fbpx

الطبل في إدلب والعرس شرق الفرات

0 396

فاجأ التقارب التركي/الأمريكي كل المراقبين بعد وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، إذ كان متوقعاً مرور 4 سنوات من التوتر في العلاقات استناداً إلى تصريحات الرئيس بايدن بحملته الانتخابية او انقلابه على الإرث الترامبي كاملاً، حيث اجتازت العلاقات الأمريكية/التركية فترة حرجة بعد شراء أنقرة للصواريخ الروسية واستبعاد واشنطن لأنقرة من برنامج طائرة القرن F35.

أعقب قمة الرئيسين الأمريكي والتركي على هامش قمة الناتو في بداية الصيف الحالي دفء سرى في أوصال العلاقات بين البلدين حيث كانت كل المؤشرات تدل على انتظار فترة أقرب إلى شهر عسل تركي/أمريكي نظراً لأن الرئيس بايدن أعاد الاعتبار لمنظمة حلف شمال الأطلسي بعد وصول ترامب حتى للتفكير بالانسحاب منه. وبدا أن رؤية استراتيجية أمريكية جديدة في طور التنفيذ على مستوى العالم، محورها الرئيس التفرغ لمواجهة التمدد الصيني وسحب القوات من البر، وخاصة أماكن وجود القواعد الأمريكية في المناطق غير المستقرة وتقوية دور الحلفاء الإقليميين.

ويهمنا هنا تركيا تلك القوة الصاعدة الحليفة والموجودة بشكل فعال في الشرق الأوسط الكبير (من أفغانستان حتى حدود البحر الأبيض المتوسط).

لم نتأخر كثيراً لنرى اعتماد واشنطن الكلي على دور تركي قوي في أفغانستان، بالعهدة للأتراك وبالاتفاق مع طالبان على إشراف تركي مباشر على مطار كابل، وبالتأكيد سيتبعه إشراف تركي كامل على ملف الأسلحة الأمريكية الهائلة التي تركت سليمة في عهدة طالبان، بما فيها قواعد جوية وطائرات. هذا الإشراف بالتأكيد سيطال الصيانة والتشغيل والرقابة وليس بعيداً التوجيه أيضاً.

لم تخف الخارجية الروسية قلقها من هذا التنسيق الأمريكي/التركي في بؤرة صراع جيوسياسي أشبه بالبركان، وليس بعيداً أن تتطاير حممه إلى الجمهوريات الإسلامية الموالية لموسكو، التي تعد حديقتها الخلفية، واستقرار هذه الجمهوريات من أهم مرتكزات الأمن القومي الروسي.

ولا يخفي الروس خشيتهم من تنسيق أمريكي/تركي في منطقة شرق الفرات السورية، يتلو انسحاباً أمريكياً مجدولاً من العراق في نهاية العام. ولن يكون بعيداً انسحاب أمريكي متوقع خلال ربيع 2022 من المنطقة، وتسليم الإشراف المباشر عليها للقوات التركية الحليفة بعد التقريب بين أنقرة والأحزاب الكردية السورية على الطريقة الأفغانية تماماً.

إذاً لا يمكن تصور انسحاب أمريكي وملء الفراغ الناتج من قبل الروس والإيرانيين.

لذلك تحث موسكو قسد على مزيد من التنسيق مع النظام لإعداد مشروع للتصدي للتفاهمات الأمريكية/التركية.

وتدرك موسكو أن هذا التنسيق بين حليفي الناتو شرق الفرات سيكون على حساب النفوذ الروسي، ليس شرق النهر فقط، بل بالمنطقة بأكملها، لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية تمتلكها تلك المنطقة.

تدرك موسكو أن الخاصرة الرخوة لأنقرة هي في الشمال الغربي السوري. واستناداً إلى ما تعودنا عليه بين الأتراك والروس، فكل خلافاتهما تبدأ بتصعيد سياسي وإعلامي يعقبه رسائل نارية روسية قد تصل لارتكاب مجازر بحق المدنيين وقد يتخلله خرق محدود لقواعد الاشتباك يتجلى بقصف مناطق في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون. وفي إدلب يقترب القصف حتى أمتار قليلة من النقاط العسكرية التركية ليس أكثر. وهذا ما حدث في اليومين الماضيين في شن غارات جوية على دارتعزة بريف حلب الغربي وبالقرب من قاعدة عسكرية تركية في آفس القريبة من سراقب.

لم يعد الروس يعولون على مكاسب في إدلب أكثر من فتح معبر ميزناز بين مناطق النظام ومناطق المعارضة واستلام شحنتي مساعدات أممية مرسلة من مناطق النظام وفق القرار 2585.

لن يتراجع الأتراك كما أرى عن مواقعهم العسكرية قيد أنملة بمحيط الـ M4، والإصرار على تفسيرهم لتفاهمات موسكو 2020 بين الرئيسين التركي والروسي، مع ادخال رتل عسكري كبير يضم معدات ثقيلة تستعمل لخوض الحروب الكبيرة. ويعلم الأتراك أن موقفهم في إدلب مدعوم أممياً وأوربياً وداخلياً بالتأكيد، إذ لا يريد كل الأتراك رؤية مزيد من تدفق اللاجئين السوريين لبلدهم حيث تضم تلك المنطقة ملايين السوريين الذين لا يملكون أمامهم إلا خيار القتال حتى النهاية، فلا باصات خضراء بعد الآن.

ذروة التصعيد السياسي الذي كان نتيجة للتصعيد العسكري تجلى بتراشق الاتهامات بين وزيري الخارجية الروسي ووزير الدفاع التركي. إذ قال الأول: إن أنقرة لم تف بتعهداتها في إدلب، ورد عليه الثاني: إن أنقرة نفذت كل المطلوب منها، يجب أن يعود الهدوء للشمال السوري، وقد أتت تصريحاته تلك من الميدان برفقة قادة كبار من الجيش التركي أثناء تفقدهما للقوات على المسافة صفر من الحدود.

طبعاً تخشى موسكو بل وتدرك أن التنسيق الأمريكي/التركي شرق الفرات سيكون على حساب مصالحها، وتريد وقفه وإرسال رسالة إلى أنقرة مفادها: أنا القوة العظمى الباقية في سورية وما عليكم إلا التنسيق معي دون أحد آخر.

وأنا أرى، أن التنسيق الأمريكي/التركي العميق سيستمر بما يخص ملف شرق الفرات وسورية عموماً، وسيكون على حساب موسكو ولكن دون استفزازها كثيراً، لأنهما مازالا بحاجة للتعاون معها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني