يومان مميّزان
يستعد العالم بعد بضعة أيام لتوديع العام الأول من العقد الثالث للألفية الثالثة، وقبيل النهاية مرّ يومان مرور الكرام. قليل من الناس مَنْ اهتم أو حتى سمع بهما، فالإعلام الموجّه لا يهتم كثيراً بتغطية الموضوعات الإنسانية من فقر وجوع وتشرد ولجوء وهجرة وتهجير بسبب ما يدور حولنا من توتر شبه حرب باردة أو نزاعات مسلحة إلّا قليلاً؛ لأنّ الأحداث السياسية المتلاحقة والتوترات الدولية والحروب تطغى على أخبارهما خاصة في الشرق الأوسط.
هذان اليومان يمرّان كأنهما ليسا يومين دوليين. الأول “اليوم الدولي للمهاجرين” الذي أصبح يوماً عادياً يتلقّى الناس أخباره كأحداث بسيطة رغم أهميته في عالمنا اليوم، إذ يزداد عدد المهاجرين بالمئات بل بالآلاف يومياً بسبب ضغوطات الفقر، والعوز، والمظالم، والنزاعات العنفية في بعض الدول.
والثاني “اليوم الدولي للتضامن الإنساني” الذي تحمل كلمتاه عنواناً إنسانياً عظيماً “تضامن، وإنساني”، ويفصله عن اليوم الأول يومان ليس غير. والتساؤل الآن: ألا يثير هذان اليومان العجب، فهما يمرّان وكأنهما دعابة في وسائل الإعلام، وعلى شاشات التلفزة العالمية والمحلية أيضاً.
تسعى الأمم المتحدة في اليوم الدولي للمهاجرين للتعريف بحقوق الإنسان، والعمل لضمان حرية المهاجرين، وحماية حقوقهم الإنسانية في الدول المستقبلة لهم أو دول العبور إليها من دول المنشأ.
يقول المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة السيد “أنطونيو فيتورينو”: “يجب على الحكومات أن تنتقل من الأقوال إلى الأفعال وأن تدرج المهاجرين، بغض النظر عن وضعهم القانوني، في خططها للانتعاش الاجتماعي والاقتصادي، ويجب علينا تجديد التزامنا بهدف تعزيز القنوات القانونية للهجرة التي توازن بين السيادة الوطنية وحقوق الإنسان للأشخاص المتنقلين، وتحترم كلاً منهما”.
ومن نافل القول: إن الهجرة مستمرة بشكل طوعي أو قسري بسبب الفقر المدقع أو الصراعات، أو الظلم وفقدان الحريات العامة الأساسية في دول المنشأ للمهاجرين مما تدفعهم للهجرة إلى خارج البلاد.
تشير إحصائية الأمم المتحدة إلى أنّ عدد المهاجرين بلغ حوالي (272) مليوناً في العام 2019م، وازداد إلى زهاء (282) مليوناً في العام 2020م، أي بزيادة (10) مليون مهاجر خلال عام واحد، وهذا العدد يشكل (3.6٪) من مجموع سكان العالم، وهو مؤشر لا يدعو إلى التفاؤل.
إن هذه الأرقام تدعونا للتفكير أن هذه الهجرة بأنواعها المختلفة الطوعية أو القسرية أصبحت من أهم القضايا الإنسانية الرئيسة على مستوى العالم، بعد نزع الأسلحة النووية بالكامل، التي يتوجب على دول العالم بحثها بجدية، وإيجاد حلول لها لاسيما الهجرة القسرية التي تتم في ظروف صعبة وخطرة للغاية على حياة المهاجرين سواء في البحر أم في الصحاري الشاسعة.
هناك دول تشكل الهجرة كابوساً لها، فبسببها تكاد تفقد نصف شبابها أو أكثر، مما يضعف القوى الإنتاجية لديها، وتتأخر تنموياً، وقد تشكل هاجساً ديموغرافياً لبعض الدول المستقبلة للمهاجرين، وتحفّز على نشوء تيارات يمينية متطرفة في تلك الدول تطالب بطردهم وإعادتهم إلى بلادهم التي قدموا منها حيث ينتظرهم الجوع أو الأحكام الجائرة، فمتى تصحو الأمم المتحدة والدول الكبرى المتحكمة بها سياسياً إلى العمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة التي أصبحت مستعصية على الحل بالتغاضي عنها إنسانياً وأخلاقياً.
من حق الإنسان أن يتطلع للحرية ورفاهية العيش في أيّ مكان يجدهما فيه مستنداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبكافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية اللاحقة التي تحمي حياته، وتصون كرامته الإنسانية من الإذلال، وتيسّر له سبل العيش الكريم والرفاهية؛ ليحيا بكرامة كإنسان يعيش في القرن الحادي والعشرين.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اهتماماً منها بالقيم الإنسانية الأساسية للعلاقات الدولية بين شعوب العالم، واقتناعاً منها بأهمية ثقافة التعاون والتضامن الدوليين، والمشاركة الفاعلة في مكافحة الفقر في مناطق عديدة من دول العالم النامية لتحقيق خطة التنمية المستدامة التي وضعتها اليونيسيف 2015م، ووافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأقرتها، ومددتها حتى عام 2030م علّها تتمكن من إنجازها، عملاً بإعلان الأمم المتحدة بخصوص التضامن الدولي على أنه “يجب إدارة التحديات العالمية بطريقة توزّع التكاليف والأعباء بشكل عادل وفقاً للمبادئ الأساسية للإنصاف والعدالة الاجتماعية”، فأقرت يوم 20 كانون الأول/ديسمبر يوماً “دولياً للتضامن الإنساني”.
إن “اليوم الدولي للتضامن الإنساني” يمثل خطوة هامة جداً على المستوى العالمي، ويساهم بقوة في رفع مستوى الوعي العام دولياً بأهمية التعاون والتضامن الدوليين في معالجة أسباب الفقر والعوز في الدول الفقيرة، ويشكل إحدى القيم الأساسية للعلاقات الدولية إنسانياً، ويزيد من التفاهمات بين دول وشعوب العالم، ويساهم في نشر المحبة والسلام، ويضيّق مسافة الخلاف، ويحدّ من أسباب التفرقة بينها.
وإذا ما ربطنا ما يدعو إليه هذان اليومان من تعاون وتضامن دوليين في سبيل القضاء على الفقر وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان النامية ولاسيما الأكثر فقراً، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لإيجاد حلول لمشكلة الهجرة بأنواعها المختلفة، وسبل التعاون للتضامن الدولي الإنساني تساعد على تحقيق خطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة للتخلص مما تعاني منه الدول الفقيرة وغير المستقرة سياسياً واقتصادياً، وتضييق الفجوة المتسعة بينها وبين الدول المتقدمة يرفع سويتها الاقتصادية والاجتماعية، واتساع الهامش الديموقراطي للحريات العامة فيها؛ لينال الإنسان أهم حقوقه الإنسانية الأساسية في الحياة والحرية والعمل، والعيش الكريم الذي تطمح لتحقيقها الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والبشرية كلها.
يومان مميّزان أخيراً، وبالرغم من المعاناة الشديدة الوطأة على الناس في كثير من الدول التي لا تتوفر فيها سبل الحياة الكريمة للإنسان، ولا هامش واسعاً فيها للحريات العامة، فإننا لن نعدم التفاؤل بأيام ومناسبات تحمل في طياتها مستقبلاً أفضل لشعوب العالم كافة يتحقق فيه الأمن والسلام للبشرية جمعاء.