fbpx

3+2.. منصة جديدة قد ترى النور في موسكو قريباً

1 1٬621

شاءت الأقدار، وفرضت المصالح الجيوسياسية أن يكون الملف السوري مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالملف الأوكراني، وباعتبار أن الأطراف نفسها تخوض صراعاً ساخناً في أوكرانيا، فهي أيضاً موجودة في سوريا وتخوض صراعاً بارداً فيما بينها، وليس من المستبعد انفجاره في أية لحظة وفقاً لتطورات الحرب الجارية هناك، حيث توجد ثلاث بؤر توتر رئيسية في العالم، أولها أوكرانيا وقد اشتعلت، وثانيها الشرق الأوسط بمواجهة إيران (وسورية في قلب هذه البؤرة) وثالثهما البؤرة التايوانية وهي أبردها ولن تنجر الصين لحرب على المدى المنظور فيها رغم كل الاستفزازات الأمريكية.

ولكن لن نتمكن من قراءة حقيقية للمشهد السوري المعقد قبل تثبيت نقطتين رئيسيتين، أولاهما أنه جزء رئيس من الصراع الأمريكي – الروسي الجاري حول السيادة للعالمية، وثانيهما أنه أيضاً جزء هام في الصراع الدائر لتقليص دور إيران الإقليمي أو بمعنى أدق إنهاء ذلك الدور ودفع إيران لداخل حدودها الوطنية ويجري ذلك بالتوازي مع معالجة الملف النووي العسكري لها.

وعندما يظهر الجنرالات في المشهد تتنحى الدبلوماسية، وللتزامن بين زيارة وزير الدفاع الأمريكي الجنرال لويد أوستن للأردن ومصر ودولة الاحتلال والعراق، وزيارة الجنرال مارك ميلي إلى الأردن وإسرائيل وشرق الفرات السوري وإقليم كردستان العراقي، دلالة واضحة على أن الخطط العسكرية يجري العمل عليها وتحضيرها في حال فشل الدبلوماسية أو دعماً لها لتحقيق أغراضها وفق مبدأ دبلوماسية القوة وليس قوة الدبلوماسية.

 ومع حراك عربي تجاه دمشق أعقب كارثة الزلزال، وبرود في ملف التطبيع التركي مع نظام الأسد بسب تلك الكارثة، وانشغال الحكومة التركية بمعالجة آثارها وتداعياتها، عاد الحديث مُجدداً عن تفعيل ذلك المسار بإعلان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن النية لعقد لقاء رباعي في موسكو قد يكون بمستوى وزراء الخارجية أو نوابهم بمنتصف آذار الجاري بين دول أستانة الثلاث مع نظام الأسد، ولم يتأخر التأكيد التركي على الحضور، إذ أتت الموافقة على لسان السيد جاويش أوغلو وزير الخارجية بإعلان موافقة أنقرة على ذلك اللقاء، وتزامن ذلك مع زيارة لوزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة لتنسيق المواقف، وبالتأكيد يجري تقنياً تحضير الملفات التي سيتم بحثها في اللقاء المنتظر.

ويبدو أن أنقرة الآن أقل إحراجاً من ذي قبل بالتقارب مع دمشق بعد انفتاح عربي عليها أعقب الزلزال وتجلى باختراقات (ولو أنها غير نوعية ولكن لا يمكن تجاهلها) في جدار العزلة المضروب على الأسد، كما أنها بالتأكيد أقل حماسةً عما قبل تجاه ذلك التقارب.

ولا شك أن أنقرة وبسبب قرب الانتخابات العامة والرئاسية وتراجع أهمية الملفات الخارجية (ومنها الملف السوري) من ساحة التنافس الانتخابي وحلول الملفات الداخلية واستحواذها على الأولوية لدى الناخب التركي والسياسيين على حدٍ سواء، فإن الحكومة التركية معنية بجني مكاسب (ولو رمزية) خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة القادمة لتوظيفها في السباق الانتخابي.

ويبدو أن هناك بعض المسائل تم التوافق عليها بين أنقرة ودمشق وتم تأجيلها بسبب الزلزال وسيتم بالطبع إضافة نقاط استجدت حديثاً وقد يكون من أهمها:

  1. العمل على توقيع اتفاق هُدنة إنسانية طويلة الأمد بين فصائل الجيش الوطني وقوات النظام، تُتيح تأمين منطقة آمنة حقيقية في الشمال السوري تؤدي لعودة أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين في تركيا بالإجازات الطويلة التي مُنحت لهم على أمل تأمين حياة جديدة في بلدهم تُسهم بعدم عودتهم لتركيا خاصةً أن عشر ولايات تركية منكوبة، يقطنها مليون وسبعمائة ألف لاجئ سوري، وأيضاً يستفيد النظام من تلك الهدنة لأن أزمته الكبرى اقتصادية وليست أمنية أو عسكرية، ويتفرغ لتخفيف آثار شبح الانهيار الاقتصادي الماثل للجميع، الذي لا يرغب به أحد، ما يُعزز (فيما لو حصل) تحول مناطق النظام لمزارع أمراء حرب لإنتاج المخدرات وتهريبها وتهريب السلاح وتبيض الأموال بشكل يفوق بكثير الوضع الحالي والمُسيطر عليه مركزياً، إضافة إلى تصدير مزيد من اللاجئين (وقد يكون عددهم بمئات الآلاف) لدول الجوار أو ركوب البحر والتوجه للقارة العجوز القريبة جغرافياً.
  2. العمل على فتح كُل المعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة وإبقاء اعتراف النظام قانونيا باستمرار موافقته على فتح معبري الراعي وباب السلامة مع تركيا في مقابل موافقة الجانب التركي على فتح معبر كسب، وكُل التفاهمات على افتتاح المعابر هو للحركة التجارية ولحركة المدنيين.
  3. الحصول على اعتراف النظام بشرعية المعارضة السورية القريبة من تركيا وعدم استعمال ما اعتاد عليه سابقاً من وسمها بالإرهاب أو العميلة للاحتلال التركي بل يقال إن الرغبة التركية تصل لحد الاعتراف بشرعية الحكومة المؤقتة كجهاز تنفيذي واداري يُشرف على إدارة تلك المناطق، وشرعية استلامها للمساعدات الخارجية دون إذن من النظام، وهذه الخطوات تُشجع عليها الأمم المتحدة باعتبار حكومات الأمر الواقع الأربعة ضرورية لإدارة شؤون السكان وتسهيل حياتهم ضمن مناطق سيطرتها.
  4. العمل معاً على إضعاف قسد دون شن حرب عليها وعدم السماح لها بالاشتراك بأي عملية سياسية.
  5. يوجد العديد من المطالب التركية من النظام مثل العمل على افتتاح مكاتب واعتمادها منه دون ان يقوم هو بذلك بتصديق الاوراق والوثائق الرسمية..

وبسب أن مسار أستانة الذي يعمل منذ 6 سنوات بين الدول الثلاث الراعية له لم يتمكن من النجاح بالوصول لأي حل أو تسوية سياسية، واقتصر نجاحه على منع التصادم المباشر بين تركيا وحلفاؤها والأطراف الأخرى، وموت ذلك المسار سريرياً، كانت النية الروسية بالتنسيق مع تركيا بشكل ثنائي بالملف السوري للوصول لنتائج سياسية وتم إضافة نظام الاسد لهما لاحقاً.

ولأسباب معروفة تمت دعوة إيران لتلك المنصة الجديدة بعد أن ترك غيابها عن المراحل الأولى من التقارب التركي مع النظام أكثر من إشارة استفهام وخاصةً اللقاء عالي المستوى الذي جرى أواخر العام الماضي بين وزراء دفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات في موسكو واقتصر الحضور على روسيا وتركيا ونظام الأسد.

ولكي يكون المسار الجديد (المنصة الجديدة) واقعية وليست على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام، تمت دعوة إيران إليها لتصبح منصة جديدة 3+1، تركيا وروسيا ونظام الأسد بإضافة إيران إليها.

أيضاً لن يكون عملياً إبعاد المعارضة السورية الحليفة لأنقرة عن تلك المنصة وبالتالي هي من سيُمثل المعارضة السورية في منصة قريبة تتمخض عن لقاء موسكو القادم وما يليه 3+1+1، بإضافة المعارضة السورية الرسمية، ومُؤخراً أبلغت أنقرة قيادات من المعارضة السورية بهذا التوجه إلا أنه قيل لم تلق تلك الدعوة التركية قبولاً أو حماساً أو رغبة من المعارضة السورية وربما سيتم فرض ذلك لاحقاً إن تمكنت أنقرة من ذلك، وبالتأكيد يُفيد رفض المعارضة الرسمية السورية للدعوة التركية الأولية بتقوية موقفهما معاً لرفع سقف التفاوض قبل البدء به.

وترغب موسكو بضم أطراف عربية لذلك المسار مثل الأردن ومصر والإمارات وسلطنة عمان، التي أبدت الشهر المنصرم رغبة بتعويم النظام، ولكن الحضور الإيراني في المشهد قد يُعقد المشاركة أو المباركة العربية، وفي مؤتمر صحفي مشترك لوزيري الخارجية الروسي والسعودي عُقد في نهاية زيارة الوزير السعودي لموسكو، أعرب لافروف عن أمله بدعم سعودي لمسار أستانة في حين تحفظ الوزير السعودي على ذلك، ويكرر الوزير السعودي مواقفه السابقة بأن الوقت مازال مبكراً لعودة نظام الأسد للجامعة العربية، أعقبه تصريح لأبو الغيط الأمين العام للجامعة يقول بما معناه أن لا عودة قريبة لنظام الأسد للجامعة ولا إجماع عربي على تلك العودة، ولا يوجد أي خطة أو خارطة طريق للتعامل مع الملف السوري عربياً.

حيث مازالت الجهود العربية تصطدم بموقف المملكة الرافض للمقاربة العربية الأخرى بإمكانية أن يقوم الأسد بالتخفيف من النفوذ الإيراني في سورية، حيث ترى المملكة أن إعادة تأهيل نظام الأسد التابع لإيران هو مصلحة إيرانية صرفة.

دائماً يكون الموقف الأمريكي مهماً جداً في الملف السوري والذي بالتأكيد لن يدعم أو يُبارك تشكيل تلك المنصة أو أي جهود لتثبيت نفوذ إيران وروسيا في سورية وتوزيع مكاسب الحل عليهما بل بإبقاء أو تجميد الوضع السوري كما هو عليه الآن وترك النظام عالة على الروس والإيرانيين، يستنزف مواردهم والبقاء في هذه الحلقة المفرغة من اللاحل، خاصةً أن لأمريكا مشروع شبه معلن يتجلى بالتنسيق الكامل بين القوى الخارجة عن سيطرة النظام شرق الفرات وغربه وتشكيل جبهة معارضة قوية متواصلة جغرافياً، وذلك ببذل الجهود للتقريب بين أنقرة وقسد وتبديد مخاوف أنقرة من تغلغل كوادر حزب العمال الكردستاني فيها، ومعالجة وضع هيئة تحرير الشام في إدلب.

ومنهم من يرى أن المشروع الأمريكي أكبر من ذلك، ويهدف إلى قطع المحور الإيراني عبر السيطرة على منطقة البوكمال السورية بالتعاون بين جيش سورية الحرة الموجود في التنف وقوات سورية الديمقراطية وتحقيق التواصل الجغرافي بين المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الأسد.

هذا ما أُشيع عما بحثه وزير الخارجية الأمريكي في زيارته الأخيرة لأنقرة بعد الزلزال فيما يخص الموضوع السوري.

المشروعان الروسي والأمريكي في سورية يتقاطعان في أهمية الموقف أو التموضع التركي وانحيازه لأي منهما، بل يمكن اعتباره حاسماً في ترجيح أحدهما على الآخر، وبسبب انغماس أنقرة بصيفها الانتخابي الحار فأعتقد أن لا قراراً تركياً حاسماً أو نهائياً سيتخذ قبل الانتخابات، وبعدها قد تنجلي الصورة أكثر في الصراعات الكبرى المُؤثرة في الملف السوري وهما الصراع الغربي مع كلٍ من روسيا في أوكرانيا وإيران في الشرق العربي.

1 تعليق
  1. رفعت عامر says

    مقال تحليلي ممتاز لجهة ربط الملف السوري بالملف الدولى والاقليمي، بالإضافة إلى رسم صورة داخلية للقوى الفاعلة في الساحة السورية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني