fbpx

مطالب واشنطن من حكومة أحمد الشرع: تنفيذ أم التفاف؟

0 36

مع بروز أحمد الشرع كرئيس لحكومة انتقالية في سوريا، بدأت تظهر بوضوح خارطة المطالب الأمريكية التي يُتوقع من هذه الحكومة تنفيذها كشرط لدعمها دولياً، وخصوصاً من واشنطن. هذه المطالب ليست مجرد بنود سياسية عابرة، بل تعكس رؤية استراتيجية أمريكية تريد إعادة تشكيل المشهد السوري بما يخدم مصالحها الإقليمية والدولية، ويحد من النفوذ الإيراني والروسي داخل الأراضي السورية.

في هذا المقال، سنناقش أهم هذه المطالب، ونفحص مدى قدرة حكومة أحمد الشرع على تنفيذها أو السعي للالتفاف حولها، في ظل واقع داخلي معقد وضغوط خارجية متشابكة.

أولاً: التطبيع مع إسرائيل

أولى المطالب وأكثرها حساسية هي إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. هذا المطلب يمثل تغييراً جذرياً في السياسة السورية التي تبنت، منذ عقود، موقفاً عدائياً صريحاً تجاه إسرائيل، خصوصاً في ظل احتلال الجولان وعدم تسوية القضية الفلسطينية.

قبول حكومة أحمد الشرع بهذا الشرط قد يُعتبر “خيانة وطنية” من قبل جزء كبير من الشارع السوري، إضافة إلى أنه سيفجر خلافات داخل النخب السياسية وحتى داخل المؤسسة العسكرية. ورغم أن واشنطن تعتبر هذا التطبيع مؤشراً على “التحول الإيجابي” في سياسة دمشق، فإن الشرع سيجد صعوبة كبيرة في تحقيق هذا البند، وقد يلجأ إلى التهدئة الكلامية أو اتصالات غير رسمية دون إعلان صريح لعلاقات كاملة.

ثانياً: طرد المقاتلين الإسلاميين الأجانب

الطلب الأمريكي بطرد المقاتلين الإسلاميين الأجانب من سوريا، خصوصاً المنتمين لتنظيمات كالنصرة والتركستان والحزب الإسلامي التركستاني وغيرهم، يأتي في سياق مكافحة الإرهاب، وهو مطلب يمكن أن تتعامل معه حكومة الشرع بحذر.

رغم أنه ينسجم مع حاجة الحكومة لفرض السيادة على كامل الجغرافيا السورية، فإن تطبيقه يتطلب تنسيقاً مع قوى محلية ودولية (تركيا مثلاً)، كما قد يصطدم بممانعة قوى مسلحة ما تزال تملك نفوذاً على الأرض. لكن بشكل عام، من الممكن أن تلتزم الحكومة الانتقالية بهذا البند تدريجياً كجزء من إعادة ضبط الأمن.

ثالثاً: ترحيل الفصائل الفلسطينية المصنفة إرهابية

واشنطن تشترط على الحكومة الجديدة ترحيل المقاتلين الفلسطينيين المنتمين إلى حركات مثل حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تعتبرهما “إرهابيتين”. هذه الخطوة لا تتعلق فقط بالوجود العسكري بل تمتد إلى قطع علاقات سياسية ودعم لوجستي كان قائماً لعقود بين دمشق وهذه الفصائل.

تنفيذ هذا المطلب سيؤدي حتماً إلى توتر العلاقات مع الداعمين الأساسيين لهذه الفصائل، كما قد يؤدي إلى فقدان دعم شريحة من الرأي العام العربي المناصر للقضية الفلسطينية. من المرجح أن يحاول أحمد الشرع الالتفاف حول هذا المطلب عبر تأجيل القرار أو الفصل بين الدعم السياسي والوجود العسكري، تجنباً لصدمة إقليمية مبكرة.

رابعاً: المشاركة في قتال داعش

الانضمام إلى تحالف دولي لمحاربة داعش يعتبر من المطالب المقبولة ظاهرياً، وقد تستفيد منها الحكومة الانتقالية لكسب شرعية دولية وتعزيز قدرتها العسكرية. إلا أن ذلك قد يتطلب تنسيقاً مباشراً مع واشنطن أو حتى قوات “قسد” المدعومة من أمريكا، وهو ما قد لا يكون مرحباً به من بعض الأطراف السورية.

إذاً، تنفيذ هذا البند ممكن تقنياً، لكنه سيُدار بطريقة محسوبة كي لا تظهر الحكومة الجديدة وكأنها أداة أمريكية خالصة.

خامساً: إدارة معتقلات داعش

مطلب إدارة معتقلات مقاتلي داعش الموجودين في الشمال الشرقي السوري، وبخاصة في مناطق “قسد”، يحمل تحديات أمنية كبيرة. هذا يعني أن حكومة أحمد الشرع ستكون مسؤولة عن آلاف المعتقلين من جنسيات مختلفة، وهو ملف معقد ويحتاج إمكانات ضخمة، إضافة إلى تنسيق مع جهات دولية لا تعترف حتى الآن بشرعية الحكومة الانتقالية.

هذا المطلب قد يُستخدم كورقة مساومة، حيث تطالب الحكومة بمساعدات مالية وتقنية مقابل استلام هذا الملف. وقد تتجنب الالتزام الفوري بحجة “عدم الجاهزية”، مما يمنحها وقتاً للمراوغة أو فرض شروط مضادة.

الخلاصة:

يبدو أن أحمد الشرع سيواجه معضلة حقيقية بين الانصياع للمطالب الأمريكية لكسب الشرعية والدعم الدولي، وبين الحفاظ على تماسك الداخل السوري وتفادي الاصطدام مع القوى الإقليمية المؤثرة. بعض المطالب قد تُنفذ فعلياً، بينما سيحاول الالتفاف على أخرى عبر التأجيل أو التطبيق الجزئي.

المعادلة الدقيقة التي سيلعبها أحمد الشرع لن تكون سهلة، لكنها ستحدد ما إذا كانت حكومته قادرة على الصمود، أم ستتحول إلى مرحلة انتقالية بلا انتقال فعلي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني