واقع المرأة شمال شرق سوريا في ظل قسد
تعتبر القضية النسوية، وسعيها لنيل حقوقها، وواقعها من الجوانب كافة، في المجتمعات الشرق أوسطية على اختلاف قومياتها وأطيافها وأديانها أبرز القضايا الإشكالية التي تؤثر في المجتمع ككل وشكل النظام السياسي. وهي في سعي دائم لنيل حقوقها، ورفع الظلم عنها. والمرأة السورية عموماً عانت خلال الأنظمة السابقة من الظلم والاضطهاد والتهميش، ونالت المرأة في شمال وشرق سوريا المعاناة المضاعفة. كون المنطقة بكل أطيافها مهملة من قبل النظام وهي منطقة قبلية عشائرية تسودها العقلية الذكورية القائمة على النظر إلى المرأة بأنها ضلع قاصر، وهي رمز لشرف العائلة وسمعتها. لذا ما إن هبت الثورة السورية حتى هبت معها النسوة لكسر قيودهن، والمطالبة بإسقاط الظلم عنهن.مع الهتاف بإسقاط النظام. فملأن الساحات بالتظاهرات وبدأت الحركات والتنظيمات النسائية بالازدياد مع الازدياد المتواصل لأعضائها من مكونات المنطقة على اختلافها من كرد وعرب وسريان، تعنى بالشأن النسائي العام، وتمكين المرأة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، من خلال الدورات وورشات العمل ودعمها نفسياً واجتماعياً وتوعيتها، وتنمية مهاراتها وقدراتها، ونشر ثقافة المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وترسيخ مبدأ العدالة والديمقراطية، والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ومشاركتها في صنع القرار في سوريا المستقبل. وزاد عدد هذه التنظيمات عن 28 نذكر منها (اتحاد ستار، اتحاد نساء كردستان، الاتحاد النسائي رودز، شبكة المرأة السورية، نساء شمس، شبكة المرأة الديمقراطية، منظمة جيان للمرأة، جمعية المرأة الكردية، مبادرة نساء سوريات من أجل السلام والديمقراطية، توليب لدعم المرأة والطفل، شبكة الصحفيات السوريات، جمعية جودي للإغاثة، جمعية بهار للإغاثة، منظمة كليلك، اللجنة الكردية للدفاع عن المعنفات…) كما ازدادت نسبة مشاركة المرأة في الأنشطة والفعاليات وفي المجالات كافة. لكن مع سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المنطقة وتأسيس ما يسمى (الإدارة الذاتية) بمشاركة الأحزاب والعشائر والشخصيات الموالية من مكونات المنطقة، تمت مصادرة الثورة وكل ما نتج عنها على أرض الواقع. الإدارة التي رفعت شعار ثورتنا هي ثورة المرأة لتبدأ بها استغلال المرأة، وتحشيدها وفق أجندتها. لإدراك الإدارة أن المرأة هي عصب الأسرة اللبنة الأساسية في المجتمع فإن تمكنت منها سيطرت على المجتمع كافة ووجهته وفق مصالحها وأيديولوجياتها. وقد نص ما يسمى (ميثاق العقد الاجتماعي) لسلطة الأمر الواقع في مادته:
27- للمرأة الحق في ممارسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومجالات الحياة كافة.
28- للمرأة الحق في تنظيم نفسها وحمايتها من كل أشكال التمييز على أساس الجنس.
كما تم إصدار قانون المرأة من قبل المجلس التشريعي لسلطة قسد والذي تتضمن مواده حماية المرأة، وحقوقها، ومنع تعدد الزوجات، ومنع تزويج القاصرات، لكن مع ذلك تم استمرار اختطاف القاصرات وتجنيدهن بل لجأت الكثير من العائلات للهجرة أو إجبار بناتهن على ترك الدراسة وتزويجهن خوفاً من تجنيدهن وكثرت نسب الطلاق نتيجة ذلك وزاد عدد الفتيات الكبيرات في السن اللاتي يعرفن بالعانسات نتيجة منع الزواج أو كثرة هجرة الشباب واستشهادهم في ساحات القتال. لتأتي الإدارة وتتحدث عن تجربتها الرائدة في بناء قرية لهذه الفتيات، بعيداً عن كنف العائلة، معظم قاطنيها من الفتيات أو الأرامل، مبنية من غرف طينية بدائية تعمل النسوة فيها بالزراعة والخياطة والمهن النسائية كنوع من إدارة الذات وتسمى القرية (jin war) موطن النساء.
وفي عام 2012 قام حزب الاتحاد الديمقراطي بتأسيس وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وهي وحدات عسكرية تضم مقاتلين ومقاتلات من الكرد والعرب والسريان للدفاع عن المنطقة بالإضافة للأسايش والسوتورو لتظهر نفسها بصورة يسارية علمانية ديمقراطية للغرب وتتلقى منهم التأييد والدعم. ولم تنل تلك المقاتلات اللاتي زج بهن في معارك شرسة إلا شظف العيش والاغتصاب والقتل والتمثيل بجثثهن.
وطالبت سلطة الأمر الواقع بترخيص جميع المنظمات والاتحادات النسائية وعدم السماح لمن لا يدور في فلكها في مزاولة أنشطتها وتم تأسيس هذه الحركات النسائية وتوجيهها وفق مقتضياتها. كما تم تعيين امرأة إلى جانب كل رجل في كل إدارات وهيئات الإدارة من باب التشاركية دون مراعاة لإمكاناتها ومناسبتها للمكان، فأصبحت وبالاً عليه بدلاً أن تكون عنصراً مساهماً في بناء المجتمع وتطويره.
وتخضع الكثير من العاملات في إدارات وهيئات سلطة الأمر الواقع إلى دورات تدريبية وفكرية وعسكرية مغلقة تزيد مدتها عن 15 يوماً وبعضها لأكثر من ستة أشهر تتغيب خلالها عن البيت والأسرة حتى لو كانت متزوجة وأماً لأطفال بحاجة لرعايتها وعنايتها وتربيتها. كما عمدت سلطة الأمر الواقع على تشجيع النساء على المطالبة بحقوقهم وحريتهم وفتحت مكاتب الأسايش وبيت الشعب للشكوى لمن يتعرض لهن. فكثرت الدعاوى والشكاوى وحالات الطلاق وسجن الأزواج والإخوة. وأصبحت المرأة تهدد ذويها بالأسايش. فقد استخدمت بعض النساء هذا الحق بشكل سيء.
وحول كل ما سبق ترى (الكاتبة شمس عنتر) “أنّ الحراك الثّوريّ كان يرحب بوجود النّساء في بداية الثّورة، وبرزت أسماءٌ نسائيّةٌ ذات دورٍ فاعلٍ، شكّلن المنظّمات والجمعيات وكان لهنّ حضورٌ متميّزٌ في الأطر السّياسيّة المعارضة. لكن تراجع هذا الدّور بدل أن يتقدّم والأسباب عديدةٌ أهمّها، العسكرة وظهور التّيارات المتطرفة.. وكذلك الثّقافة الجمعيّة وأسبابٌ متعلّقةٌ بالمرأة نفسها وهيمنة الفكر الذّكوريّ، ما أدّى إلى تراجع عدد النّساء المشاركات في الحياة السّياسيّة وخاصّة في مراكز صُنع القرار.
وتقول شمس “تلك النّظرة الدّونيّة إليهنّ لم تتلاشى وتطوّرت قليلاً لترى فيهنّ حمَامَات سلامٍ، وربّما استكمالٌ شكليٌّ وعدم الاعتماد على آرائهنّ”.
وترى عنتر أنّ الحاجة ملحةٌ جداً إلى إدماج المرأة إلى جانب الرّجل في رسم سياسات واستراتيجيّات الحلّ السّياسيّ في سوريا حتّى تكون العمليّة السّياسيّة مكتملة.
وترى أن النساء ما زلن يواجهن استغلالاً كبيراً، وتمييزاً على أساس الجنس، وأشكالاً نمطيّة، وما التحوّل الحاصل سوى تحوّل في أدوات وأشكال الاستغلال. فالنساء كنّ يُستغلن في المجتمع، والعائلة، والزواج، فضلاً عن قضايا أخرى مُختلفة. وبرز استغلالٌ ما، من خلال فُرصِ العمل، واستخدامِ النساءِ كواجهةٍ إعلاميّة في مجالات العمل المختلفة”.
وترى (نجاح هيفو) “أن سلطة الأمر الواقع تعتمد في أفكارِها الأيديولوجيّة على حقوقِ المرأة؛ كركيزةٍ أساسيّة لأفكارِها ومُعتقداتها ونشاطِها، في شمال وشرق سوريا، غير أنّ هذه الأفكار والمُعتقدات، وما تفعلهُ سلطة الأمر الواقع، ما تزالُ منقوصة، وربّما مَردُّ هذا إلى سببين رئيسين؛ أوّلهما أنّ جزءاً من العقليّة الذكوريّة التي تُدير المُجتمع، فعّالٌ في مؤسّسات سلطة الأمر الواقع أيضاً، والسبب الثاني هو أنّ قوانين سلطة الأمر الواقع، المتعلقة بالنساء، ما تزال غير مُكتملة، وأن بعضها يحتمل وجهين؛ ربّما تتحوّل إلى عقابٍ للنساء وليس حمايةً لهنّ.
كذلك، فإنّ سلطة الأمر الواقع حتّى الآن لم تتمكّن من سنّ قوانين لكاملِ قضايا النساء، ولا تزال الشروط والضوابط الاجتماعيّة والعرفية تلعب دوراً كبيراً؛ فحتّى الآن ليس ثمّة قانون لتجريم التحرّش على سبيل المثال، وفي قانونِ منع تعدّد الزوجات ثمّة إشكاليّة أن يولَد طفلٌ مجهول النَّسَب. هذه الأخطاء تعودُ حتماً إلى نقصٍ في الخبرةِ القانونيّة وقِصَرِ تجربةِ سلطة الأمر الواقع، الّتي بكلّ تأكيد هي الأفضل في هذا الملفّ على المستوى السوريّ العام، لكنها ليست كذلك على مستوى الحقوقِ والواجبات.
الباحثة والناشطة الحقوقية، ميديا محمود “هذه المنظمات فشلت في خلق حراك نسوي”، واستمرار أيّ عمل يحتاج إلى تمويل ثابت وهو ما لا تصل إليه أي منظمة إلا إذا كانت تابعة للكتل السياسية”.
وترى محمود، أنّ السبب الأهم لفشل عملها هو استلاب المجتمع المدني عموماً والتنظيمات النسائية خاصةً من قبل الجماعة السياسية، وشدّدت أنّ حقوق المرأة جزء من حقوق الإنسان، وعلّقت: “فمن ينتهك حقوق الإنسان عامة لا يمكن أن يصون حقوق المرأة، ومن لا يؤمن بالتعددية، لا يمكن أن ينظر بعين الاعتبار إلى تنظيمات لا تتبعه أيديولوجياً”، في إشارة منها إلى انتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية.
ولفتت ميديا النظر إلى أنّ التدخلات الحزبية لعبت أدواراً شديدة السلبية في تشكيلها، وعلّقت قائلة: “لا أستطيع استيعاب أن تكون منظمة نسوية تابعة لحزب سياسي! لا يجوز أدلجة أو تسييس واقع المرأة في المجتمع”.
واقع المرأة الذي يراد تجميله وإظهاره بأبهى صور التشاركية والديمقراطية في مناطق سلطة الأمر الواقع سيعود وبالاً عليها وعلى المجتمع في المستقبل إن لم يتم تصحيح مسار هذه النهضة النسوية.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”