fbpx

ممارسات الاعتقال في سوريا الجديدة: هل تقوّض العدالة الانتقالية وتعيق تسليم المجرمين؟

0 51

بينما تسعى سوريا الجديدة إلى طي صفحة الماضي المظلمة، تبرز تحديات كبرى تعترض طريق العدالة والمصالحة الوطنية. أحدث التقارير الصادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 30 كانون الأول/ديسمبر 2024، يشير إلى أن ممارسات التعذيب والإهانة التي طالت متهمين بانتهاكات في عهد نظام الأسد، تُلقي بظلال من الشك على مصداقية الحكومة الجديدة. هذه الممارسات لا تُهدد العدالة الداخلية فحسب، بل تُعقّد أيضاً جهود تسليم المسؤولين المتورطين بجرائم جسيمة من الدول التي لجؤوا إليها.

العمليات الأمنية وملاحقة فلول النظام السابق:

ضمن جهود استعادة الأمن والاستقرار، أطلقت إدارة العمليات العسكرية حملة أمنية شاملة لملاحقة فلول النظام السابق. شملت الحملة مناطق استراتيجية مثل جنوب اللاذقية، ستمرخو، وقدسيا في ريف دمشق. تم اعتقال عدد كبير من المشتبه بهم، ومصادرة أسلحة وذخائر غير مشروعة، مع فرض نقاط تفتيش في مواقع حساسة مثل طريق قاعدة حميميم العسكرية.

ورغم نجاحات الحملة، تصاعدت التوترات إثر هجمات شنتها مليشيات مسلحة تابعة للنظام السابق على القوات الأمنية، ما أسفر عن مقتل 17 عنصراً وإشعال مواجهات عنيفة في ريف طرطوس وحمص.

إساءات الاعتقال… انحراف عن مسار العدالة:

وسط هذه العمليات، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر اعتقالات اتسمت بالإهانة الجسدية والنفسية، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً داخل وخارج البلاد. الوثائق المصورة كشفت تعرض معتقلين للضرب والمعاملة المهينة، مما يعكس استمرار ممارسات لطالما كانت سمة لنظام الأسد السابق.

تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هذه الانتهاكات تُهدد بتقويض العدالة الانتقالية، وتُضعف ثقة المواطنين بالنظام الجديد، فضلاً عن تعزيز الشعور بالانتقام والانقسام المجتمعي.

أثر التعذيب على تسليم المطلوبين دولياً:

أوضح بيان الشبكة أن ممارسات التعذيب قد تعرقل الجهود المبذولة لتسليم مجرمي النظام السابق الفارين إلى الخارج. الدول التي يُطلب منها تسليم المتهمين تعتمد على تقييم معايير العدالة واحترام حقوق الإنسان في الدولة طالبة التسليم. أي انتهاكات موثقة، مثل التعذيب أو سوء المعاملة، قد تُستخدم ذريعة لرفض الطلبات، مما يُعقّد المساءلة الدولية.

هذا الأمر يُعد انتكاسة كبيرة لسوريا الجديدة التي تسعى إلى تقديم رموز النظام السابق للمحاكمات العادلة، ضمن إطار قانوني يُرسخ العدالة ويردع أي انتهاكات مستقبلية.

توصيات لتعزيز العدالة واحترام الحقوق:

قدمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان توصيات هامة لضمان احترام حقوق الإنسان أثناء الاعتقال وبعده:

أثناء الاعتقال:

استخدام القوة فقط كملاذ أخير وبشكل متناسب.

توفير تفسير فوري للمعتقلين عن أسباب اعتقالهم وضمان حقوقهم القانونية.

منع أي تمييز واحترام الكرامة الإنسانية لجميع المعتقلين.

بعد الاعتقال:

تأمين المعاملة الإنسانية والظروف الملائمة للاحتجاز، بما يشمل الغذاء والرعاية الصحية.

ضمان التمثيل القانوني للمعتقلين ومراجعة قضائية مستقلة لقانونية احتجازهم.

توفير برامج لإعادة التأهيل والدعم النفسي والاجتماعي عند الإفراج.

هل تُهدد الانتهاكات مصير سوريا الجديدة؟

إن الانتهاكات التي تُرتكب خلال الاعتقالات، رغم أهميتها لملاحقة فلول النظام السابق، قد تُضعف جهود بناء الثقة في المؤسسات الوليدة، وسوريا الجديدة تحتاج إلى نظام قضائي قوي ومستقل يضمن المحاسبة العادلة ويحترم كرامة الإنسان.

كما أن الحفاظ على المعايير الدولية في التعامل مع المعتقلين يُعد خطوة أساسية لضمان التعاون الدولي في تسليم المطلوبين، وتحقيق العدالة لضحايا النظام السابق.

إن بناء سوريا جديدة لا يقتصر على إسقاط رموز النظام السابق، بل يتطلب التمسك بمبادئ العدالة واحترام الكرامة الإنسانية كأسس لا غنى عنها لتحقيق المصالحة وإعادة بناء المجتمع. استمرار ممارسات الإهانة والتعذيب، مهما كانت دوافعها، يُهدد بتكرار أخطاء الماضي ويضعف جهود المساءلة والمحاسبة.

إن سوريا الجديدة تقف على مفترق طرق، حيث يتعين على حكومتها أن تختار بين انتهاج العدالة الحقيقية التي تُعيد ثقة الشعب وتُعزز التعاون الدولي، أو الوقوع في فخ الممارسات الانتقامية التي تُضعف كل ما تم تحقيقه من تقدم. فهل ستُثبت الحكومة قدرتها على صنع مستقبل أكثر إنسانية وعدلاً؟ الإجابة مرهونة بالإرادة السياسية والرؤية الأخلاقية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني