هل تريد إيران “الاتفاق النووي” أم مفاوضات فقط لا تؤدي إليه؟
منذ تولي إدارة الرئيس بايدن للسلطة في بداية عام 2021، سعى إلى تنفيذ وعوده الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق النووي وإصلاح ما أفسده ترامب.
وكانت مسألة العودة الأمريكية إلى الاتفاق من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية (في الشرق الأوسط) وسعت إلى ذلك بتعيين نفس الفريق الأمريكي الذي أنجز اتفاق 2015 وتبوؤ بلينكن وسوليفن لمنصبي وزارة الخارجية ومستشارية الأمن القومي للبيت الأبيض على التوالي، إضافة لوجود أندي شيرمان في منصب معاون وزير الخارجية، ويمكننا القول إن الفريق الأمريكي المسؤول عن الأمن والسياسة الخارجية كله من مؤيدي عودة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة 2015.
جرت ثماني جولات في فيينا كانت الأخيرة منها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وجولة في نهاية شهر حزيران في الدوحة، ثم الجولة الأخيرة في فيينا، التي استمرت أربعة أيام انتهت بالإعلان عن تقديم نص نهائي ومتكامل ولا يقبل من الجانب الأوروبي لكل من الولايات المتحدة وإيران.. وهذا النص الاخير غير قابل للتفاوض عليه او التعديل به وهو بحاجة لجواب نعم.. ام لا..
فيما لم تخف التصريحات الإيرانية حدوث اختراقات، لكنها لا تشاطر الأوروبيين نفس الرؤية، وبالتالي تم التأكيد على دراسته بعناية وصياغة الرد عليه مع التأكيد أن طهران لا تعتبره نهائياً ويمكن التفاوض على بعض نقاطه، مع وجود حاجة إلى جولة جديدة من المفاوضات لابد أنها هامة أيضاً، وهذا يناقض تماماً ما صدر عن مسؤولين أوروبيين مطلعين ومنخرطين في المفاوضات بفيينا.
توقفت المفاوضات السابقة في شهر آذار بسبب شرطين إيرانيين التعجيزيين وهما:
- رفع الحرس الثوري الإيراني عن لوائح الإرهاب الأمريكية.
- ضمان أمريكي مكتوب يضمن عدم أي إدارة أمريكية قادمة من الاتفاق كما فعلت إدارة الرئيس ترامب في أيار 2018.
هذان الشرطان، والأول تحديداً، ليس له علاقة بالاتفاق النووي، وتم تقديمه في آخر جولة عندما قيل إن الأطراف توصلت لصيغة شبه نهائية وإن حفل التوقيع النهائي قد تم تحديد زمانه ومكانه.
لا يستطيع الرئيس الأمريكي بالتأكيد رفع الحرس الثوري عن لوائح الإرهاب لأن ذلك سيلقى معارضة من كلا الحزبين الأمريكيين.
ولا يتمكن الرئيس الأمريكي من تقديم أية ضمانة قانونية تمنع إدارة لاحقة من الخروج من الاتفاق، فالاتفاق ليس معاهدة تلزم أي رئيس أمريكي.
ماذا يريد كل طرف؟
- الاتحاد الأوروبي صاحب المبادرة الأخيرة، والنص الذي قدمه يهدف للاستفادة من الطاقة الإيرانية (الغاز والنفط) بعد وصولها للأسواق العالمية (إذا حصل الاتفاق) لتأمين مصادر بديلة عن الطاقة الروسية (وهو مطلب تشاطره به الولايات المتحدة) وخفض الأسعار الحالية. كما أن الاتحاد الأوروبي يريد استقراراً أمنياً في منطقة مجاورة له جغرافياً وسلامة منابع الطاقة الشرق أوسطية وخطوط نقلها. هذا بالطبع إضافة إلى التحكم بمستويات تخصيب اليورانيوم وعدم وصول إيران إلى العتبة النووية.
- إيران منقسمة بين تيارين، تيار الحرس الثوري (الذي يمسك بمفاصل مؤثرة بالقرار الإيراني)، وتيار الدولة الإيرانية.
يرى تيار الدولة الإيرانية أن رفع العقوبات المفروضة على البرنامج النووي – طالما أنه من المتعذر رفع كامل العقوبات الدولية على طهران وبالذات العقوبات الأمريكية خاصة التي فرضها الرئيس ترامب – يحرر مئات المليارات من الأموال الإيرانية المجمدة ويساعد على استئناف إيران لنشاطها الاقتصادي مع تصدير بترولها وغازها، ما سيسهم في دعم الخزينة الإيرانية بالأموال اللازمة للنهوض بالواقع المعيشي والخدمي للسكان.
فيما يرى الحرس الثوري أن رفع العقوبات عن مؤسسات الدولة الإيرانية وإبقاء العقوبات عليه سوف يضعف تأثيره الاقتصادي في الساحة الإيرانية الداخلية وينال من هيمنته على الاقتصاد لصالح جهات أخرى، ويقال إن مقترحاً أوروبياً تم تقديمه لتجاوز عقبة تصنيف الحرس على لوائح الارهاب الأمريكية يتعلق بإلغاء العقوبات على مؤسسة مقر خاتم الأنبياء (وهي من تدير النشاط الاقتصادي للحرس) كحل وسط يرضي الإيرانيين ولا يحرج الأمريكان.
ويراهن الحرس الثوري بتعطيله لإمكانية الوصول لاتفاق نووي، على خبرة إيران بالتحايل على العقوبات الاقتصادية ورهانها على نمو أنظمة مالية وأسواق اقتصادية عالمية (دول معاهدة شنغهاي، مجموعة البريكس) الأمر الذي يضعف آثار العقوبات الغربية.
وإن تم إجهاض طلب السلطة الإيرانية برفع كامل العقوبات والاكتفاء بالعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي فإن مشكلة أخرى تبرز، لا أظن أن الحرس الثوري سيقبل التفاوض عليها. وهو طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية إخضاع ثلاثة مواقع إيرانية للتفتيش والمراقبة غير مصرح عنها سابقاً، حيث تم رصد آثار إشعاعية لليورانيوم، وقد علقت الوكالة أن الرد الإيراني على أسئلتها غير مقنع وأن محافظي الوكالة قدموا تقريراً سلبياً لمجلس الأمن عن عدم تعاون السلطات الإيرانية في إخضاع تلك المواقع للتفتيش والمراقبة، الأمر الذي ردت عليه إيران بإيقاف 27 كاميرا للوكالة مزروعة لمواكبة الأنشطة النووية، وتركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي الحديثة وزيادة قدرتها على التخصيب.
ومن غير المتوقع أن يتم التوصل لحل في هذه النقطة، كما تم التوصل لتسوية بإرجاء البحث في ملف تطوير إيران للصواريخ البالستية.
- ترغب الولايات المتحدة باستراتيجيتها بفك عرى المحور الصيني – الروسي – الإيراني باستعادة إيران عبر توقيعها اتفاقاً نووياً يؤمن دمجها بالمجتمع الدولي ونزعها من الأحضان الصينية – الروسية، وإن لم يتحقق ذلك فإنها ستعمل على تغيير النظام الإيراني، لعدم السماح بوصول النفوذ الصيني – الروسي لمياه الخليج العربي والبحرين الأحمر والمتوسط.
إن اتفاقاً نووياً بالشروط الأمريكية يفيد إدارة الرئيس الأمريكي قبل الانتخابات النصفية للكونغرس ويرفع من شعبية الرئيس والحزب الديمقراطي ويمنع فوزاً جمهورياً وسيطرة على مجلسي الكونغرس باتت شبه مؤكدة.
كما أن الولايات المتحدة بعد مؤتمر جدة وتسوية الخلافات مع الحلفاء التقليديين بحاجة للهدوء في المنطقة ريثما يتم التركيز على الصين وروسيا، حيث لا ترى الولايات المتحدة إيران عدواً عضوياً خطيراً يستحق أن تشن حرباً عليه في مثل هذه الظروف.
- سبق وأن وضعت روسيا بعد غزوها لأوكرانيا شرطاً لإتمام الاتفاق النووي (والذي يكلفها بدور فني هام لإنجازه) وهو إعفاء العلاقات التجارية مع إيران من العقوبات الغربية، وهو ما رفضته واشنطن سريعاً.
طبعاً لا ترغب روسيا أن ترى الطاقة الإيرانية تصل للأسواق العالمية وتضعف أهم سلاح تراهن عليه وهو حاجة العالم للطاقة الروسية.
كما أنها روسيا ترغب بإبقاء الملف النووي ورقة بيدها للتفاوض عليه مع الغرب.
- ستعارض دول الخليج العربية حتماً التوصل لاتفاق نووي غير مربوط بالحد من الملف الإقليمي ونشاط ميليشيا وأذرع الحرس الثوري في المنطقة ويستثني من البحث أيضاً ملفي الصواريخ البالستية والطيران المسير.
- لن تقبل إسرائيل بأي اتفاق نووي، لإدراكها أن إيران لن تلتزم ببنوده وستسعى لتطوير أنشطتها النووية وستتدفق الأموال على ميليشياتها المحيطة بالدولة العبرية، ولا يمكنها المراهنة على تآكل البيئة الموالية لإيران في العراق وسورية ولبنان لأن ذلك قد يتطلب وقتاً قد تكون فيه إيران قد وصلت للعتبة النووية أو القنبلة نفسها ولابد من قيامها مع واشنطن بضربة عسكرية تنهي المشروع النووي كاملاً وإلى الأبد.
لذلك أرى أن إيران ستناور وتحاول كسب مزيد من الوقت على أمل انشغال أو استنزاف الولايات المتحدة أكثر بصراعها مع الروس والصينيين وعدم إيلاء الملف النووي الإيراني الأهمية المطلوبة، وانتظار نتائج التناقضات العربية والأوروبية والإسرائيلية والأمريكية المعنية بملفها النووي واختلاف الرؤى والسياسات حولها، حيث أن عدم انسحابها علناً من المفاوضات النووية يؤدي حتماً لتحاشي تطبيق آلية سناب باك والفصل السابع.
وأخيراً، إن الاستمرار بالمفاوضات النووية مع الأمريكان والأوروبيين هو غاية إيرانية وليس وسيلة.