fbpx

وتسير الرياح الدولية معاكسةً لأشرعة الأسد

2 5٬399

يعلم نظام الأسد أنه كي يبقى على قيد الحياة، فإنه لا مانع عنده من وضع بعض المساحيق التجميلية على وجهه القبيح، ولكنه يُدرك بأنه لا يستطيع أن يَتغيّر أو لا يريد ذلك، فهو كالحرباء التي تُغيّر لون جلدها عندما يتطلب أمنها القيام بذلك.

ويعمل الأسد الوريث بوصايا أبيه لاستمرار حكم العائلة، إنه نظام مارق وفق التصنيفات الغربية والأمريكية خاصةً، والنظام المارق هو نظام عدو لشعبه وعدو للنظام الدولي الغربي ويسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل ويمارس الإرهاب أو يدعمه.

تُؤدّي هكذا أنظمة أدواراً مفيدة للغرب أحياناً ولا تستطيع الدول الحليفة تقديمها، ودائماً ما تصل في قضايا معينة لحافة الهاوية في ملفات مهمة ولكنها تتراجع في الوقت المناسب عندما ترى العصا الغربية مرفوعة بوجهها وتتحاشها.

عاش نظام الأسد الأب ثلاثين عاماً على هذه الحال فهو دائماً تحت عقوبات اقتصادية ويُصدّر خطابات معادية للغرب بل ويدعم بعض الإرهاب ضِدّها وفي الوقت نفسه يُقدّم نفسه كشريك لا غنى عنه في التعاون في الحرب على الإرهاب وكفّ أذى تلك الجماعات.

لم يحارب الأسد الأب إسرائيل ولم يقم سلاماً معها وترك لها هضبة الجولان عندما كانت تنوي إعادتها وفق الاستراتيجية الإسرائيلية.

دخلت قوات الأسد الأب إلى لبنان ونفذت سياسات يرضى عنها الغرب وإسرائيل بالعموم، فحارب جميع الأفرقاء وتحالف معهم ثُمّ تعاون مع الولايات المتحدة لإنجاز اتفاق الطائف.

اجتاز بسلاسة وهدوء فترة انهيار الدولة السوفييتية وسقوط القوة الأعظم التي يدور في فلكها ونجا بنظامه مما تعرّض له غيره داخلياً وخارجياً، وقَدّم نفسه كشريك للتحالف الدولي في حرب تحرير الكويت وأمّن الغطاء العربي لها مع الرئيس المصري مبارك.

ساهم في تأمين كامل لحدود إسرائيل الشمالية من رأس الناقورة غرباً وصولاً للجولان شرقاً عبر حزب الله في لبنان واحترامه لاتفاقية الهدنة مع دولة الاحتلال التي وقّعها بوساطة كيسنجرية عام 1974.

وكان الأسد الأب يُقدّم نفسه كنظام وظيفي وبسبب وجود إسرائيل وعدائه للحركات الاسلامية فإنه كان ركن من أركان المنظومة الأمنية للمنطقة لا يمكن التضحية به مع كل عِلّاته.

وسار الأسد الوريث على نفس مسار أبيه، فقتل رفيق الحريري وتمت معاقبته لخروجه عن السياق بإخراج جيشه من لبنان كرهاً، وانخرط أكثر في تحالف أقليات يَمتدّ من طهران إلى لبنان كان الغرب راضياً عن ذلك التحالف.

أزعج نظام الأسد الولايات المتحدة بدعمه لجزء من المقاومة العراقية السنية التي أنزلت خسائر بشرية كبيرة بالجنود الأمريكان ولكن تلك المقاومة كانت تخدم المشروع الإيراني، إذ لا أفق سياسي لها بالاشتراك بعملية سياسية أسوةً بالشيعة والكرد.

وكان إفشال الغزو الأمريكي للعراق (لعدم نقل التجربة لسوريا) هدفه الأول، والاشتراك في تحطيم المكون السني في العراق هدفه الثاني.

وبما أنّه يجيد المراوغة واغتنام الفرص واللعب على التناقضات، فقد خرج الأسد سالماً من قضية مقتل الحريري وإزعاج الأمريكان في العراق والسعي لامتلاك مفاعل وبرنامج سري نووي.

ولأن الطريق الوحيد لبقائه في السلطة وقمع ثورة الشعب السوري ضِده أسرف الأسد باستعماله العنف ضد المنتفضين ضده، حيث كان يُدرك أن لا قيود وضعت عليه باختيار نوعية وكمية العنف التي يريد استعمالها، ووفق الخط الذي انتهجه منذ بداية الثورة بأنّ الانتصار الكامل على الشعب وهزيمته هزيمة مُنكرة هي السبيل الوحيد له، وقد قتل من الحاشية كُلّ من كان له رأي ليس مُخالفاً بل يرى تحقيق نفس الأهداف بطرق وأساليب أخرى وتفجير خلية الأزمة مثال على هذا النهج.

وكان الأسد متوهماً أنه يفهم اللعبة الدولية جيداً وهو لم يفعل أكثر مما فعل والده في حماة 1982 وتناسى العالم تلك المجزرة، ولم تتم محاسبته عليها، حيث يُدرك أنّ للدول الفاعلة مصالح وهو يقوم بتلبيتها على أكمل وجه.

أعتقد أنّ التخام الأمريكي – الروسي في الملف السوري وتطبيق الممكن من القرارات الدولية سوف يُنتج حلاً سياسياً في سوريا بصبغة روسية ترضى عنها واشنطن تُحقّق استقراراً نسبياً في سوريا وعدم إقصاء أي طرف بمعنى لا حل عسكري في سوريا يُنتج حلاً سياسياً يفرضه المنتصرون في الميدان، وتؤدي أيّ عملية سياسية إلى إزاحة تدريجية للأسد من المشهد.

لكن القطيعة الأمريكية مع الأسد تَجلّت بعد ذلك بحيث أصبح استمراره في السلطة من خطوطها الحمراء في مستقبل العملية السياسية.

فَشِلَ التخادم الروسي/الأمريكي في سوريا وذلك لمحاولة الروس ابتلاع حصتهم وحصص غيرهم، ولم تكن الموافقة الأمريكية على التدخل العسكري الروسي شيك على بياض إنما بشروط أمريكية.

إنّ انهيار التفاهم الإيراني – الأمريكي والذي تجلّى بانسحاب الرئيس ترامب من الاتفاقية النووية.

كل ذلك أدّى لإخراج الأمريكان ورقتهم الذهبية التي كانوا يحتفظون بها منذ 2014 مكتملة من ناحية التدقيق والتأكّد من صحة المعلومات الواردة فيها، إنه قانون قيصر الذي يتهم الأسد بارتكاب أفظع المجازر بِحقّ معارضيه وتَمّ التسريع بإصدار القانون الذي سيمنع أي تعويم للأسد فيما بعد.

بالتأكيد يدرك الأسد خطورة قانون قيصر ومن ثم قانون كبتاغون الأسد وغيره من القرارات والعقوبات والتقارير الأممية التي تفرض عقوبات اقتصادية عليه وعلى من يتعاون معه، وتُقدّم التقارير الأممية أدلة دامغة على جرائم بِحقّ الإنسانية ارتكبها ضِدّ معارضيه واستخدامه للأسلحة الكيماوية مرات عديدة ضد المدنيين.

ويعلم الأسد أنّ القرار الأمريكي وازن ورئيسي في مستقبله لكنه بالتأكيد سيستمر في التحايل على مخرجات القوانين تلك وله باع وخبرة في ذلك، ولكنّه بالتأكيد يَتحيّن الفرص لنيل الرضى الأمريكي عنه.

وبالتأكيد القطيعة الأمريكية – الروسية لا تخدمه أبداً في هذا المجال بل حتى خاب أمله أكثر ليس بسبب عدم التوصل لصفقة إيرانية – أمريكية بخصوص الملف النووي فحسب بل بتبلور قطيعة إيرانية – أمريكية لآخر خيوط التخادم بينهما وخوض حرب مع أذرع الحرس الثوري على مستوى الإقليم كله ليس بعيداً جداً أن تصل تلك الحرب إلى إيران نفسها.

ويعلم الأسد أنّ مصلحته الحقيقية هي في التفاهم مع أمريكا وحلفائها، فقد قَدّم الروس والإيرانيون ما يقدرون عليه وهو حمايته من السقوط بتغيير موازين قوى على الأرض أتاحت له السيطرة على مناطق واسعة من سوريا، لكنهما لا يستطيعان تقديم أي منجز سياسي أو اقتصادي له وهو الآن بأمسّ الحاجة إلى تلك المنجزات بعد أن اطمأن لعدم السقوط.

ويعلم أنّ العرب والترك لن يستطيعوا تقديم المنجزات التي عجز عنها الروس والإيرانيون، ليس لعدم قدرتهم بل لأنّ لا فائدة تُرتَجى منه أولاً، ولعدم إغضابهم للحليف الأمريكي القوي لهم فهو لا يتهاون بالخروقات الكبرى أو الرئيسية في الجدران التي أحاط بها النظام.

حتى إنّ استشراس الأسد بتهريب الكبتاغون للدول العربية بعد إعادة نظامه للجامعة العربية يعود إلى خيبة أمله من عدم خرق العرب للفيتو الامريكي القيصري عليه وعدم استعدادهم للطلب من الولايات المتحدة تخفيف العقوبات عليه او غَضّ النظر الطويل الأمد عنه.

وإذ تُؤكّد الولايات المتحدة موقفها الصارم من النظام وتُرسل الرسائل لمن يرغب فقد تَمّ مُؤخراً تمرير قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد عبر مجلس النواب بأغلبية ساحقة من الحزبين وبالتالي تعبيد الطريق أمام القانون للمرور من مجلس الشيوخ ثم البيت الابيض ليصبح سيفاً أمريكياً مُسلطاً إضافةً للسيوف والرماح الأخرى، والتي تُشحذ لقطع رأس الأسد وضرب من يحاول مَدّ اليد إليه.

وتلك هي النهاية المحتومة للأنظمة التي تولغ في دماء شعوبها عندما يتم التلاقي بين الإرادة الشعبية للتغيير مع القرار الدولي والمصلحة الدولية يحصل ذلك وليس بعيداً انعكاس كل التحولات الجيوسياسية الكبرى في العالم والمنطقة سلباً عليه.

2 التعليقات
  1. Md khalifa says

    القوانين الأمريكية باختلاف مسمياتها ،بدون إجراءات تنفيذية ، فإنها حبر على ورق ، لاتشكل هاجساً لدى نظام الأسد الذي اطمأن إلى السيطرة على دمشق – مركز القرار – ، ويعمل على استعادة دوره في المحيط الإقليمي .

  2. رفعت عامر says

    مقال هام جدا ويستحق التوقف عند كل كلمة في توصيف النظام السوري وتحليل بنيته انه غوص عميق بصيد ثمين.
    شكر لجهودك دكتور باسل

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني