fbpx

هل انتهى عصر التخادم بين النظام السوري وإسرائيل؟

1 419

تخادم النظام السوري مع إسرائيل واضح ولا يحتاج لتقديم الأدلة، فبعد حرب تشرين 1973 ونجاح وزير الخارجية هنري كيسنجر بوضع اتفاقية فك الاشتباك ببن النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي، قام النظام السوري بتنفيذ كل تعهداته بمنع أي عمل عدائي ضد إسرائيل انطلاقاً من هضبة الجولان، سواء من جيشه أو عبر بعض الفصائل الفلسطينية.

استمر التخادم الأسدي/الإسرائيلي في لبنان بعد دخول القوات السورية إليه وكان العدو الرئيسي هو منظمة التحرير الفلسطينية وكانت ذروة المواجهة قد حصلت في معارك مخيم تل الزعتر 1976، حيث دمرت قوات النظام المخيم وارتكبت المجازر.

استمر التخادم الأسدي/الإسرائيلي إلى مرحلة ما بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للبنان وخروج ياسر عرفات من بيروت عام 1982 إلى اليونان وتونس، ثم عودته متخفياً إلى طرابلس ومخيمات الشمال السوري وعمل النظام السوري عبر قواته وبالاستعانة بالمنظمات الفلسطينية الموالية له (الصاعقة، فتح الانتفاضة، الجبهة الشعبية القيادة العامة) على خوض أشرس المعارك التي بنتيجتها تم طرد حركة فتح وزعيمها خارج الأراضي اللبنانية، واستقرار منظمة التحرير بتونس وبالتالي خسارتها لأرض تشكل جبهة المواجهة الوحيدة المتاحة مع العدو الإسرائيلي، ويرى بعضهم أن ذلك كان من أهم الاسباب التي دفعت المنظمة لمفاوضات أوسلو المعروفة.

قام إيهود باراك رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بوساطة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بمفاوضات مباشرة جرت في كامب ديفيد، وكان رئيس وفد النظام حينها وزير الخارجية فاروق الشرع ووصلت المباحثات إلى مراحل نهائية تتيح توقيع اتفاق سلام يؤدي إلى عودة الجولان السوري المحتل كاملاً.

أتت تعليمات من دمشق بعدم التوقيع، ثم كانت القمة الأخيرة في جنيف بين بيل كلينتون وحافظ أسد التي أفشلها ورفض استعادة الجولان لإبقاء شعارات الأرض المحتلة والتحرير والعدو الإسرائيلي كرافعة لحكم استبدادي مطلق يتيح منع إعطاء أية حقوق سياسية أو انفراج ديمقراطي أو شكل من أشكال الإصلاح تؤدي لمشاركة شعبية في الحياة السياسية بحجة أن المعركة قائمة ولا صوت يعلو فوق صوتها، وبالتالي بقاء قوانين الطوارئ سارية.

ويوجد مقولة شائعة منقولة عن الأسد الأب أنه أوصى ابنه الوريث القاصر باستراتيجية طبقها هو بنفسه مع العدو الإسرائيلي وهي فاوض وفاوض ولكن لا توقع.

كان غاية حكم آل الأسد توصيل الرسالة التالية لإسرائيل، اتركوا لنا شعارات المقاومة والتحرير ونحن نترك لكم هضبة الجولان ونحمي حدودكم من أي عمل عدائي ضدكم في سورية ولبنان.

مات الأسد الأب وخلفه ابنه الوريث القاصر، تورط بشار أسد بقتل رفيق الحريري عام 2005، بعدها اضطر لسحب قواته من لبنان تحت ضغوط أمريكية وغربية، وبدا أن الاتهامات ضده ثابتة ولن يتمكن من الهروب منها، فلجأ للورقة الذهبية المحتفظ بها وبدأ باتصالات سرية جرت خلال عامي 2006 و2007 بوساطة قطرية وتركية مع إسرائيل عن استعداده لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل مقابل استخدام إسرائيل لنفوذها على الولايات المتحدة وفي المحافل الدولية لإبعاد التحقيقات الدولية عن دوره في عملية اغتيال الرئيس الحريري، وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها أولمرت يثق بجدوى تلك الاتصالات وضرورة التوصل بنتيجتها لتوقيع اتفاقية السلام رغم معارضة كثير من الساسة الإسرائيليون له، بحجة أن الأسد الابن كأبيه مراوغ ولن يوقع أي اتفاق إنما سيستخدمه لفك الحبل الذي التف حول عنقه بعد اغتيال الرئيس الحريري.

وفعلاً بعد جهود قادها الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي تمت إزالة اسم بشار من قائمة المتهمين بقضية اغتيال الحريري وتم تعويمه دولياً بزيارته الشهيرة إلى باريس والاحتفال بعيد الثورة الفرنسية، وبعد ذلك نكث بكل تعهداته مع الإسرائيليين.

بل تمكنت إسرائيل من كشف برنامج نووي جنيني للنظام فقامت بتدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007.

بعد انطلاقة الثورة السورية، كان لافتاً وليس مفاجئاً تصريح أحد المقربين جداً من رئيس النظام، وأحد أفراد العائلة الحاكمة، رامي مخلوف الذي قال في مؤتمره الصحفي محذراً أو مهدداً، أن أمن النظام السوري والحفاظ عليه هو من أمن إسرائيل، بشكل أزاح ورقة التوت التي حرص النظام على ستر تلك العلاقة بها.

بلغ التخادم الإسرائيلي/الأسدي ذروته بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد الغوطة في آب 2013 وارتكابه المجزرة الشهيرة، حيث الاستجابة للوساطة الروسية التي هي مطلب إسرائيلي لتجنب ضربة أمريكية تودي بالنظام وكان بنتيجة تلك الصفقة الاستعاضة عن إسقاط النظام عسكرياً بواسطة ضربات أمريكية تودي بقوات الثورة السورية المسلحة لحسم المعركة. تمت الصفقة بتسليم السلاح الكيميائي السوري والتعهد بتدمير البرنامج الكيميائي برمته وصدور القرار 2118 تحت الفصل السابع.

موقف إسرائيل من النظام السوري

وصلت إسرائيل لقناعة أن لا جدوى من فتح أي حوار يفضي لتوقيع معاهدة سلام مع النظام السوري للأسباب التالية:

1- ترى إسرائيل أن الخدمات التي قدمها لها النظام السوري كبيرة جداً، إذ أسهم بتدمير آخر القلاع الشعبية العربية المعادية لها، وإن ما ارتكبه النظام من مجازر لا يمكن تجاوزه منطقياً أو داخلياً أو عربياً أو دولياً وإن هذا النظام لا مصلحة لإسرائيل بتوقيع أي معاهدة سلام معه لأنه لم يعد يحظى بأية مشروعية حتى ضمن حاضنته الصلبة، وبالتالي لا جدوى أو لا يمكن تعويمه وبالتالي لا يمكن توقيع اتفاقية سلام مع نظام زائل.

2- لم يعد النظام السوري يحظى بأية استقلالية أو قرار ينبع منه، بل أضحى أحد الأذرع الإيرانية بالمنطقة مثله مثل حزب الله أو الحشد الشعبي أو ميليشيات الحوثي، ولن توافق إيران بأي شكل كان، على أي حوار بين النظام السوري وإسرائيل، إذ تستعمل إيران النظام السوري كورقة تفاوض عليها وتضحي بها حين توفر من يدفع ثمنها، وفي حال حصلت اتصالات بين النظام وإسرائيل فإن إيران ستتحول إلى ورقة يمسك بها النظام السوري ويفاوض عليها، وهذا لا يستقيم مع واقع القوى الموجودة وهيمنة إيران على كل مفاصل القرار الأمني والعسكري والسياسي داخل أجنحة النظام.

3- فشل النظام السوري والاحتلال الروسي بكل تعهداتهما التي تعهدوا بها عام 2018 عندما تم الاتفاق على تسليمهم الجنوب السوري دون حرب، وتم التخلي عن الفصائل الثورية المسلحة من قبل الداعمين وعلى رأسهم الولايات المتحدة مقابل التعهد بعدم السماح بأي تغلغل إيراني عسكري عبر الميليشيات الموالية لها وطرد ما هو موجود منها إلى حدود محافظة حمص تقريباً.

لم يفشل الروس والنظام بتطبيق تعهداتهم فقط بل ازداد الوجود الإيراني عبر الميليشيات كماً ونوعاً، إذ بات كما نشرت العديد من مراكز الدراسات أن لحزب الله وحده 57 نقطة عسكرية بين قاعدة أو تموضع، وكل الميليشيات الإيرانية مجهزة بالأسلحة الصاروخية والطائرات المسيرة وهي على بعد أمتار من هضبة الجولان السورية، وتتعرض تلك التموضعات لضربات جوية إسرائيلية مستمرة.

لا فائدة من كل المحاولات التي بذلها الروس لإعادة تعويم النظام السوري عبر البوابة الإسرائيلية، وبدت إسرائيل غير مهتمة بتلك المساعي أو جدواها لأنها خبرت النظام السوري وغير مستعدة لإعطائه فرصاً أخرى ليستعمل خبرته بالخداع وتحقيق مآربه، حتى أن ما أشيع عن اجتماعات جرت بين ممثلين للنظام وممثلين إسرائيليين في قاعدة حميميم مؤخراً، كان يأتي من أوساط محسوبة على النظام وليس العكس، بغية رفع معنويات حاضنته المنهارة، بأية فرص نجاح لتعويم النظام دولياً والخروج من الحالة التي هو فيها الآن.

ربما يرى الإسرائيليون وغيرهم أن الحبل السري للنظام السوري لا يمكن قطعه إلا بطريقتين لا ثالث لهما، إما قتل الجنين الأسدي أو إجهاض الأم الحامل الإيرانية كرهاً.

1 تعليق
  1. Samir Twair says

    ممتاز

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني