ويبزغ فجر
وقف.. سرحت عيناه في السهب.. تبدّت المسافة طويلة.. طويلة.. تلوذ الطريق متعرجة بين الأشجار والصخور؛ وتختفي خلف الجبال المنتصبة مردة عتاة. شعر بوهن يتسرّب إلى روحه.. يداهمه.. يضعف مفاصله.. المسافات شاسعة؛ فهل أستطيع المسير؟! تنتصب العوائق سداً.. يتساءل: متى يمكنني الوصول؟ الحلم بعيد المنال، واجتياز الجبال محال.. لِمَ لا أعود أو أعرّش ها هنا؟! جلس على حافة صخرة وأغمض عينيه على حلم…
سمعها… نغمة موسيقا تسللت عبر الهواء.. لامست أذنه.. دغدغت أوتار سمعه.. نسمة ندية أيقظت جذوة في حناياه: ما بك يا صديقي؟ عبر شعاع خلال رموشه.. حطّت يد حانية على كتفه.. لفحت أنفاسها شعر رأسه.. التفت.. اخترقته نظراتها.. أمسكت بيده.. سحرته كلماتها: انظر خلفك ترَ كم قطعت.. قس تلك المسافات تنبئك.. تخبرك كم كنت صلداً.. تطلّع إلى قمة الجبال.. هناك أشجار تتلفّع بنور الشمس.. تنتصب.. تلوّح لك.. تناديك…
– وهنت قواي والدرب يطول
– تشجّع.. لست وحدك.. كلنا معك
– آهٍ يا صديقتي…
شدّته الأيادي.. استوى واقفاً.. نحبّك.. هلمّ.. هلمّ.. أشعلت ناره.. يضحك.. يرقص.. يجول بصره فيما حوله.. يشاهد السواعد تعلو.. تهزّ الفضاء.. تحرّك الغيوم.. يتساقط المطر.. ينبت العشب.. تخضرّ الأرض.. يورق الشجر وتزهر الورود.. تقترب الجبال.. تنحني القمم.. تقبّل رؤوس الجموع.. تتماسك الأيدي.. تتصاعد الزغاريد.. تغنّي فيروز «خبطة قدمكن ع الأرض هدّارة».