هل سيقطع الحزام السنّي العشائري الهلال الشيعي؟
كان الرئيس الروسي بطموحاته المعلنة باستعادة روسيا لمكانة الإتحاد السوفييتي المهزوم في الحرب الباردة، كشريك رئيسي في قيادة النظام الدولي، وإن لم تقبل الولايات المتحدة بذلك (وهي لم تقبل) فكان على الرئيس بوتين هدم ذلك النظام وبناء نظام دولي جديد تفرض روسيا فيه نفسها شريكاً رئيسياً.
والتوجّه العدواني لبوتين لم تكن لتخطئه الأعين، فقد بنى سلطته الأحادية الفردية بالداخل وكان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وشَنّ خمسة حروب خلال 20 عاماً آخرها الجارية حالياً في أوكرانيا، التي أراد بها إخضاع القارة العجوز لإرادته وفصلها عن حليفها الأطلسي في الغرب، بحيث تعود الولايات المتحدة إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى وتبقى معزولة بجزيرتها الأمريكية الكبيرة.
ويبدو أنّ الولايات المتحدة كانت تقرأ جيداً تحركات بوتين وكان الرئيس الروسي غير مبال نظراً لغطرسته وثقته بقدرات بلده وبتقديراته السياسية.
يقول وليم بيرنز مدير الـ CIA في محاضرة له في لندن مؤخراً، إنّ الرئيس الروسي ومعاونيه بدوا غير مكترثين أثناء اجتماعه بهم موفداً من قبل الرئيس الأمريكي في تشرين أول 2021 أثناء رصد حشود روسية عسكرية روسية ضخمة على حدود أوكرانيا مع تزايد التصريحات العدائية الروسية تجاه جارتها، حيث أبدوا عدم اكتراثهم لما قال بيرنز، غير مبالين بأنّ الولايات المتحدة تملك معلومات دقيقة عن نِيّتهم شَنّ الحرب.
وتُدرك الدول أنّ الحكمة تقتضي منها في الدخول بحرب واحدة وتركيز الجهود عليها لكسبها، وبما أنّ المجزرة مستمرة بالجيش الروسي في أوكرانيا وينتقل هذا الجيش من فشل لآخر، والتحالف الغربي الداعم لأوكرانيا بأفضل حالاته وبرز ذلك جلياً في قمة الناتو الأخيرة في ليتوانيا.
وبهكذا ظروف وإزاء التقهقر الروسي والاستنزاف الكبير فإنه يتوجب عليه وعلى حليفيه الرئيسيين (الصين وايران) محاولة تشتيت الجهود الغربية والهروب للأمام عبر افتعال أزمات داخل دول التحالف الغربي (وقد فشلت الرهانات الروسية بصعوبة باستحالة استغناء أوربة عن الطاقة الروسية) حيث تجاوزت تلك الدول الأزمة ولم تحدث اضطرابات أو احتجاجات داخلية.
أو بإيقاظ صراعات خامدة أو تفجير بؤر ملتهبة مزمنة يكون فيها الجمر تحت الرماد، أما الدول الغربية التي تُذيق الروس الويلات في الجبهات العسكرية بل وتزيد أيضاً من تآكل الوضع الداخلي الروسي بفعل العقوبات، فلا مصلحة لها بأي حرب أو صراع خارج الجهة التي ينوون تحقيق النصر فيها، وبالطبع الحرب في أوكرانيا صفرية لا تقبل أي تسوية ولابد من مُنتصر ومهزوم فيها.
وتتردد أخبار ويتم تسريب دراسات وخرائط عن نِيّة الولايات المتحدة بالاعتماد على حلفاء محليين على الأرض من إنشاء ما بات يُعرف بالحزام السني العشائري العربي استناداً لتدريبات مكثفة ونوعية يقوم بها الجيش الأمريكي في قاعدة التنف ورفع السوية القتالية لجيش سورية الحرة، وإلى بعض الاتصالات التي تَمّت مع قوات عربية للعشائر كقوات الصناديد ولواء ثوار الرقة وبعض القوى الأخرى، وزيادة تعزيز الولايات المتحدة لقواعدها شرق الفرات بأسلحة نوعية لم تكن موجودة ولا يُمكن تبرير وجودها بسردية الحرب على داعش، كمنظومات هايمارس الصاروخية وعربات برادلي القتالية المصفحة.
إضافة للحشد الأمريكي للسلاح النوعي بالمنطقة حيث تم سابقاً نشر مقاتلات F22 في الأردن وإرسال الغواصة US فيرجينيا ومؤخراً تم وصول طائرات من الجيل الخامس F35 وF16K إضافة لدخول حاملة الطائرات أبراهام لينكولن لمياه الخليج العربي.
يربط بعضهم بين كل تلك الوقائع بهدف إغلاق الممر البري بين سورية والعراق والذي عملياً سيعزل الميليشيا التابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان عن تلك الموجودة في العراق وإيران، وهذه ضربة قاصمة لقدرة الحرس الثوري الإيراني على إمكانية شَنّ حرب كبيرة أو طعناً بنظريته المعلنة بِتوحّد الجبهات والساحات بتشكيله لقواته المتواصلة جغرافياً ويصلها الإمداد (البشري واللوجستي) بشكل سهل.
أهم الأسباب التي تحول دون قيام الولايات المتحدة بتلك العملية
- إنّ الهمّ الرئيسي للوجود الروسي في سوريا، الذي تتراجع فعاليته ولا يقدر على فتح أي معركة بمفرده، مُراده هو أن تتورط الولايات المتحدة وإيران بحرب تُشغل أمريكا وتُضعف تركيزها عن الجبهة الأوكرانية، ولا مصلحة لإيران بالطبع بوضع نفسها أمام الجحيم الأمريكي طالما أن الولايات المتحدة لا تنوي مضايقتها بل العكس إنّ الإستراتيجية الإيرانية هي الضغط عبر وكلائها لإحداث انسحاب أمريكي من سورية على غرار الانسحاب الأمريكي من العراق 2011.
- بما أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن في الثلث الأخير من ولايته الأولى وقد أعرب عن رغبته بترشحه لولاية رئاسية جديدة فإنه في العُرف الأمريكي يُقال عنه إنه بطة عرجاء تكون قراراته الكبرى لا تتناقض مع المزاج الشعبي بل يراعيه لأبعد الحدود، وبما أنّ الولايات المتحدة مُشتبكة بحرب كبرى مع روسيا فما هو المبرر الذي سيسوقه للناخب الأمريكي لتبرير فتح جبهة أخرى في منطقة يُردد الأمريكان بأنها ليست من أولوياتهم.
- سيترتب على صانع قرار الحرب الأمريكي الأخذ بكل الاحتمالات، وهي رَدّ فعل عنيف من أذرع الحرس الثوري في الإقليم حيث من الممكن استهداف إسرائيل من لبنان أو من غزة والمجازفة بإشعال حرب لا مبرر لها، ومن الممكن للحرس الثوري الإيراني تعطيل حركة الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز بالذات واستهداف ناقلات نفط، الأمر الذي سيؤدي لارتفاع هائل في أسعار الخام الأسود، بل من الممكن وقوع قتلى أمريكان بالقواعد في شرق الفرات أو باستهداف قواعد أخرى في الأردن أو مياه الخليج العربي.
- لا تملك الولايات المتحدة علاقات جيدة مع أصدقائها التقليديين في المنطقة بل العلاقات متوترة إن لم نقل سيئة (مصر، السعودية، الإمارات، تركيا، دولة الاحتلال الإسرائيلي)، وهذه ظروف غير مواتية لشن حرب في المنطقة.
- في ظل رفض قسد المعلن مشاركتها بأيّ حرب مع الميليشيات الإيرانية، فإنّ القوات المحلية على الأرض المُرشّح مشاركتها بالعملية قليلة العدد لا تكفي لا للإمساك بالأرض ولا حتى الدفاع عما تم تحريره من الميليشيا الإيرانية المتفوقة عددياً ولوجستياً وتملك مهارات معروفة باستخدام الطيران المسير، كما أنّ ميليشيا الحشد الشعبي (الشيعي) العراقية الموجودة في الطرف العراقي من الحدود ستدخل المعركة بالتأكيد وعديدها يصل لربع مليون مقاتل.
وبما أنّ الاتصالات الأمريكية الإيرانية عبر سلطنة عمان هي متعثرة وليست مقطوعة.. ولم يتم طَيّ صفحة الوصول لتفاهم إيراني أمريكي (مؤقت على الأقل) ومازالت الوساطة العمانية قائمة، فإنّ كل الحشد الأمريكي العسكري والإعلامي ممكن أن تكون غايته:
- تقوية أوراق الولايات المتحدة التفاوضية مع إيران
- ردع عسكري ذو مصداقية من أنّ أي تحرش بالقواعد الأمريكية سَيُجابه بِردّ فعل مُدمّر يشابه رَدّ الفعل الأمريكي بتصفية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس عندما كانا يخططان لاحتلال السفارة الأمريكية في بغداد عبر ميليشيا مدربة من حزب الله اللبناني.
- قد تقوم الولايات المتحدة كتوع من الضغط على الميليشيات الإيرانية بتوسيع الأرض الحرام لقاعدة التنف من 55 كم إلى حدود 100 كم مثلاً، وذلك لتغيير قواعد الاشتباك وتأمين القاعدة وإرسال رسالة بأنّ القوات الأمريكية باقية في سورية وتتمدد.. ولا توجد اي فكرة لسحبها في المدى المنظور.
لا شك أن عملية إخراج الميليشيا الإيرانية من سورية هي فكرة مطروحة وتلقى تأييداً من جميع الدول لكن ليس قبل هزيمة روسيا في حربها الأخيرة هزيمة مُنكرة وكسر الظهر الذي تستند عليه إيران، إضافة لضرورة تشكيل تحالف دولي على غرار التحالف الذي جرى إنشاؤه لطرد داعش بل أقوى منه، وقد يكون ذلك بوجود رئيس جمهوري يحكم في البيت الأبيض.