fbpx

هل سيحسم الصراع على السلطة صناديق الانتخابات أم صناديق الذخيرة في الهلال الشيعي؟

0 300

الحشد الشعبي العراقي (الشيعي) والعراق

يقدم العراق نموذجاً واضحاً عن ماهية المشروع الإيراني الذي يحاول نظام الملالي تعميمه أو التبشير به في المنطقة، فقد أدى الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بالرئيس العراقي الراحل عام 2003 إلى سيطرة القوى الموالية لإيران على العملية السياسية برمتها.

كان واضحاً أن الغاية الرئيسية الكبرى هي ربط العراق بمحور إيران الإقليمي سياسيا وجغرافيا وتشكيل ما عرف بالهلال الشيعي بربط سورية ولبنان والعراق بإيران.

عملت إيران خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2021 كل ما تستطيع من محاولة تغيير للهوية الوطنية العراقية أو أي بعد عربي يربط العراق بجواره في سعيها الحثيث لبناء الهوية الشيعية بالمنطقة على حساب الهويات الوطنية تحت ذرائع محاربة الغزو الأمريكي واجتثاث البعث والحرب على القاعدة وداعش تمكن الحرس الثوري الإيراني عبر فصائل مسلحة عقائدية شكلها من الهيمنة الكاملة على العراق (عدا إقليم كردستان) وتماهت الميليشيات بأجهزة الدولة العراقية (وهي سلطة لا تملك أي من مقومات الدولة) بحيث تناوب على رئاسة الوزراء ثلاثة من حزب الدعوة (الجعفري والمالكي لدورتين وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي من المجلس الأعلى الذي لم يكمل ولايته).

خلال 18 عام من السيطرة المطلقة على العراق، تم نهب ثروات ذلك البلد الغني وشيوع الفساد المحمي بإرهاب سلاح الميليشيات. ولم يتم تقديم أي نموذج اقتصادي أو خدمات ووصل الاستياء الشعبي إلى ذروته عبر انطلاق احتجاجات مدنية سلمية (يسميها البعض ثورة) للاعتراض على كل النموذج الذي تم تقديمه منذ 2003 إلى انطلاق الثورة التشرينية في 2019 حيث لم تستطيع الحكومات الفاسدة (والتي هي أداة بيد المبليشيا الموالية لإيران) من تقديم الحد الادنى من الخدمات الاساسية المتمثلة بتوفير الماء والكهرباء وفرص العمل الخ…إضافة إلى بطلان زيف الشعارات المذهبية الدينية التي ملها الشيعة العراقيون والتي كانت تهدف بالأساس إلى سيطرة سياسية ودينية على الشيعة العرب تحت مسمى ولاية الفقيه الذي لا يؤمن به أغلبية العراقيون ويقلدون مراجع عرب أهمها آية الله السيستاني وغيره.

انطلقت ثورة تشرين كرفض للواقع الحالي الذي يكرسه سيطرة إيران على العراق وما جعلها قوية هو تمركز ثقلها الرئيس بوسط وجنوب العراق من السكان الشيعة بالأساس هذا الرفض الشعبي للمشروع الإيراني وأذرعه وسياساته قوبل بمنتهى القسوة والعنف المفرط، حيث تمكنت فصائل الحشد الشعبي وبعض أجهزة الأمن العراقية الموالية أو المخترقة من تلك الفصائل من قتل أكثر من 800 عراقي مدني بدم بارد وجرح أكثر من 30 ألف، لوأد هذه الصرخة التي هزت المشروع الإيراني من عمقه الشعبي المفترض، وكان المشرف على القمع بشكل مباشر هو المقبور قاسم سليماني الذي هندس كل المشروع المرفوض شعبياً.

وبعد مضي أسبوعين على انطلاق ثورة أو احتجاجات تشرين بالعراق وصلت الشرارة إلى لبنان التي تعاني تقريباً من نفس الظروف والتي يمثلها سيطرة حزب الله على السلطة وفرض إرادته على كل الدولة اللبنانية وبشكل مطلق خاصة بعد انسحاب قوات النظام السوري بعد مقتل الرئيس الحريري.

شكل مقتل سليماني والمهندس وافتقاد المشروع الإيراني بالمنطقة عموماً وبالعراق خصوصاً ارتباكاً وضعفاً بدا واضحاً على أدوات المشروع كله بسب الافتقاد للكاريزما القيادية والشخصية القوية التي يخشاها الجميع.

سبب غياب سليماني وتصاعد ثورة تشرين إلى تراجع في سيطرة ميليشيا الحشد الولائية فتمت إزاحة عادل عبد المهدى، وتبوأ رئاسة الحكومة السيد مصطفى الكاظمي الآتي من رئاسة المخابرات العراقية علماً أنه ليس عضواً في البرلمان ولا ينتمي لأية كتلة أو تيار أو حزب.

وتم اعتبار ذلك التحول كأحد منجزات ثورة تشرين وكان الهدف المعلن للكاظمي هو قيادة البلد لانتخابات برلمانية في 10/10/.2021

جرت الانتخابات في ظل مقاطعة مدنية من جمهور ثورة تشرين لظنهم أن تلك الفصائل المتغلغلة بكل مفاصل الدولة العراقية ستعمل على تزوير النتائج وإرادة الناخبين، وحصلت المفاجأة الكبرى، إذ إفرزت نتائج التصويت خسارة مذلة ومدوية للفصائل المحسوبة على إيران حيث لم تتمكن من حصد أكثر من 15 مقعداً مقابل 75 مقعداً في الدورة الماضية.

وفاز التيار الصدري بـ 73 مقعداً ما جعله الكتلة الشعبية الأكبر التي ستسمي رئيس الوزراء المقبل ببعض التحالفات مع كتل السنة والأكراد.

ولم يخف مقتدى الصدر شروطه بأنه متجه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية وليس توافقية بمعنى سيتم إقصاء التيار الموالي لإيران الذي عرف بالإطار التنسيقي الشيعي ومن ضمنه زعامات تاريخية موالية لإيران كنوري المالكي وهادي العامري وغيرهم.

أهم شروط التيار الصدري للمرحلة المقبلة

يعرف عن مقتدى الصدر أنه رجل لا يمكن ضبطه ولا يمكن تجاوزه وهو عنيد وصدامي ويعتبر نفسه أباً للعراقيين جميعاً، ويمثل حالة شيعية عراقية عربية ولا يخفي رغبته بخلافة السيستاني كمرجعية دينية عربية.

1- كما تمت الإشارة أن الصدر ذاهب لتشكيل حكومة أغلبية وطنية تقصي الإطار التنسيقي من العملية السياسية برمتها الأمر الذي يتيح له تنظيف أجهزة الدولة العراقية من الاختراقات الميليشياوية التي تمت خلال الثمانية عشر عاماً الماضية، حيث تصنف تلك المؤسسات أو الوزارات بأنها حرس ثوري إيراني.

2- أعلن الصدر منذ اليوم الأول لإعلان فوزه أنه لن يقبل بوجود أي سلاح خارج الدولة وسيبدأ بنفسه بحل ميليشيات جيش المهدي وتسليم سلاحها للدولة وأنه يجب حل جميع الميليشيات الأخرى دفعة واحدة وتسليم كامل سلاحها للدولة.

3- وألمح إلى ضرورة حل هيئة الحشد الشعبي المرتبطة بالدولة، التي تكلف الدولة العراقية سنوياً ملياري دولار كرواتب فقط.

يجب الإشارة إلى أن الميليشيات الولائية لا تستطيع تحدي الصدر كما فعلت في عام 2010 عندما فاز إياد علاوي بالكتلة الأكبر لكن نوري المالكي شكل الحكومة.

الصدر فاز بأصوات الشيعة فقط بينما كانت الكتلة الناخبة الأكبر لإياد علاوي سنية، ولا يملك علاوي ميليشيات لمواجهة ميليشيات المالكي وحلفائه.

طبعاً حاول الحشد الشعبي إفشال نتائج الانتخابات العراقية عبر احتجاجات شعبية مسلحة وأعمال عنف وقطع شوارع، وعبر سلوكه الطرق القانونية من اعتراضات وادعاء بالتزوير وأيضاً قيامه بعمليات قتل طائفية، وتبني داعش لها لترهيب الشعب والإيحاء له أن سلاح الحشد هو من يحميكم ضد داعش، وتوجها مؤخراً بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي وقائد الجيش والقوات المسلحة بمنزله بطائرات مسيرة إيرانية، ولم يفلح بخلق جو يؤدي لإلغاء تلك النتائج.

يبدو أن القيادة الإيرانية استكانت للقبول بتشكيل حكومة عراقية بقيادة التيار الصدري ومتوقع أن يكون على رأسها مصطفى الكاظمي بعد فشل محاولات الحشد تلك، ومحاولة التخفيف من آثارها خوفاً من انبعاث ثورة تشرين ثانية تكون أكبر وأوسع من الأولى، وخوفاً من تحول الصراع الشيعي – الشيعي الجاري الآن إلى حرب شيعية – شيعية تنهي أو تضعف نفوذ الشيعة وتحول العراق بنتيجتها إلى دولة معادية لإيران وبالتالي خروج العراق تماماً من محور إيران الإقليمي.

حزب الله ولبنان

لا يبدو أن وضع الحزب بلبنان أفضل حالاً من وضع الحشد بالعراق، حيث يعاني الحزب من نقمة شعبية هائلة من حاضنته الشيعية وبقية الطوائف باعتباره المسؤول الأول عما آلت إليه البلاد لأنه الحاكم الفعلي للبلد وما بقية السلطة الفاسدة إلى كومبارس عنده وهو الشعار الذي رفعته ثورة تشرين كلن يعني كلن طبعاً وحزب الله أولهم.

الانهيار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وعلى كل الصعد هو انهيار غير مسبوق لدولة كانت ناجحة وتسمى سويسرا الشرق، وكانت تمثل ذات يوم مطبعة ومصحة ومكان راحة واستجمام ومكان لوضع المال في البنوك وكان النموذج اللبناني في الحكم وتمتع الشعب بقسط من الحرية لا يتوفر في بلاد العرب، يجعل منه على كل علاته تجربة ناجحة يفضلون الاحتذاء بها.

كان واضحاً للحزب تململ أو تذمر حاضنته الشيعية من مآلات الحالة الاقتصادية، فحاول إجراء بعض الإصلاحات الشكلية بتوفير بعض السلع الغذائية الإيرانية الصنع، سيئة الجودة واستقدام بعض ناقلات النفط الإيرانية إلا أن ذلك لن يغير في جوهر المشكلة.

إذ تقدر المصادر أن عدد الأسر الشيعية التي تستفيد من تقديمات الحزب العينية والنقدية وكتلة الرواتب الدولارية لا تتجاوز الـ 20 ألف أسرة فيما تعاني 200 ألف أسرة شيعية لبنانية مما يعانيه اللبنانيون عموماً.

وتقدر كمية الأموال التي فقدتها الطائفة الشيعية غير الحزبية بـ 48 مليار دولار تقريباً وبالتالي يحملون ضمناً الحزب مسؤولية ضياع مدخراتهم.

وقد شاهدوا أمام أعينهم كيف عاقب الشيعة العراقيون فصائل الحشد بالانتخابات ولمسوا فعالية ذلك الإجراء لإنتاج سلطة ليست مثالية بالتأكيد لكنها قد تداوي بعض الجراح وتعيد لبنان إلى محيطه العربي والدولي وتخرج عن عباءة مشروع ولاية الفقيه الذي أوصلها إلى حالتها الراهنة.

بدا في الأشهر الأخيرة حالات الضعف على حزب الله وعدم فعالية قبضته الأمنية فشاهدنا أحداث الطبونة وتجرؤ المدنيين عليه، سبقتها حالات مماثلة في خلدة وحاصبيا بشكل يوحي بتمرد سني ماروني درزي شعبي عليه، لابد أن يتلاقى بالانتخابات القادمة في 15 أيار بالتمرد الشيعي الشعبي من الأغلبية الصامتة والمكلومة، ولن يفوتنا الإشارة إلى نقاط ضعف حزب الله التي خبرها اللبنانيون وهي فشل الحزب بإقالة قاض مدني معين من الدولة ويحقق بتفجير المرفأ.

لم يقدر الحزب لحد الآن على إزاحة القاضي البيطار عن القضية وتنحيه عنها وهو الذي أصدر مذكرات توقيف بحق من كان يظن أنهم خطوط حمراء محسوبين على الحزب من مختلف الطوائف. فأمام الحزب معادلات داخلية وإقليمية ودولية لا يمكنه تجاوزها، إذ إن القوة ليست هي مقدار من تملكه من الأسلحة والرجال ولو صرخت مئة مرة عبر الإعلام بأنك تملك مئة ألف مقاتل مهيكلين ومدربين وجاهزين لتلقي الأوامر.

حركة (مقاومة) وليس حكومة (مقاومة)

أعتقد وفق المعطيات الملموسة لحد الآن (إن لم تحدث مفاجآت غير متوقعة) أن يمنى الحزب بخسارة أكبر من خسارة فصائل الحشد العراقي ويتم إفراز أغلبية نيابية معادية له تشكل هذه الأغلبية حكومة، وتنتخب رئيساً للجمهورية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني