نظام الأسد يزور وقائع وفاة الضحايا الذين قتلوا أو فقدوا منذ بداية الثورة السورية في آذار2011
نظام الأسد يزور وقائع وفاة الضحايا الذين قتلوا أو فقدوا منذ بداية الثورة السورية في آذار2011
أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يوم الجمعة 19 آب 2022، تقريراً خاصاً بعنوان “النظام السوري يتحكم بوقائع تسجيل وفاة الضحايا ممن قتلوا أو فقدوا خلال النزاع المسلح منذ آذار2011 عبر أجهزته الأمنية ومؤسسات الدولة”، قالت فيه: “إنَّ النظام السوري قتل ما لا يقل عن 200391 مدنياً بينهم 14464 تحت التعذيب وأخفى قسرياً 95696 آخرين منذ آذار2011”.
النظام السوري يمتنع عن تسجيل مئات آلاف الضحايا السوريين الذين قتلوا منذ آذار 2011:
أوضح التقرير أنه منذ الأيام الأولى للثورة السورية في آذار 2011، قتل واختفى مئات الآلاف من المواطنين السوريين، لكن النظام السوري رفض تسجيلهم رسمياً على أنهم متوفون ضمن دائرة السجل المدني، باعتباره المتسبب الأبرز في عمليات القتل خارج نطاق القانون في سوريا، وعمليات الاختفاء القسري.
وأضاف التقرير أنَّ النظام السوري امتنع عن إعطاء الأهالي شهادات وفاة باستثناء حالات قليلة، بغض النظر عما سوف يسببه ذلك من معاناة إضافية لذوي الشخص المقتول، لتمتد المعاناة لأهله لسنوات طويلة، نظراً لما يترتب على اختفاء الشخص من تداعيات على زوجته، أو أبنائه، أو إخوته.
وذكر التقرير جانب من تلك المعاناة في ضرورة استخراج “وثيقة حصر الإرث” للمتوفى للتصرف بأملاكه، وإمكانية حصول زوجة الموظف المتوفى وأطفاله على المعاش التقاعدي، وتمكن الزوجة من طلب تعيينها وصية على أولادها القاصرين من قبل القاضي الشرعي ليتاح لها استخراج جوازات سفر لهم والحصول على تأشيرة السفر، كما أن عدم تسجيل واقعة الوفاة يحرم الزوجة من الزواج ثانية، وغيرها من الآثار الاجتماعية والحقوقية والقانونية.
وبحسب التقرير فإن النظام السوري اكتفى بإعطاء شهادات وفاة لمن تنطبق عليه معايير تحددها الأجهزة الأمنية، تتمثل بإجبار ذوي الضحايا بالإقرار عبر التوقيع على محضر معد سابقاً، يفيد بأن “العصابات الإرهابية المسلحة” هي من قتلت أبنائهم وليس النظام السوري، مقابل الحصول على شهادة وفاة.
وأكد التقرير بأن النظام السوري لم يفتح أية تحقيقات قضائية حول أسباب وفاة مئات آلاف السوريين، ولم يحاسب أي عنصر أمن، أو فرد في الجيش عن تورطهم في عمليات القتل.
ثلاثة أمور يستند عليها النظام السوري في سبيل استخراج شهادة وفاة:
الأول: إعداد تقرير طبي يذكر فيه سبب غير حقيقي للوفاة، مثل أزمة قلبية للمختفين قسرياً في مراكز احتجازه، أو توفي بسبب مقذوفات حربية، وثانيها: أقوال مختار الحي الذي يطلب منه أن يؤكد الوفاة، وشهود يؤكدون الوفاة، وثالثها: إقرار ذوي الضحايا الذين غالباً ما يكونون بحاجة ماسة للحصول على شهادة وفاة، وفي سبيل ذلك يتجاهلون السبب الحقيقي للوفاة والمتسبب بها.
أشار التقرير إلى أن الغالبية العظمى من الأهالي غير قادرين على الحصول على شهادات وفيات، خوفاً من ربط اسمهم باسم شخص كان معتقل لدى النظام السوري وقتل تحت التعذيب، وهذا يعني أنه معارض للنظام السوري، أو تسجيل الضحية كإرهابي إذا كان من المطلوبين للأجهزة الأمنية، كما أن قسم كبير من ذوي الضحايا تشردوا قسرياً خارج مناطق سيطرة النظام السوري.
ثلاثة أساليب يتبعها النظام السوري لتسجيل وتثبيت الوفاة:
استعرض التقرير ثلاثة أساليب يستخدمها النظام السوري لتسجيل وتثبيت وفاة بعض المواطنين الذين قتلوا خارج نطاق القانون على خلفية النزاع المسلح الداخلي:
الأول: ضحايا القتل:
بحسب التقرير فإن ما يقارب 88 % من حصيلة الضحايا المدنيين لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على شهادة وفاة، حتى وإن كانت شهادة وفاة لا تذكر سبب القتل ومن قام به، أو تذكر سبباً آخر، وذلك خوفاً من التداعيات الأمنية على الأهالي، الذين يكونون بأمس الحاجة إليها.
ووفق التقرير فإن النظام السوري وبقية أطراف النزاع قتلوا مئات الآلاف من المواطنين السوريين، عبر عمليات القصف بمختلف أنواع الأسلحة، حيث وثق التقرير مقتل أكثر من 228893 مدنياً منذ آذار 2011 وحتى حزيران 2022.
الثاني: ضحايا الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري:
أوضح التقرير أن النظام السوري وبقية أطراف النزاع اعتقلوا ما لا يقل عن 154393، تحول 111907 إلى مختفين قسرياً، وخلال سنوات الاعتقال يتعرض المعتقل لأبشع أساليب التعذيب، ما تسبب في مقتل 14464 تحت التعذيب.
وأكد التقرير بأن آلاف الأشخاص الذين قتلوا تحت التعذيب، لم يسجلوا على أنهم متوفون ضمن دوائر الدولة الرسمية، كما أن مصير 95696 مختفٍ قسرياً ما زال مجهولاً حتى الآن.
وذكر التقرير بأن أعداد محدودة جداً من الأهالي حصلت على شهادة وفاة صادرة عن المشافي العسكرية، وتُظهر جميع هذه الشهادات أنَّ سبب الوفاة للمعتقل هو توقف مفاجئ للقلب والتنفس، استناداً عليها يقوم الأهالي فيما بعد بتثبيت واقعة الوفاة لدى دوائر السجل المدني.
الثالث: متعلق بتوفية الأشخاص المفقودين، وذلك عبر دعاوي تسجيل الوفاة بعد انقضاء أربع سنوات على فقدان الشخص.
التعميم رقم (22) يزيد من تغول الأجهزة الأمنية:
أشار التقرير إلى التعميم رقم (22) الذي أصدره وزير العدل في الحكومة التابعة للنظام السوري، في 10 آب 2022، القاضي بتحديد إجراءات حول سير الدعاوي الخاصة بتثبيت الوفاة ضمن المحاكم الشرعية، وتضمن التعميم خمسة أدلة يجب التأكد من توفرها من قبل القضاة ذوي الاختصاص في الدعاوي الخاصة بتثبيت الوفاة، كما أوجب على جميع المحاكم ذات الاختصاص بقضايا تثبيت الوفاة التقيد بما ورد في التعميم.
أكد التقرير أنَّ فهم تطبيق أي مرسوم قانون تعميم قرار صادر عن النظام السوري لا يمكن أن يكون بمعزل عن السلطات والصلاحيات اللامحدودية للأجهزة الأمنية المتحكم الرئيس بكافة المؤسسات والسلطات الأخرى.
تجاوزات دستورية وقانونية:
بحسب التقرير فإن هناك خمسة تجاوزات دستورية وقانونية ونتائج تترتب على هذا التعميم، من أبرزها أن هذا التعميم الجديد يخالف أحكام قانون الأحوال المدنية رقم13 لعام 2021 الذي نص على أحكام الوفيات بالمواد 35-43 منه ولم ترد في هذه المواد أية اشتراطات أو قيود أو موافقات لتثبيت الوفاة.
كما أن هذا التعميم يعتبر تدخلاً سافراً في عمل السلطة القضائية، التي نص الدستور السوري الحالي على استقلاليتها، لأن القاضي هو صاحب القرار في طلب أية وثيقة أو بيان أو موافقة ولا يجوز فرض الشروط والقيود عليه، فلا يجوز لوزير العدل باعتباره أحد أشخاص السلطة التنفيذية أن يصدر تعميماً يتضمن توجيهات وتعليمات للقضاة الشرعيين المختصين بإصدار هذه الأحكام.
كما يتضمن انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، الذي تحميه المادة “132” من الدستور الحالي الذي وضعه النظام السوري،
الاستنتاجات والتوصيات:
خلص التقرير إلى أنّ هذا التعميم الجديد يثبت أن النظام السوري مستمر في إصدار التشريعات والقوانين والمراسيم التي تنتهك أبسط حقوق المواطن السوري.
كما أنه يفتح الباب أمام ذوي الضحايا لتوفيهم أبنائهم، ولكن ذلك يتم بإشراف ومراقبة الأجهزة الأمنية، وعبر ذكر سبب غير حقيقي للوفاة، فيستحيل إعطاء شهادة وفاة مذكور فيها أن النظام السوري اعتقل أحد الضحايا ومات بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة له، أو أن أحد الضحايا قتل بسبب قصف النظام السوري بالبراميل المتفجرة أو الأسلحة الكيميائية.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بعقد اجتماع لمناقشة مصير عشرات آلاف السوريين الذين قتلوا واختفوا قسرياً ولم يكشف النظام السوري عن مصيرهم، وكأنهم تبخروا من الوجود إلى العدم والعمل بشكل جدي لتحقيق انتقال سياسي نحو الديمقراطية وحقوق الانسان، سوف يساهم في كشف مصير مئات آلاف السوريين، ويشكل نقطة بداية لحفظ حقوق الضحايا.
وختم التقرير بطالبة المجتمع الدولي بإدانة التعميم الصادر عن النظام السوري والكشف عن مصير وإطلاق سراح كافة المختفين قسرياً، وإصدار شهادات وفيات تتضمن أسباب الوفاة الحقيقية من قصف أو قتل تحت التعذيب.