منذ بدايات الثورة في سورية، كانت المرأة السورية حاضرة في كل ميدان ومكان، ومع التقدم في سنوات الثورة، بدأت النساء والفتيات يدفعن ثمن حرية السوريين ونضالهم وسعيهم من أجل الوصول إلى حلمهم بإقامة دولة ديمقراطية يعيش فيها كل السوريين في أمان، لكنها واجهت ظروفاً غاية في الصعوبة منذ انطلاق الثورة 2011 حيث أجبرت على النزوح والسير جنباً إلى جنب مع الرجل لإيصال أسرتها إلى بر الأمان ومواجهة مخاطر كبيرة، وبالإضافة لآلام النزوح واللجوء، تعرضت النساء السوريات للملاحقة والاعتقال والتعذيب، وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن المرأة السورية ما تزال تعاني من أسوأ أنماط الانتهاكات، إذ وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 28316 أنثى، في حين أن ما لا يقل عن 9668 امرأة لا تزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وكانت مهمة المرأة الأساسية في الأسرة هي التنشئة والتربية السليمة وتعليم القيم والمبادئ والأخلاق لأطفالها وهي بذلك تنشئ جيلاً متزناً نفسياً ومستقراً عاطفياً، يتميز بالقيم التي تنمي وترقى بالمجتمعات والحضارات لكن المرأة السورية أثناء قيامها بواجباتها تجاه عائلتها واجهت الكثير من الضغوطات، وكان الأكثر إزعاجاً لها وإيلاما لمشاعرها هي الضغوطات الاجتماعية.
فالسيدة إسراء التي تسكن في مخيم زوغرة القريب من مدينة جرابلس وهي مطلقة منذ حوالي ست سنوات من زوجها الذي تركها وحيدة وعاد إلى مدينته حمص. تقول: أقطن في هذا المخيم البعيد عن أي تجمع سكاني حيث النساء لا يخرجن أو يتحدثن بسهولة وهن يعانين جداً من حالات نفسية وضغوطات من صعوبة العادات والتقاليد الاجتماعية والتدين وهن بمثابة معتقلات في الخيمة.
أجبرهنَّ النظام وقصفه على النزوح من بيوتهنَّ مع أزواجهنَّ وأطفالهنَّ، فكانت الخيام في الأراضي الزراعية مستقراً لهنَّ، وأصبحنَ أمام واقع لا مفر منه دفعهنَّ إلى خوض غمار الحياة في طريقة لم تعتد بعضهنَّ عليها، لأن الحياة في خيمة النزوح تختلف عن الحياة الريفية لدى بعض النساء اللواتي اعتدن عليها، حيث اختلف المأوى عليهنَّ واختلفت معه طريقة العيش بكل تفاصيلها، وفقدنَ عملهنَّ الذي يكسبنَ منه لقمة عيش تسد رمق أطفالهنَّ خاصة في ظل فقدان المعيل، لا سيما في الزراعة وغيرها.
تحكي لنا السيدة زهور سالم القدور قصتها فتقول: أعيش في مخيم زوغرة للنازحين وأنا من حمص وزوجي معتقل منذ تسع سنوات وعندي ثلاثة أطفال وليس لدي أهل أو أقارب في المخيم وفقدت الاتصال بعائلتي منذ خروجي من حمص.
وتناشد زهور الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية العالمية المساعدة بمعرفة مصير زوجها ومساعدتها في أن يصل صوتها إلى منظمات حقوق المرأة التي تغض البصر عن معاناة المرأة في سوريا وخاصة سكان المخيمات.
واختلاف نمط الحياة من البيت إلى الخيمة يجعل معاناة المرأة أكبر بكثير وانعكس ذلك على ثقافة الأولاد وعدم توفر مقومات النظافة التي لا تستطيع الأسرة تأمينها، بالإضافة إلى صعوبة المعاناة في تربية الأطفال وتعليمهم وخاصة عند فقدان الأب.
فتجبرهن الظروف على التأقلم مع الواقع الصعب، ما دفع إحداهن للعمل مع ابنها الذي لم يكمل تعليمه لتأمين مورد للعيش، ويجبرن على العمل في الأراضي وبما يعرف بتعفير الزيتون، وبعضهن لم تكن قد اعتادت على مزاولة مثل هذه الأعمال وأخريات اضطررن للطبخ على النار بسبب ضيق الحال، والتقاط الحطب لتأمين التدفئة، ونقل الماء من مورده، فالحياة في المخيمات شاقة وتحتاج لمجهود إضافي لم تعتد عليه جميع النساء.
تقول إسراء: عندي طفلة ولم أحصل على المساعدة المقدمة من المنظمات كون المساعدات تقدم للأرامل فقط وزوجي كما يقولون على قيد الحياة وبذلك لم أحقق المعايير المطلوبة للحصول على المساعدة ولكن زوجي تخلى عن أسرته وليس لدي معيل لعائلتي.
يضيف خضر المحمود مدير مخيم زوغرة: المنظمات تستهدف في مشروعها اليتيم الذي فقد أبيه حصراً.أما أيتام الأم أو الأطفال الذين تركتهم أمهاتهم، لسبب ما لا يستهدفون. المطلقة حتى لو كان زوجها في بلد آخر لا تستهدف، ومشروعنا لا يستهدف النساء المطلقات.وعندنا بعض المنظمات والمجلس المحلي يلغي مصروف الطفل الشهري عند بلوغه (12) عاماً، ولدينا في المخيم عدد النساء كبيرات السن حوالي (60) سيدة ودون معيل وعدد النساء اللواتي لديهن أطفال دون الـ (12) وهن أرامل حوالي (135) امرأة ويحصلن على راتب لكل أسرة تقريباً (15) دولار للطفل الواحد ولدينا حوالي (250) طفل تقريباً يستهدفهم المشروع ولهم كفالات.ويمكن للمطّلع على مجريات الأحداث في سورية أن يرى ويقّيم جيداً الدور الفاعل والمؤثر للسيدات والفتيات في الداخل السوري، فمنذ بداية التظاهرات السلمية في كل المحافظات حتى الساعة، كانت هناك أعداد هائلة من النساء، ممن لهن أدوار فاعلة، من خلال منظمات المجتمع المدني والإغاثة والتعليم والإعلام، ولا يخفى على أحد ما عانته المرأة السورية في السجون والمعتقلات فقد قدّمت التضحيات، اعتُقلت وعُذّبت، قُتلت واغتُصبت، والكثيرات من النساء خرجن ليُكملن مواجهة قسوة الحياة وجورها، رغم رفض المجتمع والعائلة لهن.تقول سيدة وقد وضعت وشاحاً على وجهها، “نحن كمجتمع شرقي تبقى فيه المرأة محط أنظار الناس وانتقاداتهم في كل مكان فنحن نتعب في المنزل ولكن في الوقت الحالي يفرض علينا التعب في المنزل وخارجه، مع كل هذا نبقى مضطهدات، فضلاً عن أن الحرب أوجبت علينا حماية أطفالنا، ومسؤولية تأمين تعليمهم حتى لو كان علينا أن نعلمهم نحن، لم يعد هناك مدارس آمنة نرسلهم إليها، فالأم من واجباتها أن تكون المعلم لأطفالها، وأن تؤمن لهم الرعاية الصحية والتعليمية، وكل هذا مسؤولية الأم حصراً، وهذا ينطبق بشكل عام على النساء السوريات كافة.كذلك، لم تكن معاناة النساء السوريّات أقل وطأة وقسوة خارج المخيمات، فقد عملن بجد، على الرغم من كل الظروف القاسية والصعوبات، ولا يمكن أن نغمض العين عن إنجازاتهن وقوتهن وثباتهن، وهن جزء أساس من انتصار الثورة وقوتها، وعلى الرغم من كل الصعوبات، اعتلين المنابر ليوصِلن صوت الهمّ السوري، ويسعين دائبات من دون كلل لمعالجة ما أمكن من آلام.ويبقى للمرأة في الحياة دور مهم جداً يمكن ملاحظة أثره بالغ الوضوح، فهو دور شديد الحساسية، وضياع المجتمعات يأتي من تحييد دور المرأة واستغلال إمكانياتها بشكل يفوق قدراتها، ما قد يترتب عليه تشتت وهدم الأسر ودور المرأة في المجتمع لا يقل أهمية عن دور الرجل، فهي عضو هام فيه، وهي العامل الأساسي في المجتمع فهي الأم والأخت والزوجة والابنة حيث تتحمل الكثير من الضغوط وظروف الحياة، ولها دور بارز في تنمية المجتمع.في الماضي كان دورها الأمومة وهو الدور الأبرز والأهم للمرأة لأنه ينشئ المجتمعات والحضارات، ويحدث تغيراً في الحياة، وهذا الدور يعني عدة أدوار ضمن مفهوم الأمومة وهي الاهتمام بالأسرة ومشاكلها وترابط أفرادها. ومع محاولات التوصل إلى حلول في سوريا، طفت إلى السطح قضية دور المرأة في إحلال السلام أو في ترسيخه على الأقل، وتمكينها اقتصادياً ومجتمعياً، لكن هذه المصطلحات، على بساطتها، تخفي وراءها تعقيدات بحجم الملف السوري وتشابك خيوطه، والبحث فيها يستوجب طرق أبوابٍ موصدة تحبس خلفها قضايا جدليةً، زادتها وطأة الحرب وارتفاع صوت السلاح تعقيداً.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”