fbpx

ميكيافيلي حاضراً في “الغاية تبرر الوسيلة “على المسرح الدولي

0 499

نيكولو ميكيافيلي مفكر وفيلسوف ومؤرخ إيطالي ولد إبان عصر النهضة (1469) وقد أصبح فيما بعد المؤسس للتنظير السياسي الواقعي، هو من أشهر كتاب عصره ويعتبر أبا العلوم السياسية. في كتابه (الأمير) قدم دليلاً للسياسيين على استخدام المكر والخداع للوصول الى هدفهم والتخلي عن الرحمة والرأفة بالخصوم في خدمة الذات، وقد سميت هذه النظرية الميكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة). قال نيكولو في كتابه: “بما أن الخوف والحب من الصعب أن يجتمعا سوياً، وإذا كان علينا الاختيار بينهما، فالأكثر أماناً أن يخافوا منك على أن يحبوك”، ومن أقواله أيضاً: “يالها من خدعة مضاعفة أيضاً عندما تخدع المخادع”. ومن وجهة نظره أنه إذا كان عليك إيذاء شخص فلتكن الأذية شديدة بحيث لا يستطيع الانتقام. ويظهر سلوك الميكيافلي وكما لو أنه يتنكر صراحة لجميع الفضائل الأخلاقية حين يبرر استعمال الوسائل لتحقيق الغايات السياسية، وعند بعض أتباع هذه النظرية، إن عدالة أي هدف تبيح عند أصحابه ما يحلو لهم من وسائل حتى لو داسوا بأقدامهم ما صنعته البشرية من قيم ومثل خلال قرون.

كثير من الزعماء الذين حكموا العالم أعجبتهم فكرة الكتاب، وقد أكد بعضهم أن هتلر كان يخفي تحت وسادته كتاب (الأمير) لمكيافيلي ليتمكن من النوم هادئاً فوق وصيته الشهيرة “الغاية تبرر الواسطة” وكم من القادة السياسيين احتضنوا الكتاب، أمثال ستالين وموسوليني وفرانكو وغيرهم الكثير من الحكام العرب الذين عانقوا الكتاب وناموا هانئين، بعد أن استخدموا أشنع اساليب القمع للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها خدمة لمصالح فئة معينه وضعت لنفسها غايات واهداف فوق أي اعتبار، أما ونستون تشرشل الذي خدم في الجيش البريطاني ثم أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء المملكة المتحدة عام (1940) كان من أبرز القادة السياسيين الذين تبنوا المبدأ (الميكيافيلي) وقد صرح مراراً بكرهه الشديد لمبادئ غاندي ومعارضته لاستقلال الهند عن التاج البريطاني، وعند زيارته لإحدى المقابر، مر بشاهدة قبر كتب عليها “هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي العظيم” فقال ضاحكاً: “هذه أول مرة أرى فيها رجلين يدفنان في تابوت واحد”، وكانت أول مؤهلات العظمة للسياسي في نظره هو الكذب والخداع والتخلي عن العاطفة والشفقة، ليحل محلها الحيلة والمراوغة.

إذا نظرنا اليوم للوضع السوري وجدنا أن السوريين خلال الخمسين سنة التي مضت كانوا من ضحايا هذا المبدأ الميكيافيلي بكل وضوح في الداخل وعلى الصعيد الدولي، حيث أن معظم الدول استخدمت وسائلها ونفوذها لتحقيق غاياتها فكانت إيران الخمينية هي السباقة لتحقيق ما تحلم به في نشر عقيدتها في المنطقة بشتى الوسائل غير المشروعة، ولم تتوان أبداً عن استعراض عضلاتها بوصولها الى شواطئ المتوسط لتحقيق غاياتها في إعادة مجد الدولة الفارسية بوسائل غير أخلاقية، معتمدة في الوصول إلى غايتها على قوات المرتزقة والأسلحة الفتاكة الحارقة في قتل شعوب المنطقة المسالمة. أما روسيا التي دمرت البنية التحتية السورية وقتلت الآلاف من الشعب السوري بحجج واهية وهي القضاء على الإرهاب. كان حكام الكرملين ضمنيا يستخدمون “الغاية تبرر الوسيلة” بكل ثقلها في سبيل تحقيق اهدافهم الإجرامية. الجميع يعرف المطامع الروسية في سوريا – بلاد الشمس، تلك البقعة الاستراتيجية بين آسيا وأوروبا الواعدة بثروات نفطية ومعدنية هائلة.

اليوم وللأسف لم تعد السياسات كما كانت في السابق، فقد أصبحت السلطات السياسية في كل دول العالم تتحكم بكل مفاصل الحياة، بعد أن اعتمدت على خبراء القانون وفقهاء السياسة في تثبيت حكمها، وكذلك تحديد علاقاتها بالدول الأخرى، من شؤون عسكرية واتفاقات وإعلان الحرب والسلم، حتى في قرارات الأسلحة النووية، جميعها لا يمكن أن تمر إلا من خلال السلطة السياسية لكل دولة، ومن المستغرب أن جميع النشاطات البشرية من رياضة وموسيقى وزراعة وكل ما يتعلق بحياة الإنسان بكل تفاصيلها، تسيس وتمول من قبل السلطة السياسية وذلك لتوجهها بالشكل الذي تريد، فكم من ساحات للملاعب الرياضية تحولت لساحات شبه معارك ترفع فيها الصور والرايات والأعلام وكذلك مهرجانات الموسيقى والفنون.

هناك الكثير من المفكرين والأدباء من حذروا من استخدام الأنظمة الاستبدادية للأفكار الميكيافيلية في تعاملها مع رجالات السياسة والحقوقيين من تخويف واعتقال متعمد، بحيث تؤدي بشكل ملحوظ الى غياب تلك الأدمغة يوما ما، وهو الأمر الذي نبه إليه الكواكبي قبل مئة عام ومازال يحتفظ بمنطقه وحيويته حتى اليوم حيث يقول: “إن الاستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها..”. وهذا ما حصل بالنسبة للوضع السوري، ولا نغالي هنا إذا قلنا إن الثورة السورية تأثرت بشكل ملحوظ بغياب الأدمغة السياسية التي صودرت عمداً، وذلك عن طريق الاعتقال والتخويف لرجالات السياسة والحقوقيين وكذلك تغييب دورهم الفعال في أي مشاركة في العمل السياسي منذ السبعينيات.

يتفق العلماء في تعريف السياسة كعلم، الغرض الحقيقي منه هو تحقيق الخير للإنسان، ولكن لماذا يلجأ الحكام إلى استخدام الوسائل الدنيئة لبلوغ أهدافهم؟ لماذا التنكيل بالشعوب وسرقتها؟ هل يحق لي أن اتخيل ماذا لو أن أحدنا دخل إلى غرفة نوم أحد العرب وفتش تحت وسادته هل سيجده قد وضع كتاب مكيافلي “الأمير” هناك تحت رأسه كما كان يفعل الزعيم النازي؟ أما كان الأجدر بحكامنا أن يضعوا أطواق الياسمين تحت رؤوسهم لتفوح عطور المحبة والثقة والسلام بينهم وبين شعوبهم؟

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني