من حيث المبدأ.. في البسيط الواضح
من حيث المبدأ كانت الأكثرية السورية معادية للنظام، بما في ذلك العدد الأكبر من المنتسبين إلى البعث شكلياً ولضرورات العمل. مع الثورة وسيرورتها تنوعت أشكال معاداة النظام: المظاهرات الشعبية، انشقاقات الجيش وعاملين في المؤسسات، وجمهور من المثقفين من أهل الأدب والفكر والفن، والأكثرية الصامتة. كان رد فعل النظام على هذا كله سياسة الإبادة مستخدماً كل أساليب الإبادة: قتل في الشوارع، قتل في السجون، تدمير القرى والمدن، براميل تسقط على الناس، وزيادة الوسخ التاريخي المجرم باستقدامه من إيران وحزب الله وميليشيات العراق. وحين شعر بخطر أكثر جاء بالجيش الروسي. فكانت الهجرة والنزوح واللجوء. وتوهم النظام بأن حرب الإبادة وتدمير البلاد وتحطيم الاقتصاد بأنه انتصار، فالوقت الذي عاش المنتصر مأساة المنهزم نفسها، من فقر وجوع وضحايا وصار العيش مستحيلاً، فانهزمت عصبية النظام وتبددت، وعاث الغرباء بأرض الوطن، وصار الحاكم دمية في قفص لا حول له ولا قوة. كل هذه الشروط جعلت من عملية انهياره سهلة جداً. إذاً، بمعزل عن الأداة التي نفذت عملية انهيار السلطة، فإن الأكثرية هي التي انتصرت، بل إن الشعب السوري كله قد تحرر بما في ذلك الذين زيف النظام وعيهم وحولهم إلى عبيد. أجل إن الأكثرية التي قضت في السجون والتي قضت في ساحات التظاهر، أو في معارك الجيش الحر، أو في العمليات الفدائية سكان المدن والقرى المدمرة، أهل الفكر والأدب والفن الذين تشتتوا في دول متعددة، الأكثرية التي عاشت الخوف في الداخل، وحالة التمرد الصامت والكبت الشعوري المرهق هم صنّاع النصر. وعليّ هنا أن أشير هنا إلى إن التمرد الصامت العلني في القول والفعل التي أظهرناه نحن الذين عشنا في الخارج دون خوف بعيداً عن عنف سلطة الإبادة يجب ألا يقودنا إلى نوع من التشوف، فما عانته الأكثرية الصامتة الكارهة للنظام لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. فالفرح الذي عمّ مدن وقرى سوريا بزوال نظام الإبادة هو أكبر دليل على هذه المعاناة.