fbpx

يوميات داعم نفسي في حرب الغوطة

0 399

لم يكن حصار الغوطة الشرقية مجرد حصار عادي، بل كان حرب إبادة بكل ما تعنيه هذه العبارة، فالنظام السوري المدجج بالقوة النارية الروسية، لم يرحم السكان المدنيين، وأغلبهم من الأطفال والنسوة، بل كان يروعهم بكل أنواع القصف الجوي والأرضي، وبواسطة البراميل المتفجرة التي كان يلقيها من مروحياته الحربية. لذلك كان لابدّ من دعم نفسي للأطفال والنسوة لمواجهة هذه الإبادة.
في حصار الغوطة الشرقية من عام 2013 إلى العام 2018، كان اعتقاد الأهالي في بداية الحصار، أن مجال الدعم النفسي للأطفال، هو فقط محصور بتقديم بعض فقرات التسلية والترفيه، وممارسة بعض الحركات الرياضية، وتقديم بعض حبات الشوكولا، وعلبة الحليب.
إلى أن اشتد الحصار، وازدادت الوحشية والقتل والدمار، وانتُهكت جميع حقوق الإنسان والطفل خاصة، وذلك بالقصف بكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، إلى منع دخول الطعام والشراب، ومع اشتداد القصف أكثر فأكثر، أصبحت تظهر سلوكيات جديدة، واضطرابات نفسية على الأطفال، واضحة وجلية، كالقلق الشديد نتيجة عدم النوم المريح، ونوبات الهلع بسبب أصوات القصف المدوي، وحالات لا تُعد ولا تحصى من الخوف الشديد والمرضي.
أمام هذه الحالة، أسرع الآباء والأمهات بالبحث عن معين لهم في معالجة هذه السلوكيات، التي تظهر بصورة متجددة من حين إلى آخر على أطفالهم، في ذات الوقت بدأت مراكز الدعم النفسي تزداد شيئاً فشيئاً بسبب الحاجة الملحة لوجودها، وبدأت بتقديم خدمات الدعم النفسي، ودرّبت الكثير من السيدات والشباب على تنفيذ هذه الخدمات، من قبل اختصاصيين نفسيين قلائل.
بعض البرامج التي قُدمت للأطفال آنذاك، كانت برامج مقدمة من منظمات دولية، تعتني بالصحة النفسية، كانت عبارة عن جلسات علاج جماعية، ويحضرها عددٌ من الأطفال يتراوح في الجلسة الواحدة من 10 إلى 16 طفلاً.
تُقسم هذه الجلسات حسب الفئة العمرية، وحسب برامج خاصة تُحدد لهم حسب أعمارهم، وهذه الجلسات موجهة ومستهدفة للأطفال من عمر 6 سنوات إلى عمر 15 سنة، وتستمر مدة الجلسات من ساعتين إلى 3 ساعات لمدة 3 أشهر.
توضع قوانين للجلسات، يحدّدها الأطفال والميسِّرة، تبدأ الجلسة بتدريب الأطفال على طريقة التنفس الصحيحة، وطرق الاسترخاء، لتصبح فيما بعد افتتاحاً لكل الجلسات القادمة.
من ضمن الفقرات التي كانت تُقدّم، فقرة القصة والفائدة التي نحصل عليها من هذه القصة، طبعاً أغلب القصص لها علاقة بكيفية تعامل الصغار أثناء وبعد القصف، حيث تُلقي الميسِّرة القصة على الأطفال بطريقة سرد مبسطة وسلسة، ويتم سؤال الأطفال عن رأيهم.
هنا يبدؤون بسرد حالاتهم المشابهة، وكيف تصرفوا وتعاملوا مع الوضع، ويشارك الجميع بالحلول، التي من الممكن إضافتها للحلول المذكورة سابقاً، وبعد انتهاء النقاش والحوار بينهم، يتمّ الكشف عن الحالات المرضية، والاضطرابات السلوكية الشديدة والمتوسطة والخفيفة، ويتم إحالتها إلى المختص النفسي، الذي يتابع هذه الاضطرابات، ويساعد على التعافي منها، متابعةً خاصةً وفرديةً.
من بين الفقرات المقدمة أيضاً، فقرات التسلية واللعب الجماعي الهادف، حيث تطلب الميسِّرة منهم وضع قوانين وشروط، تجعلهم يديرون الفقرة بأنفسهم، وتجعلهم أكثر قوة وثقة،
ثم فقرة الرسم والصلصال، التي كانت من الفقرات المحببة جداً لدى الأطفال، حيث تُترك لهم حريةٌ تامةٌ، باختيار الموضوع والفكرة تماماً، واستعمال ما يحلو لهم من أدوات وأقلام وصفحات ملونة، وتشكيل ما يريدون، ولكن بشرط أن يخبر الطفل جميع زملائه لماذا فعل ولماذا اختار.
ومن ضمن البرنامج أيضاً، فقرة المكان الآمن، والتي تذهب بخيال الأطفال إلى تصور هذا المكان، الذي يشعر فيه بالهدوء والسكينة والاستقرار، والأمن والأمان، ويتم ذلك بدايةً بإغماض العينين بطلب من الميسِّرة، وتخيّل هذا المكان.
وفي نهاية الجلسة يجلس الاطفال أمام شاشة العرض، ويُعرض عليهم بعض الفقرات الفنية من موسيقى وأغاني خاصة بهم، وحسب أعمارهم، فيرقصون، ويغنون، ويودعون بعضهم على أمل اللقاء سوية في يوم جديد، وهم يتمنون لبعضهم مزيداً من الحياة والبقاء.
وإلى جانب برنامج أساليب العيش والبقاء المقدمة للأطفال، قدمت مراكز الدعم النفسي، برامج توعوية للأهالي أيضاً، وخاصة الأمهات، حتى تتم متابعة الطفل أيضاً في المنزل، ولا تقتصر على المركز فقط، لكي يستفيد الطفل من البرنامج بشكل أكبر، وتم تقديم بعض الإرشادات والنصائح لذوي الأطفال في مجال الإسعاف النفسي الأولي للطفل، للحصول على أكبر فائدة من البرنامج المقدم للأطفال.
هذه البرامج والجلسات ساهمت بشكل ملحوظ بتغيير بعض السلوكيات، والاضطرابات الناتجة عن آثار الحرب على الأطفال، وقد أثبت الأطفال أنهم أكثر تعاوناً وتقبلاً للتغيير من الكبار، وأكثر استعداداً لقبول سبل العيش والتكيف مع الحياة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني