مُعطيات إستراتيجية جديدة تَرسُم ملامح الحَلّ السوري
لم يلتزم الروس بأيّ اتفاق أو تفاهم قاموا بإبرامه في سوريا مع الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل والدول العربية.
كان الغرور والصلف والشعور بفائض هائل من القوة من ميزات سياسة بوتين في سوريا، ذلك القيصر الطامح الجامح الذي أرعب القارة الأوربية بِضمّه لشبه جزيرة القرم عنوةً، وداس بحذائه على أهمّ قواعد النظام الدولي وهي الاعتراف بالسيادة الوطنية للدول.
الجميع (باستثناء تركيا وقوى الثورة السورية) رَحّب بالتدخل العسكري الروسي وكلٍ لأسبابه، حيث إنّ جوهر الدور الروسي سيكون القوة العسكرية الجبارة ناهيك بعوامل القوة الروسية الأخرى وأهمّها امتلاك حق الفيتو في مجلس الأمن.
كان الترحيب العربي والإسرائيلي بدور روسي عسكري قوي في سوريا، لكبح الجموح والطموح الإيراني في السيطرة الكاملة على سوريا جغرافياً وعلى القرار السياسي في دمشق إن تعذّر ذلك..
وكان التعهد الأمريكي للروس هو بإنجاز سِلم بوتيني في سوريا، لا يقوم على انتصار عسكري لأحد الأطراف، والوصول لحل سياسي واقعي ومقبول من الجميع يُتيح خروج سوريا من أزمتها، مع الاعتراف بأنّ سوريا هي منطقة نفوذ روسية، وروى معارضون سوريون كيف أنّ كل شكوى أو سؤال أو طلب كانوا يسمعون من الأمريكيين جواباً واحداً، راجعوا الروس فالملف في عهدتهم.
لم يكن الأمريكان والأتراك يتوقعون أن يقوم الروس بمحاولة الاستحواذ على الملف السوري بِرمّته وإخراج الجميع من المولد بلا حمّص، وذلك عبر محاولتهم فرض بشار الأسد بالقوة وجعله أمراً واقعاُ بل منتصراً بالحرب وبالطبع سيكون الاسد كرزاي آخر في سوريا، وفي أحسن الاحوال أحد رؤساء الجمهوريات التي تدور في فلك بوتين وتقع في الجوار الروسي.
ولم نكن نعلم حينها بما يُخطّط له بوتين من غزو لأروبا ومحاولة إخضاعها عبر سلاحي الطاقة والعسكر، وسوريا هي من أهمّ طرق الطاقة للقارة العجوز والتي قد تحاول أن تجد بديلاً عن الغاز الروسي.
تَوصّل الروس لاتفاق مع الولايات المتحدة ومن معها بتسليم الجبهة الجنوبية، وتوكيل روسيا بإنجاز حلّ في المنطقة يكون صورة مُصغّرة عن الحل في سوريا، حدث هذا في صيف العام 2018.
ووصل الروس مع الأتراك إلى اتفاق سوتشي في أيلول 2018 يُتيح وقف القتال في الشمال السوري مع القوى المدعومة من تركيا والمتواجدة ابتداءً من أرياف حماة الشمالية وارياف إدلب الجنوبية وتعزيز نقاط المراقبة التركية ال12 والتي تَضمّ وراءها مناطق للمعارضة السورية تؤدي لعدم انتقال الحرب إليها وضمان بقاء السكان في أراضيهم مع بنود تفصيلية عن إبعاد الأسلحة الثقيلة 15 إلى 20 كم عن خطوط التماس وتشغيل طريقي M5 وM4.
وبتهيئة تلك الظروف في الجنوب والشمال كان يُمكن للروس قيادة الحل السياسي وفق القرار 2254 وبما يلزم من تعديلات، وبذلك يخرج بوتين بطلاً للحرب والسلام في سوريا ويكسب شرف إنجاز السلام السوري وبالتالي سيكسب كثيراً على الصعيد الدولي.
انقض بوتين على كل تفاهماته، وقدم مثالاً سيئاً في الجنوب السوري عن إمكانية الركون إليه بِحلّ ما.
وفي الشمال ونظراً لفارق القوى لم يلتزم بوتين باتفاقه مع أردوغان وهاجم المناطق خلف نقاط المراقبة التركية بعد أن تجاوزها وتركها خلفه، وشهد العام 2019 وبدايات 2020 معارك طاحنة كان التفوق في نهايتها للطيران الروسي والميليشيا الإيرانية التي أرادت أن تَحسم الموقف كله وتصل للحدود التركية، إلا أنّ الموقف التركي الحازم أوقفها في تُخوم جبال الأكراد والتركمان والزاوية، وهي على حالها منذ أربع سنوات ونصف.
حاول الروس قضم الحصة الأمريكية في شباط 2019 من خلال معركة خشام والتي حاولوا فيها الدخول إلى آبار النفط الهامة، إلا أنّ الموقف الأمريكي كان حازماً بارتكاب المجزرة بقوات فاغنر وإحباط المحاولة، وكان درساً لأيّ محاولة في المستقبل.
تلك كانت حدود المناطق السورية التي أفرزها وقف القتال أو تجميد النزاع دون التوصل لأيّ اتفاق للهدنة يكون مؤقتاً يُمكن أن يُبنى عليه وقف دائم لإطلاق النار.
حيث أدركت الأطراف الخارجية أنّ ما حصلت عليه هو أفضل الممكن، وهو انعكاس لموازين القوى على الأرض، وإنّ أيّ تغيير بتلك الحدود والخطوط سيكون نتيجة طبيعية لتغير الموازين أو المعادلات السابقة.
حدث الزلزال الكبير في 24 شباط 2022 والذي أدّى لانفجار وتَحطّم مقياس ريختر لعدم تمكنه من استيعاب شِدّته، حيث اعتاد ذلك الميزان على قياس الشدّات العادية.
أصبح الروسي هو الشيطان الرجيم، وأصبح استزافه تمهيداً لتحطيمه هو الهدف الإستراتيجي الأول للناتو والغرب الجماعي، وبدأ ظلّ قوته في الانحسار عالمياً وبالتالي أصبح هَمّه الحفاظ على تواجده في سوريا وليس تغيير أيّ معادلة فيها.
البركان الذي انفجر دون سابق انذار وألقى حممه على المنطقة كلها، وهو بالتأكيد من تداعيات الزلزال الكبير في البحر الأسود، إنه البركان في غ ز ة…
وكما كان ما بعد 22 شباط 2022 ليس كما قبله عالمياً، فإنّ ما بعد 7 أكتوبر 2023 إقليمياً ليس كما قبله.
الزلزال والبركان اللذان حدثا في العامين الماضيين سيلقبان بظلالهما على القضية السورية بالتأكيد لأنّ كل قوى الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط متواجدة في سوريا، وبالتأكيد ما كان في سوريا بعد اندلاع الحروب الأخيرة لن يكون كما قبله إذ ستغيب قوى وتظهر قوى أخرى.
وبالتأكيد إنّ الأوضاع الجيوسياسية الأخيرة التي نشأت وستنشأ بعد انجلاء الحروب هي معالم سَتُحدّد الحل السوري المقبل وهي:
1- أثبت الأسد أنه من عوامل عدم الاستقرار في سوريا المستقبل وهو سبب المشكلة ولن يكون جزءاً من الحل. وإذا وضعنا جانباً جرائمه بحقّ الثورة وجمهورها، فإنه لم يتمكّن من اخضاع أو التفاهم مع أهل جبل العرب، وبنفس الوقت وبالرغم من كل علاقات النظام الظاهرة والعلنية مع قسد إلا أنه لم ينجح في احتوائها أو التفاهم معها وفشلت كل المحاولات والوساطات السابقة.
2- لا سبيل للحل في سوريا إلا وفق القرار الدولي 2254 وغيره من القرارات الدولية وهو ما سيؤدي إلى سوريا جديدة بعد تغيير نظام الأسد، حيث أنّ المتاح دولياً هو هذا الحل.
3- ستكون سوريا بلا روسيا، الدب الروسي تخور قواه، وروسيا تتعرض لانهيارات في قواتها المسلحة وفي عملياتها في أفريقيا وفي بنية نظام الحكم فيها حيث يقوم بوتين باعتقال وتصفية وعزل للكثيرين من المحيطين به. ويُقال إنّ بوتين أبلغ الأسد في زيارته الأخيرة بأنّ التصعيد كبير في المنطقة وقادم إلى سوريا وعليه الانحناء للعاصفة والقبول بما يُعرض عليه، لأنّ روسيا لا تستطيع دعمه في المرحلة المقبلة.
ويرى كثير من المراقبين أنّ روسيا غير قادرة على تغيير أيّ سياق إستراتيجي في الملف السوري، وقد لا يكون بعيد اليوم الذي تسحب قواتها من سوريا إذا تبيّن لها أنّ لا دواعٍ إستراتيجية لبقائها هناك.
4- لن تقبل تركيا (وحلفاؤها من السوريين) بالبقاء في خطوط وقف القتال حالياً بعد المعطيات الجديدة التي حدثت في السنوات الأخيرة.
5- سوريا بحدودها الحالية الدولية لا يُمكن المساس بها، ويُترك أمر اختيار السوريين لأنماط الحكم والإدارة فيها مستقبلاً (دولة مركزية، لامركزية، فيدرالية الخ…)
6- سوريا والشرق الأوسط عموماً هو الحديقة الخلفية للقارة الاوربية وبالتالي استقرارها مطلوب لأمن القارة من ناحية عدم تصدير الإرهاب واللاجئين والمخدرات، وعدم انتشار ميليشيات مسلحة كبيرة تُهدّد منابع الطاقة وطرق توصيلها لها، كما أنّ ممر البهارات الهندي يمر من سوريا الطبيعية وهو بعيد عن سوريا السايكس بيكوية عشرات الكيلومترات فقط، وهذا الممر يجب أن يكون آمناً لا تنتشر الميليشيات في أطرافه وتُهدّده.
7- إيران ستخسر دورها وأذرعها في الإقليم، ويجب الاستعداد لدور إيراني منزوع الدسم في سوريا.
8- لن تنسحب أمريكا من سوريا لأنها لو فعلت ذلك تخسر كثيراً إستراتيجياً وبالأساس وجودها غير مُكلف، بل إنّ علماً أمريكياً وجندي واحد في شرق الفرات كفيل بردع مطامح أو مطامع الآخرين.
يجب أن تُصلح الولايات المتحدة أخطاءها، وتُساهم في تقديم ممثل مقبول عن المكون الكردي يحظى برضى الأكراد قبل غيرهم ويكون فاعلاً بصنع مستقبل سوريا عبر طاولات الحوار.
9- إسقاط كل الاتفاقيات التي أبرمها نظام الأسد مع روسيا وإيران في المرحلة السابقة، حتى يُتاح موارد كافية للسوريين لبناء حَدّ أدنى من الاستقرار والتعافي.
10- كل تلك المعطيات ستكون حاضرة في دايتون سوري أو طائف سوري، يسبقه تجفيف اقتصاد الميليشيات وقطع جداول الدولارات عن أمراء الحرب (أياً كان مصدرها).
الله يسامحك ، يا دكتور.
عملت من بوتين ” دينمو” الصراع على سوريا ، وقد ادخله الأمريكان والايرانيين لتحقيق مهام محددة ، وتم إخراجه سياسيا بشكل كامل خلال ٢٠٢٢.
بوتين اليوم يحاول تقديم أيّة خدمة لجميع أطراف الصراع في سوريا ، علّه يسجل حضور ، لكنّه يواجه الصد حتى من النظامين السوري والايراني…
OTrPGHvB
QyvtlogsOmVqY
Hey people!!!!!
Good mood and good luck to everyone!!!!!