران لحقوق الانسان وانتهاكها لحرية الرأي والتعبير وتقييدها للحريات الدينية.

كانت غاية الرئيس ترامب والإدارة الجمهورية عموماً هي الوصول لاتفاق نووي جديد مع إيران يتضمن إضافة للاتفاق السابق ضم ملفات هامة وربطها بالملف النووي ومن أهمها ملفين ظهر خطرهما جلياً بعد توقيع الاتفاق القديم وتمدد إيران في الإقليم وهما ملف النشاطات المزعزعة للاستقرار لدول الجوار الجغرافي أو ما يعرف بالملف الإقليمي وملف إيران الصاروخي وألحق به مؤخراً ملف الطيران المسير الإيراني، حيث برعت إيران بتطوير واستخدام هذا السلاح وتزويد ميليشياتها متعددة الجنسيات به وكان من أخطر أعماله تدمير معامل آرامكو في المملكة العربية السعودية في ايلول 2019 واستهداف الاراضي والمنشآت المدنية السعودية عبر صواريخ ومسيرات يطلقها عليها الحوثي من الجنوب وفصائل الحشد الشعبي العراقي من الشمال.

سعت إيران لطرد الأمريكان من العراق خاصة بعد ثورة تشرين بالعراق 2019 واعتداءات فصائل الحشد على السفارة الأمريكية ببغداد عبر استهدافها بالصواريخ، وكانت ذروة التصعيد بين الجانبين قصف ميليشيا الحشد لقاعدة عين الأسد ومقتل متعاقد مدني مع الجيش الأمريكي، الأمر الذي رد عليه الرئيس ترامب باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بغارة من مسيرة أمريكية بالقرب من مطار بغداد بتاريخ 3 من كانون الثاني 2020، ما أخاف إيران وجعلها تجنح للتهدئة وعدم استفزاز الإدارة الأمريكية في انتظار عدم نجاح الرئيس ترامب بتجديد ولايته وهذا ماحصل، وفاز الرئيس بايدن بالانتخابات إيذاناً ببدء 4 سنوات من حكم الديمقراطيين والذين يصفهم بعضهم بأنهم يهوون العمامة السوداء الإيرانية ويكرهون العقال العربي.

بفوز الرئيس بايدن بالانتخابات تنفست إيران الصعداء، كانت الأشهر الأولى من ولاية الرئيس بايدن مريحة لإيران، حيث أحضر معه نفس الطاقم الرئيسي الذي صنع اتفاق 2015 من بلينكن لروبرت مالي وجاك سوليفن وغيرهم، وازدادت درجتهم رتبة، وقوي مركزهم بصناعة القرار، وبدأت المفاوضات بفيينا بشرط مسبق إيراني رضخت له الولايات المتحدة وهي عدم حضور الوفد الأمريكي مع الـ 4+1 بل بقاءه بعيداً وعدم لقائه مباشرة للوفد الإيراني المفاوض، وكان “المكتوب باين من عنوانه”، حيث تم خلال 6 جولات إنجاز 90% من المواضيع الفنية وبقيت الـ 10% التي تخص ملفات التمدد الإقليمي والملف البالستي، ولم تنجح الجهود بالوصول لاتفاق قبل نهاية عهد الثنائي المعتدل روحاني وظريف اللذين كانا وراء الوصول لاتفاق 2015.

كانت السياسة الأمريكية بالمنطقة تشي بضغوط تمارس على حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الخليج العربي عموماً والسعودية خصوصاً من خلال رفع الحوثي من لوائح الإرهاب الأمريكية وسحب بطاريات الصواربخ باتريوت التي أرسلها الرئيس ترامب بعد قصف منشآت أرامكو وتخفيف الوجود العسكري في المنطقة، وترديد نغمة أن الولايات المتحدة لم تعد تعنيها كثيراً المنطقة، وستوجه جل اهتمامها للتصدي للتوسع الصيني، وأنشأت تحالف إيكوس لهذا الغرض.

كان الضغط على تركيا ومصر يشمل الانتقاد لسجلات تلك الدول بانتهاك حقوق الإنسان، حيث تدخلت في قصص داخلية للسعودية وتركيا بفتحها ملفات مقتل الخاشقجي واعتقال عثمان كافالا، وكان بادياً التراخي بل غض النظر عن كل الاعتداءات الإيرانية على السفن وتهديد الملاحة التجارية البحرية، بل وصل الأمر إلى عدم الرد على الاعتداءات على القواعد الأمريكية نفسها وآخرها الاعتداء المباشر على قاعدة التنف، كل ذلك يشي بنفس القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس أوباما قبل 2015 بتوجيه أمر صارم للجيش الأمريكي بعدم الرد على أي استفزاز إيراني لعدم تعكير الجهود التي ستؤدي لتوقيع الاتفاق النووي، الأمر الذي استدعى مصالحات وتغيير التحالفات والاصطفافات في المنطقة، بدأت بالمصالحة الخليجية وتم تتويجها مؤخراً بزيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة، وسبقها وسيعقبها زيارات والخروج من خصومة بين الأشقاء للوصول إلى تشكيل محور سني يخترق بالقلب البدر الشيعي الذي شكلته إيران ترقباً لمواجهة الوضع الجديد الذي من المتوقع حدوثه وهو توقيع اتفاق نووي بين المجموعة الدولية وبين إيران يرفع كل أو جزء من العقوبات المفروضة عليها ويعيدها للمجتمع الدولي ويملأ خزائنها بالمال.

الشروط الإيرانية للتوقيع على الاتفاق النووي

ترى إيران أن الاتفاق القديم جيد وهو يضع كل أنشطتها النووية تحت المراقبة الدولية وترفض رفضاً قاطعاً مناقشة برنامجها الصاروخي أو تدخلاتها بدول الجوار، بمعنى عدم التفاوض على اتفاق جديد بل عودة الولايات المتحدة التي انسحبت منه الى الالتزام به ودفع أمريكا لتعويضات مالية عن الخسائر المالية والاقتصادية التي لحقت بائران من فترة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق إلى حين العودة إليه.

ومن ضمن الشروط الإيرانية تعهد الوفد الأمريكي بالتوقيع خطياً على بند يحظر على أي رئيس أمريكي مقبل الخروج منه.

ولسحب ورقة الملف الإقليمي من يد المفاوض الأمريكي أجرت إيران أربع جولات من المشاورات مع خصمها الإقليمي الأول المملكة العربية السعودية في محاولة منها للوصول لاتفاق أمني تضعه على طاولة الحوار بفيينا بأن دول الإقليم تتحدث مع بعضها ولا موانع لديها من الاتفاق دون الحاجة لوساطات أو تدخلات دولية.

أوقفت السعودية المشاورات تلك، وأعلن وزير خارجيتها أن تلك الجولات لم تتعد مشاورات استكشافية ولم تسفر عن أي نتيجة، وسحبت تلك الورقة من اليد الإيرانية.

وتصر إيران أيضاً على مطلب محرج للإدارة الأمريكية وهو الرفع الكامل والفوري ودفعة واحدة للعقوبات الأمريكية وليس تلك المفروضة على المشروع النووي، قبل السماح لمفتشي الوكالة الدولية بمتابعة عملهم السابق بمراقبة الأنشطة النووية.

أهم الأسباب الأمريكية للعودة للاتفاق

1- لا تريد الولايات المتحدة حسب زعمها كوريا شمالية شرق أوسطية، بمعنى وجود دولة نووية مفلسة اقتصادياً، ويحكمها نظام ثوري لا يعترف بالدولة والحدود الدولية ومعاد للنظام الدولي، إذ إن الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة والعودة لتصدير نفطها وغازها يسهم في إملاء جيوبها بالمال والالتفات إلى معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية للشعب الإيراني.

2- إن وصول إيران للعتبة النووية (التي وصلتها بالفعل) وعدم الإعلان عن امتلاكها لقنبلة نووية، يضمن عدم الدخول في سباق نووي في الإقليم، خاصة سعي تركيا والسعودية ومصر لتقوية حججها بالحصول على القنبلة، وقد المح إلى ذلك الأمير تركي الفيصل في مؤتمر المنامة الأخير.

3- يعاني الرئيس بايدن من تدن غير مسبوق في شعبيته داخلياً، وهو يواجه استحقاق انتخابات نصفية للكونغرس الأمريكي العام القادم، وعادة أي انسحاب عسكري أو الوصول لاتفاق في ملف شائك له شعبية داخلية، ممكن أن تصب في صالح الحزب الحاكم.

لذلك يرى جزء كبير من المراقبين للأسباب التي عرجت عليها وغيرها مما لا يسعفنا الحديث عنه في هذه المقالة المختصرة، من المتوقع ترافق الوصول لاتفاق نووي يتبعه انسحاب أمريكي من ملفات المنطقة وبقاءه فقط في المياه الزرقاء لحماية خطوط الملاحة والتفرغ تماماً لمواجهة التنين الصيني والدب الروسي الذي يتنمر في أوروبا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني