ملامح الدور العربي القادم في سورية
أصبح من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية في طور تقليص دورها في مناطق معينة من العالم لا تراها ذات أهمية كبرى لأمنها أو مصالحها، وليس سراً أن استراتيجيتها في الآونة الأخيرة تتجه للتعامل مع التوسع الصيني بكل أشكاله، فلم تتأخر عن إعلان تحالف أوكوس في المحيط الهادي وتعزيز تحالفاتها مع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، وسحب قواتها المتسرع من أفغانستان بعد عشرين عاماً من الوجود فيها دون تحقيق أي من أهدافها.
أتبعته بسحب قواتها القتالية من العراق وأبقت على ألفي مستشار عسكري فقط، ومدد الرئيس الأمريكي بقاء قواته القتالية في سورية لعام آخر وأظنه الأخير.
لم تعد منطقة الشرق الأوسط أولوية في الاستراتيجية الأمريكية لأسباب كثيرة، منها، أن النفط لم يعد هاجس الإدارات الأمريكية، وأن إسرائيل بلغت حد الفطام وطبعت علاقاتها مع معظم الدول العربية المهمة أو في طور تحقيق ذلك، وبعد فشل الولايات المتحدة خلال أول عقدين من القرن الحالي بحربين في أفغانستان والعراق، استنزفا كثيراً من مواردها مادياً وبشرياً وأخلاقياً، فإنها غير مستعدة مستقبلاً لخوض حروب جديدة في مناطق لا تنتهي حروبها، كما أن الولايات المتحدة قد أيقنت أنها حققت أهدافها بعد ضربات أيلول 2001 وهزمت كل أنواع الإرهاب الذي واجهها وتمت هزيمة داعش والقاعدة إلى الحد الذي لم يعد يشكل مصدر تهديد لأمنها.
حتى داعش المتبقي الآن لا يحمل أجندة عالمية تهدد أمنها.
في الاستعداد لمواجهة التغول الصيني في العالم والتنمر الروسي في أوربا، تسعى للتوصل لاتفاقية مؤقتة أو دائمة مع النظام الإيراني بحيث تترك المنطقة وتراقبها عن بعد وتدعم حلفاءها الأقوياء بها بما يشبه القيادة من الخلف، إذ تملك الولايات المتحدة حلفاء أقوياء من العرب والترك والإسرائيليين، شجعت على إزالة الخلافات فيما بينهم بحيث يتمكنون من إنشاء منظومة أمن إقليمية مع إيران أو ضد إيران إذا أصرت الاخيرة على أن تكون ثورة وليست دولة.
استعدت دول الإقليم لذلك التغير في الاستراتيجية الأمريكية، فلم ينقض العام الأول من عمر إدارة الرئيس بايدن، حتى تغيرت طبيعة التحالفات بين دول الإقليم استشعاراً منها بالخطر الإيراني المتزايد في ضوء الانكفاء الأمريكي في المنطقة.
التقطت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الرسالة، فعملت على إنجاز المصالحة مع قطر في قمة العلا، وتنقية العلاقات البينية ولم ينته العام 2021 إلا وتم عقد قمة ثانية لدول مجلس التعاون، وقام ولي العهد السعودي بزيارة كل دولة على حدة ثم تم عقد القمة 42 لمجلس التعاون بعد أن تم اعتماد استراتيجية المواجهة في المرحلة المقبلة مع التنمر الإيراني، وكانت زيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة وتذويب جليد العلاقات بين البلدين، إضافة لزيارة هامة سيقوم بها الرئيس التركي إلى الرياض وأبو ظبي، تعتبر خطوات مهمة في تدعيم موقف دول مجلس التعاون في قيادة المرحلة القادمة.
من ملامح الدور العربي في مواجهة التمدد الإيراني
يبدو أن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون إضافة لدول عربية قد تكون ضمن الائتلاف المزمع تشكيله، حيث من المرجح أن يضم مصر والأردن والمغرب بحيث يصبح 6+3 بالإضافة الى انخراط تركي أكبر (يحتاج وقته لينضج) بمواجهة إيران+4 بعواصمها الأربعة مع غزة في معركة كسر عظم تقبل أنصاف حلول في البداية، لكنها في النهاية ستكون بعودة إيران دولة طبيعية إلى داخل حدودها وعمل منصة تفاوض إقليمي 8+1 مع إيران كما المنصة الدولية في فيبنا، وقبل ذلك لا يمكن القبول بإيران متمددة في عواصم أربعة مع غزة والاعتراف بشرعيته وإنشاء علاقات تعاون أمنية واقتصادية.
يبدو أن المملكة ودول مجلس التعاون تنفذ الاستراتيجية التالية، سابقاً كان الأمريكان يقولون: النفط مقابل الأمن، وكأنهم الآن يقولون: الأمن مقابل إملاء الفراغ، هذا الفراغ الذي سينجم عن الانكفاء الأمريكي.
ملامح الدور العربي في سورية
مع قدوم الإدارة الديمقراطية، التي أخذت عهداً على نفسها بنقض سياسات وتفاهمات إدارة الرئيس ترامب، ونفذت ذلك على الأرض (كرفع الحوثيين من لوائح الارهاب الأمريكية)، ساد اعتقاد أن الإدارة الجديدة في ظل التهليل الإيراني لقدومها باعتبارها إدارة أوبامية ثالثة، ساد جو لدى أوساط المحور الإيراني بانفراجات ستطول كل دول المحور، وبالنسبة للنظام السوري أهم ما يقلقه قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية الأخرى، لم يحصل أي تجميد للقانون أو بعض مواده، ولم تصدر أي إشارة إمريكية لاستعدادها لتعويم النظام السوري، بل زاد الضغط الإعلامي والدبلوماسي والسياسي على النظام، في جو هذه المرحلة كانت أبواق النظام الإعلامية تروج لفكرة تهافت أو هرولة الدول العربية إلى دمشق واعتذارها عما فات، لم يحصل ذلك واقتصر الأمر على بضع لقاءات بروتوكولية لوزير خارجية النظام في نيويورك مع بعض الوزراء العرب غير المؤثرين، أعقبته “بروباغاندا” إعلامية رافقت موضوع توصيل الغاز والكهرباء إلى لبنان مع زيارة قصيرة جداً قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.
ذهبت الأموال والاستثمارات العربية التي كان النظام يتسولها بوساطة روسية، إلى عدوه اللدود تركيا ولم يتلق النظام شيئاً.
يتمحور الدور العربي الآن في سورية انطلاقاً من موقف استراتيجي للمملكة العربية السعودية تلخص بكلمة المندوب الدائم لها في الأمم المتحدة بأن لا عودة ولا قبول بنظام قتل مئات الألوف من شعبه ولازال، كان سقفاً عالياً يشي بالسياسة العربية المتبعة.
وكون النظام الإيراني يقود المعركة في الهلال الشيعي كما يسمى بقيادة واحدة ورؤية واحدة، فإن المملكة أرسلت رسائل بأنها لن تخوض المعركة بالتقسيط أو المفرق بل برؤية واحدة وقيادة واحدة، تجلى ذلك على الصعيد السوري بعدم إجراء أي اتصال إماراتي مع النظام بعد زيارة وزير الخارجية، وإقدام البحرين على فتح سفارة بدمشق إشعاراً للخصم أن القرار في يد واحدة تأمر وتنهي وفق ضرورات المرحلة.
في لبنان كانت الهجمة الخليجية على الحزب واضحة وتعليق العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، أعقب ذلك استقالة الرئيس الحريري من الحياة السياسية المستقبلية في إشارة خليجية أن المملكة ذاهبة إلى الصدام وليس التهادن مع النفوذ الإيراني، فلا رئيس وزراء سني مستقبلاً سيقبل بالتهادن أو تمرير الوقت أو تدوير الزوايا أو استهلاك الشعارات، ولو نجح الحزب بالانتخابات سيكون هناك مواجه مباشرة.
وكان وصول وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان حاملاً مبادرة مضمونها إنذار غورو عربي بضرورة عودة لبنان دولة طبيعية إلى محوره العربي، وتفكيك سلاح حزب الله واحتكار الدولة اللبنانية للسلاح الشرعي.
يتجلى الدور العربي الواضح أيضاً في التصدي للنفوذ الإيراني في اليمن والعراق بشكل أوضح من سورية لأن الأوضاع ساخنة هناك وتفصيلها يحتاج لمقام آخر ليس الآن.
ما يهمنا الآن كسوريين، وضوح رؤية أو استراتيجية عربية لمجابهة النفوذ الإيراني في سورية، واعتبار النظام أحد الأذرع الإيرانية الواجب بترها بعد إصابتها بالغنغرينا الإيرانية وتعذر علاجها.
من الطبيعي أن يتجلى ذلك الدور بانخراط عربي مدروس ومنظم بدعم الشعب والمعارضة السورية على الصعد كافة.