fbpx

من إدلب إلى حلب وحماة.. سورية بأكملها

0 2٬701

لم يلتزم الروس بكل وعودهم وتالياً بكل اتفاقاتهم مع الولايات المتحدة والأوربيين، عندما أخذوا ضوءاً أخضراً كاملاً بدخولهم إلى سوريا عسكرياً، وغضّ الطرف عن جرائمهم تمهيداً لتغيير موازين القوى العسكرية على الأرض وإبرام تسوية تكون فيها روسيا صاحبة اليد الطولى..

ولم يلتزم الروس بوعودهم للعرب بمنع وقوع سوريا تحت الهيمنة الإيرانية وتقليص نفوذها قدر الإمكان، فقد تحالفت موسكو مع طهران وشكلوا قوة عسكرية لها نفس الأهداف والمصالح (وإن كانت بينهما خلافات هامشية لم تؤثر على صيرورة العلاقة بينهما) وتمدّدت وتجذّرت إيران في سوربا بغطاء جوي روسي إلى أبعد الحدود، بل حتى لم يُنفّذ الروس اتفاقهم مع الولايات المتحدة في صيف 2018 وانتشرت الميليشيات ذات التابعية الإيرانية في كامل الجنوب السوري.

ولم يلتزم الروس مع الأتراك في اتفاقية وقعها الرئيسان الروسي والتركي في سوتشي 2018 تم بموجبها اعتبار منطقة خفض التصعيد الرابعة وهي المتعارف عليها بمنطقة إدلب وتم توقيع اتفاقية 2019 باعتبارها منطقة شبه عازلة لا تتقدم إليها قوات النظام وحلفاءه مع بنود عديدة وتكون آمنة للسكان، ونشر الأتراك 12 نقطة مراقبة لتحديد المنطقة مرحلياً والانتظار حتى يبدأ الحل السياسي.

غدر الروس بكل تلك التوافقات وعندما كانوا يملكون القوة العسكرية اقتحموا المنطقة إلى أن وصلوا لخطوط وقف إطلاق النار التي دامت طويلاً وبدأت في 5 آذار 2020..

 وكانت تلك الخطوط تُعبّر عن حقيقة ميزان القوى على الأرض، ولم يتمكن الثوار السوريين وحلفائهم الأتراك من الاحتفاظ بأكثر مما بقي بحوزتهم من الأرض في انتظار لتغيّر موازين القوى على الأرض للانقضاض مجدداً، وهو ما حدث فجر 27 تشرين ثاني 2024..

وكان التمسك بما بقي من أرض (مع قلة مساحتها) ووجود حاضنة شعبية وحماية تركية وثوار مصرّون على التمسك بسلاحهم وقضيتهم هو الأمل بتغيير موازين القوى لاسترجاع ما فقدوه بل والحفاظ على حلم إسقاط النظام أيضاً.

كان الأهالي وأغلبهم من النازحين في المناطق المحررة ومعظمهم سكن المخيمات يطالبون ويلحون في فتح معارك على أمل تحرير قراهم وبلداتهم المحتلة وطبعا كانت الظروف الدولية والإقليمية لا تسمح بذلك، أيضاً توازن القوى العسكرية على الأرض لا يتيح ذلك.

بداية الأمل بتغيير الظروف الدولية المتحكمة بالقضية السورية بدأت بالغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022، وبانقضاء أول أسبوعين من ذلك الغزو ظهر أنّ الروس قد تورطوا بحرب استنزاف طويلة ومنهكة مع الناتو، ووضع روسيا بعد الغزو لن يكون كما قبله، وبدأ الضعف يعتري الدور الروسي في سوريا وتظهر ملامح الإنهاك عليه وتضاؤل تأثيره بحيث بات الروس غير قادرين على إحداث أيّ تَحوّل إستراتيجي في الملف السوري.

كان ظاهراً للعيان وملموساً أنّ القدم الرئيسية التي يستند إليها النظام قد كُسِرَت وأنّ الروسي لم يعد أكثر من عكاز عتيق يستند إليه النظام.

التغير الجوهري الآخر هو حدث السابع من أكتوبر والذي بموجبه بدأت حرب أطلسية بواسطة إسرائيل لاستئصال شأفة التواجد الإيراني في المنطقة.

بنتائج حرب غزة ولبنان كانت ضربة قاصمة قد تم توجيهها لإيران وكان واضحاً القرار الدولي بطرد إيران من المنطقة وأنّ سوريا هي الجزء الهام من المحور والذي يجب تطهيره، وبعد مغازلة الأسد وتقديم عصا مع جزرة له اختار عدم الخروج من بيت الطاعة الإيراني وأخذ خياره النهائي بذلك وأفشل كل الجهود العربية والتركية والغربية والتي وعدته خيراً إن قام بتوجيه رسالة فقط للأمين العام للأمم المتحدة يخبره فيها أنّ الدولة السورية لم تعد بحاجة لتواجد ميليشيات إيرانية في أراضيها وأنها تطلب مساعدة أممية لإخراجهم.

وبالتالي إنّ معركة تحرير حلب التي بدأتها قوى الثورة السورية لطرد نظام الأسد والميليشيات الإيرانية من المحافظة هي في سياق المعركة الدولية ضد الاحتلال الإيراني لأربعة دول عربية، وبالتالي تحظى تلك المعركة برضا دولي واعتقد أنّ القرار التركي بالسماح بالمعركة ودعمها كان بالتناغم مع الولايات المتحدة ومحورها.

ليس مُهماً أبداً الموقف الروسي والذي بالتأكيد حاول ثني الأتراك عن تلك العملية بمحاولة فتح مسار تفاوضي مع نظام الأسد، لكن القرار الإيراني كان حائلاً دون أيّ تقارب ببن أنقرة ودمشق لأنّ ذلك سيضع الأسد في الحضن التركي.

سوف تحقق المعركة الجارية الآن كل أهدافها، إذ تبيّن على الأرض الانهيار المريع لقوات النظام وداعميه وسيؤدي تحرير حلب وأريافها وأرياف من حماة وإدلب إلى زيادة مساحة الأراضي المحررة وعودة نازحين إلى قراهم ولاجئين من تركيا أيضاً، وسيتم تخفيف الضغط البشري في الجيب الضيق الذي كانوا يعيشون فيه، وستمتلك المعارضة السورية أوراقاً جديدة تستخدمها في أيّ مفاوضات قادمة، وستستفيد تركيا في التخفيف من ضغط اللجوء السوري فيها وأيضاً في تعزيز أمنها القومي على حدودها الجنوبية، فيما سيستفيد العرب والأوربيين والأمريكان في خسارة كبرى للإيرانيين في سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني