fbpx

  {م ي ز ا ن – ن ا ز ي م}

0 128

سأل المعلم: ماذا تريد أن تصبح؟ وجاءت الردود: طبيباً، معلماً، ضابطاً، مهندساً، وهو صامت. قال له: وأنت؟

– مثل جدي

– وماذا يعمل…؟

– كان قاضياً

 رسخت صورته في الذاكرة. يجلس ساعات ينعم النظر إليها، ويتأمل قسمات الوجه: الأنف المعقوف، العينين الواسعتين، الحاجبين الكثين، الشعر الأبيض الكثيف. تقاسيم تمنحه هيبة ووقاراً، يتمنّى أن يصبح مثله، ترنّ في أذنه عبارة أبيه: «جدك كان قاضياً وقوراً يعدل ميزان العدالة، ومثالاً في إقامة الحدود، وتحقيق العدل».

مرّت السنوات، وصورة جده نصب عينيه. تخرّج في كلية الحقوق بدرجة امتياز، وانتسب إلى نقابة المحامين، تدرّب عند محامٍ مشهور.

رافق أستاذه إلى قاعات المحاكم. تعرّف على طرق الدفاع، وعرف أساليب التقاضي، ومنعرجاته… بدأت تهتزّ صورة الميزان المنصوب أمام القصر العالي، وتتهرّأ الشعارات المكتوبة على الجدران: (العد.. أسا.. الملك).. (العد.. قوام الـ..ضاء). سأل الأستاذ مستفيراً فقال: «لكل زمان دولة ورجال؛ فكن فارس المرحلة… ». صدمته العبارة.. اهتزّت قناعاته.. عاد إلى المكتب، فتح بضع دعاوى هامة.. غاص في حيثياتها.. راجع المستندات، والقوانين، والاجتهادات.شرعت تتضح أسباب الحروف المتساقطة، ومستجدات الزمن، وتصرفات الرجال.. هاله ما اكتشفه.. كيف توجّه القضايا بغير مقاصدها.. تزيين الباطل.. إخفاء الحقائق. دوّت في دماغه طاحون الكلمات.. دقّت مطارق على قاعدة ميزان العدالة.. عصر رأسه بيديه.. تساءل: هل ماتت الضمائر؟ أيسير في دروب ملأتها أشواك الصبار؟ أيتخلّى عن قيم جده؟ وكيف يُنْصَف المظلومُ…؟

عاد إلى البيت، وقف أمام الجدٌ المعلّق على الجدار.. تنفّس بعمق وهو يحدّق في عينيه.. شعر بيده تمتدّ.. تمسح على رأسه، ويهمس: يا ولدي، ما زلت في أول الطريق.. لا تقنط.. للعدالة فرسانها.

– مال ميزانها.. اختلّت..

– المحامي اليقظ يظهر الحقائق.. يهدم جدران الباطل.. يحاصره.. يطوّقه بسياج القوانين والاجتهادات.

– إني أحتار …

– كن نصير الحقيقة وصوتها

– ما العمل…؟ قاعات المحاكم ما عادت كما عهدتها

–  لكنّها ما زالت حصن العدالة

–  إنها لا تنطق، فحاملو لوائها هم الناطقون، وباسمها يحكمون

–  لا تخف سينتهون وهي باقية، والشرفاء يستمرون ويدها بيدهم.

أطرق.. قرّر المتابعة.. عليه أن يؤدي رسالة آمن بها.. أدّى قسم المحاماة…، وأضاف: «وأسعى لتحقيق العدالة». 

رجع إلى جدّه… شاهده يبتسم

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني